
رحلة الشّتاء والصّيف.. كيف حقّقت الأمن من الخوف والإطعام من الجوع؟
بقلم: محمد خير موسى
| 23 أكتوبر, 2024

مقالات مشابهة
-
أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!
أخيراً تحقق لها المراد! فقد صافحت الوزيرة...
-
غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة
على مدى ما يقارب ٤٧١ يوماً، وقفت غزة وحيدةً...
-
سوريا وثورة نصف قرن
سيسجل التاريخ أن يوم ٨ ديسمبر ٢٠٢٤م يوم مفصلي...
-
خطر الدوغمائية على مآل “الميثاق الغليظ” في المغرب!
يزداد انشغالي فكريًّا ووطنيًّا بما سيثيره مشروع...
-
ماذا عن القرار العباسي بإغلاق مكتب الجزيرة؟!.. يا لك من نتنياهو!
فعلها محمود عباس (أبو مازن)، وأكد عندما فعلها...
-
وقد استجاب القضاء لدعوة الرئيس.. ماذا ينتظر المستأجرون؟!
ذكّرني القول إن المحكمة الدستورية العليا في مصر...
مقالات منوعة
بقلم: محمد خير موسى
| 23 أكتوبر, 2024
رحلة الشّتاء والصّيف.. كيف حقّقت الأمن من الخوف والإطعام من الجوع؟
في ظلّ الفوضى الاقتصاديّة التي كانت تعيشها جزيرة العرب وهيمنة الخوف والقلق الاقتصاديّ بسبب الإغارة على القوافل التجاريّة ونهب وسلب السابلة والمسافرين والتجار المتنقلين؛ كانت قريش تعيش أمنًا اقتصاديًا متفرّدًا؛ فلم تكن قوافلها تتعرض للإغارة أو السلب مما تسبب بازدهار تجارتها واستقرار حركتها الاقتصاديّة مما أثمر الكفاية المعيشيّة لعموم أهلها.
ويرجع السبب الرئيس في هذا الأمن الذي نالته قريش على نفسها وأموالها وتجارتها إلى البيت العتيق الذي استحقت بوجوده قريش في مكة المكرمة شرف المكانة وثمارها إذ إنّ العرب كانت تحجّ البيت العتيق ولا تستطيع الامتناع عنه، وقريش هم أهل الحرم وإليهم يؤوب الناس من القبائل كلها كل عام بل على مدار السنة؛ فرقابهم لا محالة كائنة في يد قريش في نهاية المطاف؛ فمن مصلحتهم إذن أن تأمن قريش على تجارتها وقوافلها حيثما توجهت في أنحاء جزيرة العرب فمن يتعرّض لها لن يشعر بالأمن على نفسه إن أراد زيارة البيت العتيق. إضافة إلى ما تحمله قبائل العرب في نفوسها من الامتنان لقريش وشعورها بالفضل لكونهم أهل السّقاية والرفادة، فهم يخدمون الحجيج ويطعمونهم ويسقونهم بلا انتظار مقابل منهم، فالشعور بالامتنان من جهة، والشّعور بالخوف من الانتقام وردّة الفعل على أيّ عدوان على قوافل قريش من جهة أخرى جعل قريشًا تنعم بالأمن على تجارتها والطمأنينة على قوافلها التجاريّة فكانت تذرع البلاد طولًا وعرضًا بأقلّ عددٍ من المرافقين والحراسة آمنة على نفسها مطمئنة إلى انّ الصحراء كلها آمنة كمكّة تمامًا.
وكانت لقريش رحلتان تجاريتان رئيستين الأولى إلى الشّام في الصيف، والثّانية إلى اليمن في الشتاء، بما يتناسب والمناخ في كل واحدة منهما، وترجع براءة اختراع هاتين الرّحلتين إلى جدّ النبيّ صلى الله عليه وسلّم عَمْرو بن عبد مناف، والذي غدا لقبه بعد ذلك “هاشم” وبه صار يُعرَف، وسبب اللّقب براءة اختراع أخرى وهي أنّه أوّل من هشم الثريد للحجيج ولقبيلته التي كانت تعاني المجاعة حينها في مكّة المكرّمة.
وذلك أنّ قريشًا أصابتها سنون ذهبنَ بالأموال فخرج هاشم إلى الشّام فأمر بخبز كثير فخبز له، فحمله في الغرائر ــ أي أوعية الطعام ــ على الإبل حتى وافى مكة، وهشم ذلك الخبز، يعني كسره وثرده، ونحر تلك الإبل، ثم أمر الطّهاة فطبخوا، ثم كفأ القدور على الجفان فأشبع أهل مكة؛ فكان ذلك أول الحباء بعد السنة التي أصابتهم؛ فسمي بذلك هاشمًا، ولقد قيل في ذلك:
عمرو الذي هشمَ الثّريد لقومه
قومٍ بمكّة مسنتين عجافِ
سُنّت إليه الرحلتان كلاهما
سفرُ الشّتاء ورحلة الأصيافِ
وأمّا رحلة الشتاء فكان ينطلق فيها إلى اليمن فيدخل على عامل النجاشي فيكرمه بل كان يستمر حتى يبلغ الحبشة فيقربه النجاشي ويكرم وفادته، وفي رحلة الشتاء كان ينطلق إلى الشّام فيجول في أنحائها ويصل إلى غزة وربّما بلغ أنقرة، فيدخل على قيصر فيكرمه، وتوفي في إحدى رحلاته التجاريّة هذه في غزّة ودفن فيها ولذا يقال لغزة؛ غزة هاشم.
