الإنسان حين يتفرعن

بواسطة | أبريل 25, 2023

بواسطة | أبريل 25, 2023

الإنسان حين يتفرعن

في معاجم اللغة، أن الفرعنة أو حين يتفرعن المرء، إذا تمكّن وتجبّر، فيصير بذلك فرعونا. والفرعون صار لقبا يطلق على كل متكبر جبار، وما انتشر اللقب إلا من بعد أن جاء في القرآن ذكر فرعون، وقصص جبروته وظلمه وتكبره على الناس، حتى أتاه اليقين وهو يصارع الماء، ليموت غريقا ذليلا أمام المستضعفين من بني إسرائيل؛ ولم تنفعه فرعنته ساعتها بشيء.
قد نقرأ كثيرا في سيرة هذا الشخص، سواء في القرآن أو كتب التاريخ، وربما يستغرب البعض الطريقة التي كان يعامل بها الناس، وسبب اختياره طريقته تلك في إدارة البلاد والعباد، حيث القهر والتجبر، وصولا إلى ادعاء الألوهية، أو الرغبة في أن ينظر الناس إليه على أنه ربهم الأعلى، وليس ملكاً أو حاكماً فقط.
بالنظر إلى نفسية فرعون وهو يدّعي الربوبية، قد يمكن تفسير ذلك بأن مساً من الجنون أصابه، أو لوثة عقلية حلت به، فدعته إلى الادعاء بأنه رب مستحق لأن يعبده الناس، من بعد أن رأى مملكته الواسعة العامرة بالخيرات مستمرة في التوسع، واستشعر قدرته على التحكم والتصرف في مياه نهر النيل بطريقة ما، ومن بعد أن رأى الجميع يأتمر بأمره.. حتى وصلت به القناعات لادعاء الربوبية. قال تعالى: {ونادى فرعون في قومه قال يا قوم أليس لي ملك مصر وهذه الأَنهار تجري من تحتي أَفلا تبصرون} [سورة الزخرف: 51]
أي إنسان منا عنده القابلية لأن يكون فرعوناً بدرجة أو أخرى، لأن ما يدعو الإنسان لسلوك هذا المسلك، والتصرف بالطريقة التي كان عليها فرعون إنما هو مجموعة عوامل، إن توفرت كلها لدى الإنسان، فهو قاب قوسين أو أدنى من أن يكون فرعونا، وإن لم يصل إلى حد ادعاء الربوبية.

لعل من أبرز ما يميز الفرعون، كائنا من كان، اتصافه بعقلية العناد، التي منشؤها الرئيس دون أدنى شك في البيت. إذ ربما طريقة التربية أو القدوات الأساسية في بيته، ومنذ نعومة أظفاره، كانت على تلك الشاكلة من الأخلاق، عناد وتجبر وتكبر، فينشأ الطفل عليها.

أول تلك العوامل وفرة المال واستمرار تدفقه، وما ينتج عن تلك الوفرة المستمرة من صلاحيات واسعة ممتدة، مع ظهور بطانة سوء مستفيدة، تزين له الأمور والحاجيات، كعامل ثان، مع ضعف شديد في الإيمان بالله كعامل ثالث آخر مهم.
كل تلك العوامل لو اجتمعت في شخص ما، فهذا يعني أنه مشروع فرعون جديد، سواء كان على شكل زعيم سياسي، أو قائد عسكري، أو رئيس إداري، أو وزير أو مدير أو غير ذلك، وصولا إلى أصغر المجتمعات وهو البيت، ليكون الفرعون على شكل أب أو أم أو أخ أكبر أو حتى أخت كبرى!.
لعل من أبرز ما يميز الفرعون، كائنا من كان، اتصافه بعقلية العناد، التي منشؤها الرئيس دون أدنى شك في البيت. إذ ربما طريقة التربية أو القدوات الأساسية في بيته، ومنذ نعومة أظفاره، كانت على تلك الشاكلة من الأخلاق، عناد وتجبر وتكبر، فينشأ الطفل عليها. ثم تلزمه تلك الصفات والطبائع المكتسبة، وهو خارج إلى مجتمعات المدرسة ثم الجامعة فالعمل وبقية مجتمعات حياته، لتتعاظم الصفة معه، ويبدأ يتصرف كفرعون، مالم يتداركه أحد ويقوم بواجب التنبيه والعلاج؛ وإلا سيثبت مع الأيام على تلك الصفات، ويتحول فعليا إلى فرعون بصورة ما، لا يتردد لحظة في تكرار: (ما أريكم إلا ما أرى).
وما أكثرهم حولنا، لو نظرت هنا وهناك، فادع الله ألا تتورط مع أحدهم!.

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

تاريخ القراءة وسيرة مجانين الكتب

تاريخ القراءة وسيرة مجانين الكتب

من الكتب التي بَهَرتني في بدايات دخولي عالم القراءة كتاب "تاريخ القراءة"، للمؤلف الأرجنتيني ألبرتو مانغويل؛ دلَّني عليه صديقي يوسف عبد الجليل، وقرأته أكثر من مرة، وصوَّرت نسخةً غير شرعية منه في مكتبة كانت تطبع الكتب في طنطا. وقد عُدت إليه مؤخرًا وأنا أفكر في سر جماله،...

قراءة المزيد
لا تخدعنَّك مظاهر التقوى!

لا تخدعنَّك مظاهر التقوى!

في الحكايات الشعبية لبلاد الفرس، أن صيادًا كان يصطاد الطيور في يوم عاصف، فجعلت الريح تُدخل في عينيه الغبار، فتذرفان الدموع! وكان كلما اصطاد عصفورا كسر جناحه وألقاه في الكيس. وقال عصفور لصاحبه: ما أرقه علينا، ألا ترى دموع عينيه؟ فرد عليه الآخر: لا تنظر إلى دموع عينيه،...

قراءة المزيد
الضحالة والمعرفة السائلة

الضحالة والمعرفة السائلة

عُرف الفيلسوف وعالم الاجتماع البولندي زيجمونت باومان (١٩٢٥-٢٠١٧)م، بأنه صاحب مصطلح السيولة، التي أصدر تحتها سلسلته الشهيرة السيولة، من الحداثة السائلة والثقافة السائلة والحب السائل، والشر السائل والأزمنة السائلة والمراقبة السائلة، وهلم جرا من سيولات باومان المثيرة،...

قراءة المزيد
Loading...