ظاهرة عزوف الشباب عن الزواج.. رؤية مقاصدية للأسباب والعلاج
بقلم: وصفي عاشور أبو زيد
| 17 أبريل, 2023
مقالات مشابهة
-
السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط
لم تمرّ إلا ساعات فقط بعد إعلان الرئيس الأمريكي...
-
“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟
خلال زيارتي لنائب مدير جامعة السلطان محمد الفاتح...
-
في موقعة أمستردام.. لم تسلم الجرّة هذه المرة !
تقول العرب في أمثالها: "ما كل مرة تسلم الجرة".....
-
عمر بن عبد العزيز والتجربة الفريدة
حين ظهرت له أطلال المدينة المنورة، أيقن الشاب...
-
هيكل: حكايات من سيرة الأستاذ الكاهن (2)
هيكل والسادات مضت السنوات وابتعد محمد حسنين هيكل...
-
أعرني قلبك يا فتى!
أعرني قلبك يا فتى، فإن الأحداث جسام، والأمور على...
مقالات منوعة
بقلم: وصفي عاشور أبو زيد
| 17 أبريل, 2023
ظاهرة عزوف الشباب عن الزواج.. رؤية مقاصدية للأسباب والعلاج
دعا الشرع الإسلامي الحنيف إلى الزواج، وهو أمر مركوز في فطرة كل مخلوق: {ومن كل شیء خلقنا زوجین لعلكم تذكرون} [سورة الذاريات: 49]، وجعل من مقاصده المقررة حفظ النسل؛ وذلك بالزواج المشروع وتكوين الأسر الطبيعية، وأنزل في القرآن الكريم والسنة النبوية ما يعتبر مدونة كاملة من النصوص الشرعية فيما يتعلق بإقامة هذه الأسر من جهة، وباستقرارها واستمرارها من جهة أخرى.
في كل مراحل الزواج من الخطبة والحياة الزوجية، وحتى في حال استحالة استمرار هذه الحياة، شرع الإسلام تدابيرَ وأحكاما تقيمها وتحفظها إيجادا وإمدادا، تأسيسا واستمرارا، مما فصّلته في كتابي: “حفظ الأسرة مقصدا شرعيا، قراءة في التدابير الشرعية لإقامتها واستمرارها”. بل إن العلامة جمال عطية في كتابه “نحو تفعيل مقاصد الشريعة” جعل إقامة الأسرة مقصدا مستقلا، وذكر مقاصد تخص الأسرة، وهي سبعة: تنظيم العلاقة بين الجنسين، وحفظ النسل، وتحقيق المودة والرحمة، وحفظ النسب، وحفظ التدين في الأسرة، وتنظيم الجانب المؤسسي للأسرة، وتنظيم الجانب المالي للأسرة.
الشاب يقول: لماذا أرتبط بامرأة تكون عليَّ حملا؛ أحمل مسئوليتها، وأقوم عليها، وأقضي طلباتها “خذ وأنت نازل، هات وأنت قادم”؟ لماذا لا أعيش وحدي؛ أستمتع بوحدتي وحياتي البسيطة!
العزوف عن الزواج
ومع كل هذه المدونة الشرعية من النصوص في القرآن الكريم والسنة النبوية ووضوحها واستقرارها في كل مراحل الزواج: خطبةً، وحياة زوجية، وحتى في الطلاق، فإن هناك ظاهرة تشكلت في الأيام الأخيرة، تنزع إلى العزوف عن الزواج، بشكل قد يحمل تهديدا في المستقبل لكلية “حفظ النسل”؛ فضلا عن “حفظ النفس”، واستمرارها على الأرض!
فالشاب يقول: لماذا أرتبط بامرأة تكون عليَّ حملا؛ أحمل مسئوليتها، وأقوم عليها، وأقضي طلباتها “خذ وأنت نازل، هات وأنت قادم”؟ لماذا لا أعيش وحدي؛ أستمتع بوحدتي وحياتي البسيطة، بعيدا عن الحياة المعقدة والمسئوليات والواجبات والمشكلات الزوجية ومشكلات النساء والتعامل معهن؟
والفتاة تقول: لماذا أرتبط برجل أكون خادمة عنده، يتحكم فيَّ كما يشاء، وأكون “أسيرة” في يده، يرضى الله عني برضاه ويسخط بسخطه، أجهز له بيته وطعامه وشرابه وألبي شهواته، وأتولى تربية أولاده، وفي النهاية له الأمر والنهي عليَّ؟! أعيش وحدي هذا أفضل، لدراساتي العليا، لنفسي، لتحقيق ذاتي، لعملي، لحياتي الخاصة الحرة!!
