هل يتعلم قادة الأمة من البابا فرنسيس.. ونراهم في غزة؟!

بقلم: شريف عبدالغني

| 23 يوليو, 2024

بقلم: شريف عبدالغني

| 23 يوليو, 2024

هل يتعلم قادة الأمة من البابا فرنسيس.. ونراهم في غزة؟!

في 23 نوفمبر من العام الماضي، وبعد مرور شهر ونصف على بدء فصول المذبحة الإسرائيلية تجاه الأشقاء في قطاع غزة، نُشر لي عبر هذا المنبر (مدونة العرب) مقال بعنوان: “هل يفعلها قادة الأمة ويعقدون قمة طارئة في غزة؟!“.

المقال كان “أمنية.. حلم” من مواطن عربي، أن يفعل كبار أمتنا ما يمليه عليهم الضمير الإنساني والواجب الأخلاقي، لوقف حرب الإبادة ضد مليونين من البشر، معظمهم نساء وأطفال وشيوخ في غزة، ليسوا مسؤولين بالقطع عن قرارات أو حسابات أو أخطاء حركة حماس.

“الأمنية.. الحلم” لا تُحمّل القادة ما لا طاقة لهم به، بل إنها تصب في صالح أمن بلادهم، وصالحهم أنفسهم، إذ ستجعل شعبيتهم في عنان السماء، ما يعني المحافظة على عروشهم الأثيرة، وذلك إذا فعلوها وعقدوا قمة عربية إسلامية في قلب غزة.

الآن..

وبعد تواصل المذبحة واقتراب دخولها الشهر العاشر، ومع كل التسويف الإسرائيلي في الوصول إلى صفقةٍ توقِف المجازر الوحشية وتعيد الأسرى من قطاع غزة، وفي ظل رغبة بنيامين نتنياهو بمواصلة حرب الإبادة حتى يقتل أكبر عدد ممكن من أهلنا في القطاع، ويدمر ما تبقى من منشآت وأبنية بشكل يجعل الحياة في هذه المساحة الجغرافية الصغيرة، مستحيلة.. أقول: الآن يجب أن نُذكّر قادتنا أنهم عقدوا قمة طارئة مشتركة بين دول جامعة الدول العربية ودول منظمة التعاون الاسلامي، في الرياض، يوم السبت 11 نوفمبر 2023، شددوا فيها على “ضرورة كسر الحصار عن غزة، وإلزام دخول قوافل المساعدات فوراً”..

أسألهم: هل حققتم شيئاً من البيان الختامي، وما وعدتم به شعوبكم في تلك القمة؟! كما أن كثيراً من هؤلاء القادة، قبل تلك القمة وبعدها، لم يتوقفوا عن إجراء اتصالات وعقد لقاءات مع نظرائهم في عواصم القرار العالمي الكبرى، لمحاولة وقف الحرب على القطاع، فهل نجحت مساعيهم؟!

أيها القادة..

هل تشعرون بنظرة الشعوب تجاهكم، بعد الفشل في تحقيق الحد الأدنى مما تحدثتم عنه في قمة الرياض؟ هل تدركون المكانة الضئيلة التي وضعتم أنفسكم فيها، بعدما لم تحوّلوا ما ينقله إعلامكم عن اتصالاتكم ولقاءاتكم لوقف حلقات الحرب ومسلسل القتل، إلى واقع؟

إن الوضع الراهن، وبعد كل خيبات الأمل طوال الأشهر التسعة الماضية، يستدعي من قادتنا التفكير في قرار شجاع وتاريخي، قرار يسعى إليه أصحاب الجهود المحمودة، من الحكام والمسؤولين، الذين لا نشك في صدق دوافعهم وحرصهم على وقف الحرب. هذا القرار يكون عن قناعة بأن الورقة الأخيرة لوقف حرب الإبادة ضد الأشقاء الفلسطينيين، وفي الوقت نفسه حفظ ماء وجوه الجالسين في قصور الحكم أمام رواة التاريخ، تتمثل في عقد قمة عربية- إسلامية عاجلة في غزة.

