نعم لجواسيس الداخل والخارج!. ولكن..
بقلم: د. عبد الله العمادي
| 19 سبتمبر, 2024
مقالات مشابهة
-
السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط
لم تمرّ إلا ساعات فقط بعد إعلان الرئيس الأمريكي...
-
“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟
خلال زيارتي لنائب مدير جامعة السلطان محمد الفاتح...
-
في موقعة أمستردام.. لم تسلم الجرّة هذه المرة !
تقول العرب في أمثالها: "ما كل مرة تسلم الجرة".....
-
عمر بن عبد العزيز والتجربة الفريدة
حين ظهرت له أطلال المدينة المنورة، أيقن الشاب...
-
هيكل: حكايات من سيرة الأستاذ الكاهن (2)
هيكل والسادات مضت السنوات وابتعد محمد حسنين هيكل...
-
أعرني قلبك يا فتى!
أعرني قلبك يا فتى، فإن الأحداث جسام، والأمور على...
مقالات منوعة
بقلم: د. عبد الله العمادي
| 19 سبتمبر, 2024
نعم لجواسيس الداخل والخارج!. ولكن..
العنوان قد يبدو مستفزاً بعض الشيء.. فمن ذا الذي يهش ويبش للجواسيس، الذين تبدو صورهم الذهنية غاية في السوء ما إن يتحدث أحد عن عالم الجاسوسية والعملاء؟
بالطبع لا أحد يهش لهم أو يسعد بهم إلا من له مصلحة معهم أو من وراء مهامهم.. ومع ذلك نقول: نعم للجواسيس الذين نصنعهم على أعيننا، لا أولئك الذين يتم زرعهم في أوساطنا.
نعم لجواسيس أو عملاء نصنعهم بمعرفتنا، ولغايات تجسيد آية {وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوّةٍ}، فهذه فئة تمارس أدواراً غاية في الأهمية في معارك الحق والباطل، إن تم التخطيط لها لتسير وتعمل وفق منهج يتوافق مع تعاليم الشرع؛ إذ بهم يمكنك تحقيق مكاسب وانتصارات دونما حاجة لإراقة دماء أو زهق أرواح، لا من معسكرك، أو حتى معسكر الجانب الآخر.
الجاسوسية، أو زرع العملاء، أمر قديم قرأنا عنه في كتب التاريخ، بل ما زلنا نقرأ عن شخوصها وأحداثها إلى يوم الناس هذا.. إنها في كل الأزمنة والأمكنة، قديماً وحديثاً!. تجد اليوم أجهزة التجسس ومؤسساته في كل الدول تقريباً، بل زاد الاهتمام بمؤسسات التجسس باعتبارها صفوفاً أمامية في المعارك، وعلى أكتافها تتقدم الصفوف الأخرى إن سخنت الأجواء، واحتاج الأمر إلى حزم وحسم للنتائج.
المغول- مثلاً- رغم وحشية أساليبهم مع الدول التي كانوا يغزونها، وهمجيتهم بعد كل انتصار، لم يكن ليحصل لهم ذلك لولا عامل التجسس أو زرع عملاء من بني جنسهم، أو تجنيد خونة من أبناء الدول التي كانوا يخططون لاجتياحها ونهبها، وإهلاك الحرث والنسل فيها. قال فيهم الإمام السيوطي: “تصل إليهم أخبار الأمم، ولا تصل أخبارهم إلى الأمم، وقلما يقدر جاسوس أن يتمكن منهم، لأن الغريب لا يتشبه بهم، وإذا أرادوا جهة كتموا أمرهم، ونهضوا دفعة واحدة، فلا يعلم بهم أهل بلد حتى يدخلوه، ولا عسكر حتى يخالطوه..”
الجاسوسية مهارات وفنون
ليس هناك ما يمنع من تطبيق فكرة التجسس على العدو، لا من الناحية الشرعية ولا القيمية، بدليل قوله تعالى: {وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوّةٍ}. ومن تلك القوة- كما أسلفنا- ما نسميه اليوم بجهاز الاستخبارات، الذي يكون من صلب مهامه وعمله، حماية أمن ومصالح البلاد ومن فيها، من أعداء الداخل والخارج.
الجاسوسية اليوم صارت عملاً احترافياً يتطلب من القائم به دقة ومهارة، وكياسة وفطنة، مع سرعة بديهة، لا سيما إن كان هذا “العميل” يعيش وسط بيئة معادية لبلده ودينه؛ فالعمل وسط العدو جد دقيق، ويتطلب حذراً فوق المعتاد والمطلوب، وعدم مخالفة التعليمات.
حذيفة بن اليمان- رضي الله عنه- طلب منه حضرة رسول الله – صلى الله عليه وسلم- في إحدى الليالي الباردة أثناء معركة الخندق- أو الأحزاب- أن يجمع قواه ويدخل خلف خطوط العدو، وحدد له مهمة معينة لا يتجاوزها، ولا يبادر لأي عمل من تلقاء نفسه، حتى لو وجده سهلاً يسيراً وفي صالح المسلمين.. ونجح حذيفة في دخول معسكر المشركين، بل ووصل إلى القائد الأعلى لهم، وكان يومها أبا سفيان، حيث يقول حذيفة عن مشهد اقترابه منه: “رأيت أبا سفيان يُصْلي ظهره بالنار (من شدة البرد)، فوضعت سهماً في كبد القوس فأردت أن أرميه، فذكرت قول رسول الله – صلى الله عليه وسلم- ولا تُذعرهم عليّ، ولو رميته لأصبته”.
