ذو القرنين نموذج للقيادة العادلة

بواسطة | يونيو 21, 2024

بواسطة | يونيو 21, 2024

ذو القرنين نموذج للقيادة العادلة

إن المنهجية التي سار عليها ذو القرنين كحاكم مؤمن جعلته يلتزم بمعاني العدل المطلق في كل أحواله وسكناته؛ ولذلك سار في الناس والأمم والشعوب التي حكمها سيرة العدل، فلم يعامل الأقوام التي تغلب عليها في حروبه بالظلم والجور والتعسف والتجبر والطغيان والبطش، وإنما عاملهم بالمنهج الرباني الذي بينته الآيات المذكورة، وتجلى في قوله تعالى: {قال أمّا من ظلم فسوف نعذِّبه ثمّ يردّ إلى ربِّه فيعذِّبه عذابا نكراً* وأمّا من آمن وعمل صالحا فله جزاءً الحسنى وسنقول له من أمرنا يسرا}[ الكهف: 87 ـ 88].

وهذا المنهج الرباني الذي سار عليه يدل على إيمانه وتقواه، وعلى فطنته وذكائه، وعلى عدله ورحمته؛ لأن الناس الذين قهرهم وفتح بلادهم، ليسوا على مستوى واحد ولا على صفات واحدة؛ ولذلك لا يجوز أن يعامَلوا جميعا معاملة واحدة، فمنهم المؤمن ومنهم الكافر، ومنهم الصالح ومنهم الطالح، فهل يتساوون في المعاملة؟

قال ذو القرنين: أما الظالم الكافر فسوف نعذبه لظلمه وكفره، وهذا التعذيب عقوبة له، فنحن عادلون في تعذيبه في الدنيا، ثم مرده إلى خالقه لينال عذابه الأخروي.

إن الظالم والباغي والكافر في دستور ذي القرنين معذَّب مرتين، مرة في الدنيا على يديه، والأخرى يوم القيامة، حيث يعذبه الله عذابا نكرا، أما المؤمن الصالح فإنه مقرب من ذي القرنين يجزيه الجزاء الحسن، ويكافئه المكافأة الطيبة، ويخاطبه بيسر وسهولة وإشراق وبرّ ومودة. لقد كان ميزان العدالة في حكمه بين الناس هو التقوى والإيمان والعمل الصالح، ودائما يتطلع إلى مقامات الإحسان.

إن الله تعالى أوجب العقوبة الدنيوية على من ارتكب الفساد في المجتمع، وكلّف أهل الإيمان ممن مكن لهم في الأرض أن يحرصوا على تنفيذ العقوبات للمفسد والظالم لكي تستقيم الحياة في الدنيا؛ وإن ذا القرنين يقدم لكل مسؤول أو حاكم أو قائد منهجا أساسيا، وطريقة عملية لتربية الشعوب على الاستقامة، والسعي بها نحو العمل لتحقيق العبودية الكاملة لله تعالى؛ وهذا دستور الحاكم الصالح، فالمؤمن الصالح ينبغي أن يجد الكرامة والتيسير والجزاء الحسن عند الحاكم، والمعتدي الظالم يجب أن يلقى العذاب والإيذاء.

وحين يجد المحسن في الجماعة جزاء الإحسان جزاء حسنا، أو مكانا كريما، وعونا وتيسيرا، ويجد المعتدي جزاء إفساده عقوبة وإهانة وجفوة، عندئذ يجد أن ما يحفزهم إلى الصلاح والإنتاج؛ أما حين يضطرب ميزان الحكم، فإذا المعتدون المفسدون مقربون إلى الحاكم، مقدمون في الدولة، وإذا العاملون الصالحون منبوذون أو محاربون، فعندئذ تتحول السلطة في يد الحاكم إلى سوط عذاب، وأداة إفساد، ويعبر نظام الجماعة إلى الفوضى والفساد.

وهكذا، فإن التربية العملية للقيادة الراشدة هي التي تجعل الحوافز المشجعة هدية للمحسن؛ ليزداد في إحسانه، وتفجّر لديه طاقة الخير العاملة على زيادة الإحسان، وتُشعره بالاحترام والتقدير، وتأخذ على يد المسيء لتضرب على يده، حتى يترك الإساءة، وتعمل على توسيع دوائر الخير والإحسان في أوساط المجتمع، وتضييق حلقات الشر إلى أبعد حدود وفق قانون الثواب والعقاب.

1 تعليق

  1. محمد صابر الخولي

    احسنت شيخنا الحبيب احسن الله اليك والى والديك في الدنيا والآخرة

    الرد

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

تاريخ القراءة وسيرة مجانين الكتب

تاريخ القراءة وسيرة مجانين الكتب

من الكتب التي بَهَرتني في بدايات دخولي عالم القراءة كتاب "تاريخ القراءة"، للمؤلف الأرجنتيني ألبرتو مانغويل؛ دلَّني عليه صديقي يوسف عبد الجليل، وقرأته أكثر من مرة، وصوَّرت نسخةً غير شرعية منه في مكتبة كانت تطبع الكتب في طنطا. وقد عُدت إليه مؤخرًا وأنا أفكر في سر جماله،...

قراءة المزيد
لا تخدعنَّك مظاهر التقوى!

لا تخدعنَّك مظاهر التقوى!

في الحكايات الشعبية لبلاد الفرس، أن صيادًا كان يصطاد الطيور في يوم عاصف، فجعلت الريح تُدخل في عينيه الغبار، فتذرفان الدموع! وكان كلما اصطاد عصفورا كسر جناحه وألقاه في الكيس. وقال عصفور لصاحبه: ما أرقه علينا، ألا ترى دموع عينيه؟ فرد عليه الآخر: لا تنظر إلى دموع عينيه،...

قراءة المزيد
الضحالة والمعرفة السائلة

الضحالة والمعرفة السائلة

عُرف الفيلسوف وعالم الاجتماع البولندي زيجمونت باومان (١٩٢٥-٢٠١٧)م، بأنه صاحب مصطلح السيولة، التي أصدر تحتها سلسلته الشهيرة السيولة، من الحداثة السائلة والثقافة السائلة والحب السائل، والشر السائل والأزمنة السائلة والمراقبة السائلة، وهلم جرا من سيولات باومان المثيرة،...

قراءة المزيد
Loading...