إن أصحاب الجهود المحمودة يدركون قبل غيرهم- وبعد أحداث وتطورات ومذابح الأشهر التسعة- أن صواريخ وقنابل وكل أسلحة الفتك الصهيونية هي أسرع في الوصول إلى رؤوس أهلنا في غزة من أصوات محركات طائراتهم، التي تنقلهم إلى هذه العاصمة أو تلك بحثاً عن مسؤول دولي عاقل، يستطيع إرغام نتنياهو ومجلس حربه و”جيش دفاعه” على وقف هذا الجنون.

كما أن التجربة أثبتت أن قصر الجهود على التحايل، والحصول على الدعم الغربي لإدخال المساعدات إلى القطاع، تكون نتيجتها على الأرض- وبوضوح- استمرار الكيان الصهيوني في حرب الإبادة ضد غزة بشراً وحجراً، بينما غاية كل جهود القادة مجرد محاولة إرسال ما يسد رمق باقي الأحياء، حتى يأخذوا دورهم لاحقاً في طابور القتل، والمحظوظ منهم من يجد من يدفنه، بدلاً من ترك جثته لكلاب الشوارع تنهشها!

إن كل مواطن عربي لديه بقية رحمة ونتفة إنسانية عليه أن يدعو معي قادتنا إلى أن يتعلموا من درس البابا فرنسيس، ويستلهموا من رؤيته.. كان الرجل في قمة “الدهاء السياسي” حينما زار مدينة الموصل العراقية في مارس 2021. لقد أراد بابا الفاتيكان أن يوجّه رسالة واضحة إلى العالم بشأن ما فعله تنظيم داعش بحق مسيحيي الموصل، حيث لم يتبقَّ منهم في المدينة سوى بضع عشرات من الأُسر.

اختار الحبر الأعظم أن يكون مؤتمره، الذي تنقله كل الكاميرات إلى كل المعمورة، أمام ركام كنيسة أثرية مدمرة وسط المدينة التي كانت معقلاً للتنظيم، وقال أثناء إشرافه على صلاة على أرواح ضحايا الحرب من أمام الركام، إن “التناقص المأساوي في أعداد تلاميذ المسيح، هنا وفي جميع أنحاء الشرق الأوسط، إنما هو ضرر جسيم لا يمكن تقديره”.

إن غزة على مرمى بصر من قادة العرب..

هل سيكون هناك مكان أفضل منها لعقد قمة عربية إسلامية طارئة برئاسة “أبومازن”، رغم كل التحفظ على دوره وشخصه ومواقفه المعلن منها والخفي؟! وهل ثمة وسيلة ناجعة أكثر من انتقال قادتنا صفاً واحداً إلى القطاع من معبر رفح لوقف الحرب، ودعوة كبار رجالات ومسؤولي الدنيا إلى مشاركتهم الحوار لوضع حل دائم وعادل للقضية الفلسطينية، كما يقولون دائماً في ختام اجتماعاتهم من يوم ما تفتحت عيوننا على الدنيا؟!

غزة مكان مثالي، فلن تتعبوا مثلما ظل البابا يبحث عن مكان لعقد مؤتمره في الموصل.. إن الخراب في غزة على مد البصر، أينما توّلوا وجوههم فستجدوا الدمار.. البيوت.. المدارس.. المستشفيات.. دور العبادة. أينما تحلّوا فستشاهدوا بأم عيونكم جثث الأطفال والنساء والشيوخ.

لن يجد “أبومازن” أية غضاضة في أن يفتتح المؤتمر مستعيناً بمقولة مستمدة من عبارة البابا في الموصل: “إن التناقص المأساوي في أعداد الفلسطينيين، هنا وفي جميع أنحاء الشرق الأوسط، إنما هو ضرر جسيم لا يمكن تقديره”!.

أكرر يا سادتنا..

لا أنا ولا أي عاقل سيطلب منكم “إعلان حرب”.. نطلب منكم فقط موقفاّ ملموساً لوجه الله والإنسانية، ولأمن دولكم.