المهم في القصة أنه نفذ المهمة، وعرف معلومات غاية في الأهمية عن الحالة المعنوية لجيش المشركين، وعاد سالماً دون أن يكتشف أمره أحد، بعد معاناة من برودة ورهبة تلك الليلة، فأخبر الرسول الكريم بما رآه وسمعه، فكانت مكافأته كما يقول حذيفة: “فألبسني رسول الله – صلى الله عليه وسلم- من فضل عباءة كانت عليه يصلّي فيها، فلم أزل نائماً حتى أصبحت، فلما أصبحتُ قال: قم يا نومان”.
عيون الداخل والخارج
هناك مشاهد من الحاضر كثيرة، هي أمثلة على ما نتحدث عنه.. اقرأ ما كان يحدث مثلاً أثناء الحرب الباردة بين الأمريكان والسوفييت؛ كل معسكر كان يجند عشرات الآلاف من العملاء، هم مهرة في المهام المطلوبة، وأصحاب ذكاء عاطفي واجتماعي، بالإضافة إلى تمتعهم بمهارات أخرى تتطلبها مهامهم، سواء كانوا من مواطنيهم أم مواطني المعسكر الآخر، أو الخونة إن صح التعبير؛ فكل معسكر يريد كشف ثغرات الآخر كي تسهل عليه عملية التسلل وجمع المعلومات، لتحقيق وإنجاز المهام المطلوبة.
الأمر ما زال مستمراً بين المعسكرين، بل لا تجد اليوم دولة إلا ولها أجهزة للداخل والخارج.. فأما الأجهزة المختصة بالخارج أو الأعداء الخارجيين، فأمرها غالباً يعتمد على مدى نفوذ وسعة المصالح حول العالم أو استراتيجيات الدولة، وبالتالي تنوع الأعداء وكثرتهم.
الأمن الداخلي لأي دولة لا يقل أهمية أبداً عن حماية مصالحها الخارجية، وهو ما يستدعي إنشاء جهاز أمن داخلي، يستهدف عمله أهل الريب والشبهات في مجالات السرقة والجرائم اللاأخلاقية، وما شابه من جرائم تؤثر على الأمن الداخلي للبلد، وتتبُّعهم وملاحظتهم للحيلولة دون وقوع ضرر منهم على المجتمع ومن يعيش فيه. لكن هذا الأمر- مع أهميته- يحتاج لتقنين أو ضوابط، فالأمر ليس بهذه السعة التي يمكن تصورها حتى يتم إطلاق يد الأجهزة الأمنية الداخلية بلا حدود وضوابط، كما يحدث في العديد من الدول.
الأهم من هؤلاء المؤثرين على الأمن الداخلي وسلامة المجتمع، أولئك الذين يقومون بأعمال التجسس لغير صالح بلدانهم وأمتهم ودينهم، فهذا الأمر ليس فيه أدنى شك أنه خيانة لله والرسول والأمة. إن مثالاً واحداً على النموذج هذا يكفي أن يجعلك تدرك خطورة هذه الفئة الخائنة البائسة، التي ارتضت من الدنيا القليل مقابل الإساءة لأهلها ومجتمعها.. إنه الصداع المستمر للمجاهدين في غزة، خونة الداخل المتعاونون مع الصهاينة، بلاؤهم- ربما- أكبر من بلاء الصهاينة المجرمين.
قبل الختام، لابد من الإشارة أيضاً إلى الذي يتجسس داخل بلده لكن على أبناء وطنه، خدمة لزعيم فاشي أو ديكتاتور ظالم أو نظام سياسي فاسد، أو لصالح جهاز مالي، أو منفعة شركات تجارية أو مؤسسات رياضية، أو ما شابه من كيانات، أو حتى لصالح أفراد.. ذلك عمل تجسسي بحت ممقوت وقميء، بل هو خيانة دون أدنى ريب، وهذا- بلا شك- يحتاج من المجتمع نفسه أن يتنبه لهم ويكشفهم ويقطع دابرهم.
وقانا الله وأوطانَنا المسلمة شر الخيانات والخونة، سواء أكانوا منا أو من غيرنا.. إنه سميع عليم مجيب الدعوات.
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
وقد استجاب القضاء لدعوة الرئيس.. ماذا ينتظر المستأجرون؟!
ذكّرني القول إن المحكمة الدستورية العليا في مصر استجابت لدعوة الرئيس في إصدار حكم، بما مضى. فدائما تذكّرنا القدرات المتواضعة الآن بعهد الرئيس مبارك، فلا يعرف قيمة أمه إلا من يتعامل مع زوجة أبيه، وكثيرون صار شعارهم "رُبّ يوم بكيت منه، فلما مضى بكيت عليه". ولست من هؤلاء...
السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط
لم تمرّ إلا ساعات فقط بعد إعلان الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب نيته تعيين حاكم أركنساس السابق "مايك هاكابي" ليكون سفيرًا للولايات المتحدة لدى إسرائيل وهو المعروف بدعمه منقطع النظير للاستيطان، خاصة في الضفة الغربية التي يعتبرها جزءاً من أرض الميعاد كما يقول،...
“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟
خلال زيارتي لنائب مدير جامعة السلطان محمد الفاتح في إسطنبول، البروفيسور المؤرخ زكريا كورشون، كنت أتحدث معه عن آخر إصداراته، فحدثني عن كتابه "العرب العثمانيون"، ومقصد الكتاب تبيان عمومية النظام السياسي في الإسلام لجميع الأعراق والأجناس في ظل الدولة الواحدة . فالإسلام...
0 تعليق