هناك تيار متحلل من تلقاء نفسه يستخدم النصوص الموضوعة، ويستثمر الفهم المغلوط، ويصب نار التشفي والمعاندة لشرع الله على زيت الجهل والتشدد الذي يمثل أرضا خصبة يلعب على مسرحها هؤلاء المتحللون
أسباب هذه الظاهرة
هذا ما يتردد في أوساط كثير من الشباب اليوم، ويمثل ظاهرة أو يقترب منها، وهو أمر خطير -كما سلفت الإشارة- يوجب الوقوف أمامه، واستنفار طاقات المجتمع ومؤسسات الدول للوقوف على أسبابه وحيثياته، والتي نرى أن من أهمها:
أولا: مؤسسات المرأة الغربية، أو التي نشأت في بلادنا على الثقافة الغربية، وتريد أن تنزع المرأة من عقيدتها، وتسلخها عن شريعتها، وتُصدَّر لها مفاهيم مغلوطة عن الزواج وعن الأسرة، وعن موقف المرأة من الرجال، وموقف الرجل من النساء، ومن ثم تتشكل لدى كلا الطرفين ثقافةٌ لا علاقة لها بحقيقتها المشروعة، ويلحق بها منظمات حقوق المرأة، التي لا تفتأ ليل نهار تضخم الذات لدى المرأة، بما يجعلها تتمرد على زوجها وبيتها، وحتى على نفسها وأولادها، بل وصل الأمر إلى أن تمردت على دينها، وكفرت بربها وتمردت عليه بتوجيهها أسئلة اعتراضية على الشرع الشريف!!
ثانيا: ترويج بعض النصوص الشرعية المنكرة والتي لا أصل لها والموضوعة، والخاصة بالمرأة على وجه الخصوص، التي تُحشد في سياق واحد لحشو عقل المرأة بأنها “عورة” وبأن صوتها “عورة”، وبأنها مستشرَفةٌ من “الشيطان”، ومقرونة بالحمير والكلاب السود، وبأنها أسيرة عند الرجل، وبأن ميراثها وشهادتها على النصف من الرجل هكذا بإطلاق، وبأنها مخلوق ناقص الأهلية فاقد التوازن، مرهون بالرجل وموقوف عليه ..إلى آخر هذه المعاني المستقاة من نصوص موضوعة لا أصل لها، أو من نصوص يفهمونها بطريقتهم الخاصة بعيدا عن صحيح حقيقتها؛ وذلك لكي يحققوا أغراضهم ويصلوا لغاياتهم بتمرد المرأة على الحياة حتى على نفسها ودينها.
ثالثا: بعض الدعاة والعلماء الذين ينهجون نهج التشدد والتعصب في فهم بعض النصوص الشرعية فهما غير سليم، ويختارون أضيق الاجتهادات وأشدها تشديدا وتضييقا، فيحرمون خروج المرأة من بيتها، ويحرمون تعليمها، ويعتمدون هذه النصوص التي لا أصل لها، وقد يرون أنها لا تخرج من بيتها في هذه الدنيا إلا ثلاث مرات: مرة من بطن أمها إلى الحياة، والثانية من بيت أبيها إلى بيت زوجها، والثالة من بيت زوجها إلى القبر!
رابعا: وفي المقابل هناك تيار متحلل من تلقاء نفسه يستخدم هذه النصوص الموضوعة، ويستثمر هذا الفهم المغلوط، ويصب نار التشفي والمعاندة لشرع الله على زيت الجهل والتشدد الذي يمثل أرضا خصبة يلعب على مسرحها هؤلاء المتحللون؛ فيصورون الدين على أنه قيد على المرأة، ومانع من حريتها، وحجر على عقلها، وتحررها، وضد تكوينها لذاتها وتحقيقها لاستقلالها، وهكذا تقع المرأة بين تيار التحجر وتيار التحلل، ويضيع الفكر الوسط والفهم الوسط والأمة الوسط بين الغالي في الدين والجافي عنه.
