غرناطة في عصر بني الأحمر (2)
بقلم: سامي كمال الدين
| 22 يناير, 2024
مقالات مشابهة
-
السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط
لم تمرّ إلا ساعات فقط بعد إعلان الرئيس الأمريكي...
-
“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟
خلال زيارتي لنائب مدير جامعة السلطان محمد الفاتح...
-
في موقعة أمستردام.. لم تسلم الجرّة هذه المرة !
تقول العرب في أمثالها: "ما كل مرة تسلم الجرة".....
-
عمر بن عبد العزيز والتجربة الفريدة
حين ظهرت له أطلال المدينة المنورة، أيقن الشاب...
-
هيكل: حكايات من سيرة الأستاذ الكاهن (2)
هيكل والسادات مضت السنوات وابتعد محمد حسنين هيكل...
-
أعرني قلبك يا فتى!
أعرني قلبك يا فتى، فإن الأحداث جسام، والأمور على...
مقالات منوعة
بقلم: سامي كمال الدين
| 22 يناير, 2024
غرناطة في عصر بني الأحمر (2)
استعراض للتراث الثقافي لبني الأحمر في غرناطة، حيث يتناول الفن الهندسي والحضاري للقصور والمباني الفاخرة، مع التركيز على الحياة الاجتماعية والاقتصادية ودور المرأة في ذلك العصر.
تراث بني الأحمر ومزايا الحضارة في غرناطة
بنى ملوك بني الأحمر – زيادة على الحمراء وجنة العريف– قصوراً أخرى، وخلفوا آثاراً تم العثور عليها في بعض أديرة النصارى القديمة، كمنزل ضخم بحي البيازين تتوسطه نافورة ماء، تدل نقوشه وزخارفه الجصية على أنه أُنشئ في عهد السلطان محمد الفقيه، وآثار قصر بالقصبة القديمة يُعتقد أن السلطان أبا الحسن علي (886هـ/1463م – 887هـ/1464م) كان يختلي فيه بجاريته ثريا، وكان يُعرف باسم “دار الحرة” وتحول بناؤه الآن إلى دير.
وبرع مهندسو الحمراء في استغلال الموقع الطبيعي له، فكيَّفوا براعة صنعهم في فن العمارة حسب مقتضيات المكان، فجعلوا منه واحة، تتخللها أشجار متكاثفة ومتشابكة، وحاولوا ربط المناظر الطبيعية الخارجية بالداخل، فأجروا عليها الماء من الجبال المطلة عليها، عبر جداول تصاحبها الأدواح عبر ممرات مؤدية للقصر، وهيأوا بمختلف قاعات القصر أبهاءً فسيحة تتوسط غالبيتها برك الماء المحاطة بأزهار زاهية وأشجار الريحان الخضراء، حتى إن الجالس بقاعات الحمراء لا تفارقه الطبيعة لحظة ولا يفارقها.
ما زلنا مع كتاب الدكتور أحمد ثاني الدوسري “الحياة الاجتماعية في غرناطة في عصر دولة بني الأحمر” الصادر عن “إصدارات المجمع الثقافي– أبوظبي”، ونقف عند استعراضه حياة أسرة بني الأحمر في غرناطة، الذي تناول تفاصيل التفاصيل في قصورهم، إذ تناول الزخرفة التي بلغت ذروتها بقصر الحمراء، هذا القصر وما فيه من إفراط في التزويق والنقوش صار من أروع النماذج في صناعة البناء؛ “غطت الزخارف جدران القصر من الأدنى إلى الأسقف، وهي تبدو كبُسُط مطرزة، أما الأُزُر فتكسوها مربعات من الزليج تعلوها تنميقات جصية من التوريق، تمتزج بكتابات كوفية أو نسخية تتشابك حروفها وتتعانق رؤوسها. والأسقف غالبيتها خشبية بمعظم قاعات قصور الحمراء وبدورها وبأبنيتها العامة، كسقف المدرسة النصرية”.
تتخذ الأسقف شكل هرم ناقص مملوء بزخارف هندسية مختلفة الأشكال والألوان، وفي أسفلها نجد آزرة خشبية عليها توريقات ملونة؛ وأروع ما ارتبط بهذه الأسقف الظل أو البرطلات التي تعلو الأبواب التي تتكئ على كوابيل خشبية تندمج مع الجدران، وغالباً ما كانت هذه الظل تنتهي بتوريقات وكتابات نسخية أو كوفية.