لنتخيل.. لو فعلها القادة وعقدوا قمتهم أمام أي مستشفى غزي مدمر، وعرضوا على الشاشة الرئيسية صور “الأطفال الخدج” والنساء والأطفال، وغيرهم من صنوف الشهداء.. لنتوقع رد فعل الشارع العربي على هذه القمة، من المحيط الذي كان ثائراً إلى الخليج الذي كان هادراً. لنُخمّن.. ما حجم الشعبية التي سيجنيها القادة جميعهم لو توجهوا إلى غزة؟.

المؤكد أن أي حاكم سيحضر هذه القمة، وبينه وبين شعبه أو قطاع منه سوء تفاهم أو بعض التذمر، ستطيب بحضوره كل الجراح، وسيعود من غزة سيداً وقائداً تاريخياً بحق، وليس كما يصوّر له إعلامه البائس، وزمرة منافقيه من أصحاب الجهل العصامي.

أعيد الرسالة إلى قادتنا..

 لا تخشوا على حياتكم أبداً لو عقدتم هذه القمة بدون أي تأمين.. أهالي القطاع رغم كل مآسيهم سيحمونكم برموش عيونهم، فأنتم رُسل العناية الإلهية لإنقاذهم من مسلسل المذابح، وإعادتهم إلى الحياة. كما أن نتنياهو وجيش دفاعه لن يستطيعوا منع قمتكم، لن يتجرؤوا على قصف اجتماعكم.

إن صفحات التاريخ لا تعترف إلا بأصحاب الأفعال الاستثنائية، ولا تذكر من يعيشون حياتهم في منطقة الظل البعيدة، ويتخذون قراراتهم ممسكين بالعصا من المنتصف.

أذكّركم أنه فعلها من قبل حاكم شجاع واحد زار غزة منفردا، هو أمير قطر السابق، الشيخ حمد بن خليفة، في أكتوبر 2012، وكانت أول زيارة من نوعها يقوم بها مسؤول عربي على هذا المستوى إلى القطاع، بعد سنوات من الحصار الإسرائيلي. ولم تكن هذه الزيارة هي الوحيدة للأمير إلى القطاع، إذ زاره أيضا قبل ذلك التاريخ بأكثر من 13 عاماً، في زيارة وصفت بأنها تاريخية، وكان وقتها أول زعيم خليجي يزور فلسطين منذ عام 1967.

بالتالي..

أمام قادة الأمة ومسؤوليها فرصة لاتخاذ قرار جماعي سيكون مفصلياً في تاريخ أمتهم ومسيرتهم، قرار سيُغيّر المعادلة العالمية في التعامل مع العالم العربي، وسيُحسب له ألف حساب.

فهل يفعلونها، ونراهم صفاً واحداً في غزة؟!

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

وقد استجاب القضاء لدعوة الرئيس.. ماذا ينتظر المستأجرون؟!

وقد استجاب القضاء لدعوة الرئيس.. ماذا ينتظر المستأجرون؟!

ذكّرني القول إن المحكمة الدستورية العليا في مصر استجابت لدعوة الرئيس في إصدار حكم، بما مضى. فدائما تذكّرنا القدرات المتواضعة الآن بعهد الرئيس مبارك، فلا يعرف قيمة أمه إلا من يتعامل مع زوجة أبيه، وكثيرون صار شعارهم "رُبّ يوم بكيت منه، فلما مضى بكيت عليه". ولست من هؤلاء...

قراءة المزيد
السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط

السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط

لم تمرّ إلا ساعات فقط بعد إعلان الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب نيته تعيين حاكم أركنساس السابق "مايك هاكابي" ليكون سفيرًا للولايات المتحدة لدى إسرائيل وهو المعروف بدعمه منقطع النظير للاستيطان، خاصة في الضفة الغربية التي يعتبرها جزءاً من أرض الميعاد كما يقول،...

قراءة المزيد
“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟

“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟

خلال زيارتي لنائب مدير جامعة السلطان محمد الفاتح في إسطنبول، البروفيسور المؤرخ زكريا كورشون، كنت أتحدث معه عن آخر إصداراته، فحدثني عن كتابه "العرب العثمانيون"، ومقصد الكتاب تبيان عمومية النظام السياسي في الإسلام لجميع الأعراق والأجناس في ظل الدولة الواحدة . فالإسلام...

قراءة المزيد
Loading...