خامسا: الخطاب المتداول على مواقع التواصل الاجتماعي، والذي يضخ هذه المفاهيم ضخا كبيرا وواسعا، بما يصل إلى بناتنا وأبنائنا في أي مكان وعلى كل منصة بهذه المفاهيم كلها، ما هو موضوع من النصوص ولا أصل له، وما هو فهم سقيم لنصوص صحيحة، مما فصّلته في كتابي: “مشاركة المرأة في العمل العام”، وقد أمستْ وسائل التواصل الآن تشكل مصدرا رئيسا من مصادر المعرفة وتشكيل الثقافة عند أبنائنا وبناتنا بما له وما عليه، ما يشكل خطرا حقيقيا على مستقبل أجيالنا الحاضرة والمستقبلة.
من أهم خطوات علاج هذه الظاهرة بيان زيف “النصوص الشرعية” الموضوعة، وبخاصة ما ينسب للسنة النبوية من أحاديث واهية وموضوعة ومنكرة وما لا أصل له منها حول المرأة، وبيان الفهم الصحيح لبعض النصوص الصحيحة وفق سياقاتها وملابساتها وحقيقة معانيها
معالم في علاج الظاهرة
وأمام هذه الأسباب التي تمثل تحديات كبرى أمام أجيالنا وأمام أسرنا القائمة أصلا، فضلا عن تصور الأجيال الحالية الشابة للأسرة والمرأة والرجل على السواء، لا يسعنا إلى أن نقف وقفة جادة: فرادى وجماعات ومجموعات ومجتمعات، ودولا ومؤسسات، لتحقيق الآتي:
أولا: تحفيز وتنشيط المؤسسات الموثوقة القائمة بالفعل، والتي تخصصت في مجال الأسرة والمرأة والطفل، وتقوية وضعها، وتأسيس مؤسسات وجمعيات أخرى للقيام بحد الكفاية وهو من الفروض الكفائية على الأمة؛ وذلك بهدف توعية المسلمين – نساء ورجالا – بالخطاب الشرعي الأصيل الذي يتحدث عن الأسرة كما هي، والذي يتحدث عن مكانة المرأة في الإسلام، وكيف أنصفها وكرمها، مقارنة بما كانت عليه قبل الإسلام وبعد الإسلام، ومقارنة -من ناحية أخرى- بالخطاب الغربي الذي يُسَلِّع المرأة ويعرضها على أنها فريسة للرجال، وهذا يمثل محاصرة لهذا الخطاب الضال الذي تبثه جمعيات حقوق المرأة بما يشبه عمل حركات التنصير والتشييع.
ثانيا: بيان زيف “النصوص الشرعية” الموضوعة، وبخاصة ما ينسب للسنة النبوية من أحاديث واهية وموضوعة ومنكرة وما لا أصل له منها حول المرأة، وبيان الفهم الصحيح لبعض النصوص الصحيحة وفق سياقاتها وملابساتها وحقيقة معانيها، بما يتفق مع نصوص الشرع ومقاصده، وبما يدفع الفهم المغلوط حول المرأة، وعندنا بحمد الله من المؤلفات الكثير والكثير حول الأسرة والمرأة، ومن ذلك كتاب: “تحرير المرأة في عصر الرسالة” للأستاذ عبد الحليم أبو شقة، وكتاب: “مكانة المرأة في القرآن الكريم والسنة الصحيحة” لأستاذنا العلامة د. محمد بلتاجي حسن، وكتاب: “فقه الأسرة وقضايا المرأة” لشيخنا الإمام يوسف القرضاوي، وكتاب: “تنوير المؤمنات” للشيخ العلامة المربي عبد السلام ياسين، وكتاب: “قضايا المرأة بين التقاليد الراكدة والوافدة” للداعية المصلح الشيخ محمد الغزالي، وكتاب: “دور المرأة السياسي في عهد النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين” للدكتورة أسماء محمد زيادة، وكتاب: “المرأة والعمل السياسي، رؤية إسلامية” للدكتورة هبة رؤوف عزت، وكتاب: “التحرير الإسلامي للمرأة” للمفكر الكبير د. محمد عمارة، وغير ذلك من كتب ومؤلفات تمثل مدونة كبرى يمكن أن نحاصر بها الخطاب المنحرف تحللا وتحجرا.