“ورغم الظروف التاريخية التي وُجدت بها، شهدت غرناطة حركة فكرية عالية؛ فتنوعت العلوم بها واختلفت مقاصدها وفروعها، لكنها بلغت الغاية في علوم الدين والفقه والقرآن وفي علوم التاريخ والطب والشعر والأدب، وكان الإسهام الثقافي لغرناطة في هذا العهد غنياً جداً، يرجع ذلك – كما رأينا– إلى ارتباط الإبداع وقتذاك برعاية الدولة وتشجيعها، وفي فتح أمراء وحكام غرناطة قصورهم في وجه الأدباء والشعراء، إلى جانب اعتنائهم بالمدارس وإلحاقها بالمكتبات والمعلمين، حتى غدت غرناطة مركز إشعاع حضارياً وثقافياً في الغرب الإسلامي، حج إليه مشاهير العلماء والفقهاء والمتصوفين” .
لم تكن غرناطة لتستطيع الصمود لو لم يكن لها اقتصاد قوي، اعتمد على موارد مالية أساسها الحرية والضريبة، وكانت هذه الجبايات أكثر مما كانت عليه في الدول الإسلامية السابقة، ولأهميتها باشر ملوك بني الأحمر الشؤون المالية بأنفسهم. وفي الفلاحة برع أهل غرناطة في تطوير وسائل الري وفلاحة الأرض وتربية المواشي وغرس الحدائق، ساعدهم على ذلك الظروف الطبيعية الملائمة لبلادهم؛ وازدهرت الصناعات لوفرة الثروات الطبيعية كالحديد والنحاس والذهب والرخام وغيرها؛ أما التجارة فقد نشطت مع الدول الأوروبية والمغرب وسائر العالم الإسلامي.
ولم تكن المرأة الغرناطية في عزلة عن المجتمع، بل تمتعت نساء غرناطة بقسط نسبي جيد من الحرية، لم تتمتع به زميلاتهن فى بلاد المشرق؛ إذ تجاوزن وضعهن الطبيعي وساهمن في مجالات متعددة اقتصادية واجتماعية وثقافية، واقتحمن مجال العلم والمعرفة، وأظهرن كفاءتهن العلمية.
“وبذلك تكون غرناطة – رغم الصعوبات المتعددة التي واجهتها من الداخل والخارج– قد عمرت ما يزيد عن قرنين ونصف من الزمن، حاولت في أثناء هذه المدة وصل ماضيها بحاضرها”، لكن السياسة الإسبانية، استعملت مختلف الأساليب لإفناء الإسلام، فأنهكت قوى المملكة النصرية، التي ذهبت إلى مصيرها المحتوم ومصرعها المبكي، إذ سقطت في أيدي النصارى الإسبان عام 898هـ/1492م وكان هذا السقوط إنذاراً بانهيار صرح الأمة الإسلامية في الأندلس .
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
وقد استجاب القضاء لدعوة الرئيس.. ماذا ينتظر المستأجرون؟!
ذكّرني القول إن المحكمة الدستورية العليا في مصر استجابت لدعوة الرئيس في إصدار حكم، بما مضى. فدائما تذكّرنا القدرات المتواضعة الآن بعهد الرئيس مبارك، فلا يعرف قيمة أمه إلا من يتعامل مع زوجة أبيه، وكثيرون صار شعارهم "رُبّ يوم بكيت منه، فلما مضى بكيت عليه". ولست من هؤلاء...
السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط
لم تمرّ إلا ساعات فقط بعد إعلان الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب نيته تعيين حاكم أركنساس السابق "مايك هاكابي" ليكون سفيرًا للولايات المتحدة لدى إسرائيل وهو المعروف بدعمه منقطع النظير للاستيطان، خاصة في الضفة الغربية التي يعتبرها جزءاً من أرض الميعاد كما يقول،...
“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟
خلال زيارتي لنائب مدير جامعة السلطان محمد الفاتح في إسطنبول، البروفيسور المؤرخ زكريا كورشون، كنت أتحدث معه عن آخر إصداراته، فحدثني عن كتابه "العرب العثمانيون"، ومقصد الكتاب تبيان عمومية النظام السياسي في الإسلام لجميع الأعراق والأجناس في ظل الدولة الواحدة . فالإسلام...
0 تعليق