ولقد أنزل الله تعالى سورة في كتابه أسماها “قريش” يمتنّ بها على قريش ويذكرهم نعمته عليهم في إطعامهم من الجوع وأمنهم من الخوف بسبب البيت الذي امتنّ به عليهم أن كان عندهم؛ فقال تعالى: “لِإِيلافِ قُرَيْشٍ * إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ * إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ * فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ”
وفي التّعليق على السورة يقول الشهيد سيد قطب في الظلال: “ومع ما كانت عليه حالة الأمن في شعاب الجزيرة من سوء; وعلى ما كان شائعا من غارات السلب والنهب، فإن حرمة البيت في أنحاء الجزيرة قد كفلت لجيرته الأمن والسلامة في هذه التجارة المغرية، وجعلت لقريش بصفة خاصة ميزة ظاهرة; وفتحت أمامها أبواب الرزق الواسع المكفول، في أمان وسلام وطمأنينة. وألفت نفوسهم هاتين الرحلتين الآمنتين الرابحتين، فصارتا لهم عادة وإلفا!
هذه هي المنة التي يذكرهم الله بها ــ بعد البعثة ــ كما ذكرهم منة حادث الفيل في السورة السابقة، منة إيلافهم رحلتي الشتاء والصيف، ومنة الرزق الذي أفاضه عليهم بهاتين الرحلتين – وبلادهم قفرة جفرة وهم طاعمون هانئون من فضل الله. ومنة أمنهم الخوف. سواء في عقر دارهم بجوار بيت الله، أم في أسفارهم وترحالهم في رعاية حرمة البيت التي فرضها الله وحرسها من كل اعتداء.
يذكرهم بهذه المنن ليستحيوا مما هم فيه من عبادة غير الله معه; وهو رب هذا البيت الذي يعيشون في جواره آمنين طاعمين ويسيرون باسمه مرعيين ويعودون سالمين.
يقول لهم: من أجل إيلاف قريش رحلة الشتاء والصيف فليعبدوا رب هذا البيت الذي كفل لهم الأمن فجعل نفوسهم تألف الرحلة، وتنال من ورائها ما تنال فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع.. وكان الأصل ــ بحسب حالة أرضهم ــ أن يجوعوا، فأطعمهم الله وأشبعهم من هذا الجوع وآمنهم من خوف.. وكان الأصل ــ بحسب ما هم فيه من ضعف وبحسب حالة البيئة من حولهم ــ أن يكونوا في خوف فآمنهم من هذا الخوف!
وهو تذكير يستجيش الحياء في النفوس. ويثير الخجل في القلوب. وما كانت قريش تجهل قيمة البيت وأثر حرمته في حياتها. وما كانت في ساعة الشدة والكربة تلجأ إلا إلى رب هذا البيت وحده”
وهكذا فقد نعمت قريش بالاستقرار في ظلّ الفوضى، وبالأمن الاقتصاديّ والمجتمعيّ في خضمّ الخوف المهيمن، وبكفايتها المعيشيّة في محيط يعاني الجوع وتبعاته، وكلّ هذا كان من الممهدات لولادة النبيّ صلى الله عليه وسلّم في بيئة مستقرّة تصلح أن تكون مثابةً للناس ومآبًا لهم يأمنون فيه على أنفسهم ليسمعوا فيه الدعوة القادمة، ولتكون هذه البيئة المستقرّة في الوقت نفسه منطلقًا للبعثة المنتظرة وتبليغها للنّاس.

مختص بقضايا الفكر الإسلامي ومشكلات الشباب
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
رسالة إلى أمريكا
وقف مراسل شبكة CNN الإخبارية بمنطقة "أيتون" شرقي مدينة لوس أنجلوس الأمريكية، مرتدياً قناعاً واقياً من الغاز، قام بإزاحته عن وجهه، بعد أن طلبت منه المذيعة في داخل الاستوديو أن يصف لها ما يحدث على الأرض. بعيون دامعة، ووجه شاحب مكفهر، تحدث بأسى عن جحيم مروع، تشهده ولاية...
أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!
أخيراً تحقق لها المراد! فقد صافحت الوزيرة الألمانية أنالينا بيربوك الوزيرَ السوري أسعد الشيباني في الرياض، بعد الضجة الكبرى لعدم مصافحة أحمد الشرع لها، والاكتفاء بالترحيب بها بوضع يده مبسوطة إلى صدره! وكما كان عدم المصافحة في دمشق خبرَ الموسم في الإعلام الغربي، فقد...
غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة
على مدى ما يقارب ٤٧١ يوماً، وقفت غزة وحيدةً صامدةً تواجه مصيرها، كآخر بقعة تتموضع عليها القضية الفلسطينية، بعد أن تم تدجين العالم العربي كله وصولاً إلى تدجين فلسطين نفسها بقيادة أكثر صهيونية من الصهيونية نفسها، لا هدف لها سوى أن تُنسي الفلسطينيين والعالم كله شيئاً...
0 تعليق