ثالثا: إبراز العلماء المعتدلين والدعاة الربانيين الذين تتوفر لديهم الرؤية الصحيحة للشرع نحو الأسرة والمرأة، وتسليط الضوء على خطابهم، وبيان الجُرم العظيم الذي يترتب على غيابهم أو تغييبهم من توسيع مساحات الضلال والإضلال، وانتشار لخطابَيْ التحلل والتحجر مما يوقع أبناءنا وبناتنا فريسة لهذه الخطابات المنحرفة حين يغيب الخطابُ الشرعي الأصيل الراسخ المنبثق من القرآن الكريم وصحيح السنة النبوية، بتغييب العلماء الربانيين والدعاة المصلحين. فحين نبرز العلماء الراسخين تكون هناك ضمانة وأمانة بوجود مرجعية ترجع لها الأجيال عند اختلاط الأفكار وانحراف المفاهيم.
رابعا: واجب الدول ومؤسساتها واجب أصيل وخطير وفاصل في هذه القضية الكبرى، وكذلك الأسر المسلمة؛ فعلى كل دولة أن ترسخ صحيح المفاهيم في مناهجها التربوية والتعليمية، وفي برامجها الإعلامية، وفي وزاراتها المختلفة التي تهتم بالأسرة والمرأة والطفل، وعلى كل أسرة أن تحيط أفرادها بحصانة الخطاب الصحيح؛ فإن حجم التحدي ضخم، والكم الهائل من الجمعيات الغربية التي لها أفرع في بلادنا لا يمكن تخيله بما تضخه من خطاب أشبه –كما قلت– بحركات التنصير والتشييع، وهذا لا يليق له إلا عمل دول ومؤسسات رسمية وحكومية وأجهزة قوية.
خامسا: توفير خطاب مبادر على وسائل التواصل الاجتماعي من خلال إنشاء منصات فاعلة وقوية توصل المفاهيم السليمة وتتناول النصوص الشرعية بشكل صحيح بما يرسخها في عقول أجيالنا، وبما يحاصر هذا الخطاب الضال الذي يستهدف أولادنا في أعز ما يملكون وهو دينهم.
وأخيرا:
لن تقوم لأجيالنا قائمة، ولن نستطيع حفظها من هذا الضياع -وحِفظُها من مقاصد الشرع المقررة– إلا إذا وقفنا على خطر هذه الظاهرة، وحجم التحدي المرعب الذي يواجهنا بها، والذي سيكون من أكبر التحديات في السنوات القادمة. وهذا يوجب علينا أخذ الأمر بجد، وإعداد العدة والأخذ بكل الأسباب الممكنة لتزويد أجيالنا بالخطاب الأصيل ومحاصرة الخطاب الضال، خطاب التحلل والتحجر، لترسو الأجيال على خطاب الوسطية الإسلامية والمقاصد الشرعية: {وكذلك جعلنـٰكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا} [سورة البقرة: 143].
حصل على دكتوراه في مقاصد الشريعة بعنوان: "المقاصد الجزئية وأثرها في الاستدلال ...
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
وقد استجاب القضاء لدعوة الرئيس.. ماذا ينتظر المستأجرون؟!
ذكّرني القول إن المحكمة الدستورية العليا في مصر استجابت لدعوة الرئيس في إصدار حكم، بما مضى. فدائما تذكّرنا القدرات المتواضعة الآن بعهد الرئيس مبارك، فلا يعرف قيمة أمه إلا من يتعامل مع زوجة أبيه، وكثيرون صار شعارهم "رُبّ يوم بكيت منه، فلما مضى بكيت عليه". ولست من هؤلاء...
السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط
لم تمرّ إلا ساعات فقط بعد إعلان الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب نيته تعيين حاكم أركنساس السابق "مايك هاكابي" ليكون سفيرًا للولايات المتحدة لدى إسرائيل وهو المعروف بدعمه منقطع النظير للاستيطان، خاصة في الضفة الغربية التي يعتبرها جزءاً من أرض الميعاد كما يقول،...
“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟
خلال زيارتي لنائب مدير جامعة السلطان محمد الفاتح في إسطنبول، البروفيسور المؤرخ زكريا كورشون، كنت أتحدث معه عن آخر إصداراته، فحدثني عن كتابه "العرب العثمانيون"، ومقصد الكتاب تبيان عمومية النظام السياسي في الإسلام لجميع الأعراق والأجناس في ظل الدولة الواحدة . فالإسلام...
0 تعليق