كل الاحتمالات واردة!

بواسطة | مايو 20, 2024

بواسطة | مايو 20, 2024

كل الاحتمالات واردة!

قضية مصرع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في تحطم مروحية، وتحديد سبب مقتله، تبقى مفتوحة على كل الاحتمالات في ظل الغموض الذي أحاط بتحطم المروحية في شمال غرب إيران.

من تلك الاحتمالات تعرض الطائرة لهجوم أدى إلى سقوطها، أو حدوث خلل فني، أو تعرض الرئيس لاغتيال، فهو الذي أجلس قيادات حماس في الصفوف الأولى أثناء حفل تنصيبه، وأثناء حكمه ظل الملف النووي حاضرا، وهناك رفض داخل العراق وسوريا واليمن للدور الإيراني في هذه الدول. لذا فإنك أمام احتمالات عديدة، أولها سوء الأحوال الجوية، هذا إذا اعتمدنا تصورا طبيعيا في ضوء عالم يموج بالأحداث غير الطبيعية، وقد كانت الأحوال الجوية بالفعل سيئة في ولاية أذربيجان الشرقية شمال غرب إيران، ما قد يجبر الطيار على هبوط اضطراري ينتج عنه تحطم المروحية.

إذا ذهبنا إلى سيناريو الاغتيال فلأن هذا له سوابق منها القديمة ومنها الحديثة، من الحديثة اغتيال أميركا قائدَ الحرس الثوري قاسم سليماني، والقصف الإسرائيلي على دمشق، الذي أدى إلى مقتل الدبلوماسيين الإيرانيين؛ أما السوابق القديمة فمنها ما جرى في العام 1981، إذ تم اغتيال الرئيس محمد علي رجائي (1931-1984) بعملية تفجير داخل إيران، بواسطة حقيبة وُضعت في قاعة الاجتماعات بينه وبين رئيس الوزراء محمد جواد باهنر، ما أدى إلى مقتلهما؛ وكذلك ما حصل مع الرئيس الحسن بني صدر (1933-2021)، أول رئيس لإيران عقب الثورة الإيرانية عام 1979، فهو الذي كاد أن يُعدم أو يُغتال بعد أن جرّده الخميني من الحكم وأُجبر على الاستقالة، فهرب من إيران وعاش في فرنسا.

أما إبراهيم رئيسي ساداتي، الرئيس الثامن في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، فسجله حافل بالأعمال والمناصب، إذ عمل قاضيًا ونائبًا عامًّا ومدعيًا عامًّا، تولى منصب المدعي العام ثم رئيس السلطة القضائية في إيران، كما رُشّح في الانتخابات الرئاسية عن تيار المحافظين، لكن حسن روحاني حينها تقدم عليه، قبل أن يترشح مرة ثانية ويفوز برئاسة إيران.. لذا فإن ملف الاغتيالات في إيران داخليًّا وخارجيًّا غير بعيد عن التصور.

لكن أغلب المعطيات بشأن الداخل تؤكد قربه من المرشد الأعلى علي الحسيني خامنئي، الولي الفقيه والقائد الأعلى للثورة الإيرانية، وأنه هو ووزير خارجيته يلعبان أهم الأدوار لصالح إيران؛ أما خارجيا فهناك المزيد من الأعداء لإيران، سواء من الشعوب التي قُمعت من حكامها بدعم إيراني أو من الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، إسرائيل التي ألمحت وصرّحت رسميا بأن إيران عدو رئيسي لها إلى جانب حماس، وأن إيران تدعم حماس وحزب الله بالمال والسلاح، واتهمت المقاومة بأنها وكيل إيران في حربها ضدها، وأن إيران راعية الإرهاب في المنطقة.

إذا ذهبنا إلى أن سيناريو مقتل رئيس إيران يعود إلى أن الطائرة لم تكن بالحداثة والتطور التكنولوجي مثل أي طائرة رئاسية في العالم، بسبب الحصار الدولي المضروب على إيران، واعتبار أن اكتشاف موقع تحطم طائرة الرئيس تم من خلال الطائرة التركية بدون طيار (أقينجي) من خلال كاميرا التصوير الحراري، بعد ١٢ ساعة من وقوع الحادث، واستدعاء طائرة تركية من خارج إيران سلمت الإحداثيات للسلطات الإيرانية.. كل ذلك يكشف تأثير الحصار الأمريكي المفروض على إيران.

فالطائرة من طراز بيل 212 تطير بسرعة تتجاوز 190 ميلا في الساعة الواحدة، لكن مواصفاتها قديمة وهي لا تستطيع الطيران على مستوى عالٍ، كما أن سوء الأحوال الجوية يتطلب هبوط الطائرة فورا، وتعطيل جزء منها يعيق الطائرة والطيار عن سرعة الإنقاذ. وعلى الرغم من أن إيران لديها مروحيات هليكوبتر أمريكية وروسية فإن الرئيس استخدم هذه الطائرة!

هذا النوع من الطائرات يُستخدم في النقل العسكري وفي الإسعاف، وفي العديد من المهام الأخرى، وهي طائرة مخصصة لـ 14 راكبا، حمولتها القصوى 2268 كيلو جراما. وقد سقطت مروحيات إيرانية عديدة قبل ذلك في حوادث مماثلة بسبب تهالكها، منها حادث مصرع أحمد كاظمي قائد القوات البرية للحرس الثوري الإيراني عام 2005، وحادث سقوط طائرة وزير الرياضة حميد سجادي عام 2021، وغيرهما.

كان الرئيس الإيراني عائدا من مشاركة مع رئيس أذربيجان إلهام علييف في افتتاح سد على حدود البلدين، ومعه على متن الطائرة وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان، الذي لعب أدوارا سياسية ودبلوماسية هامة ومتسقة مع الرؤية الإيرانية ومع رؤية رئيسي، وكذلك محمد علي آل هاشم، ممثل المرشد الإيراني الأعلى في محافظة أذربيجان، ومالك رحمتي محافظ أذربيجان الشرقية، ورئيس الفريق الأمني للرئيس، وثلاثة طيارين.

وُجدت كل الجثامين وتم نقلها إلى تبريز، وسيتولى الرئاسة نائب الرئيس بالوكالة محمد مخبر، بعد مباركة من المرشد الإيراني، وذلك بشكل مؤقت لمدة ٥٠ يوما حتى إجراء الانتخابات الرئاسية، حسب الدستور الإيراني. ومخبر رجل اقتصاد من طراز رفيع، لكنه ليس وحده من يتحكم في مقاليد البلاد؛ هناك المرشد، والحرس الثوري، والرئاسة.. لذا فإن ذهاب رئيس ومجيء آخر مؤقت ثم رئيس جديد في البلاد لا يغير من سياسات معتمدة وممتدة.

لكن.. تظل سيناريوهات مصرع إبراهيم رئيسي مفتوحة على كل الاحتمالات حتى انتهاء نتائج التحقيقات الرسمية.

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

تاريخ القراءة وسيرة مجانين الكتب

تاريخ القراءة وسيرة مجانين الكتب

من الكتب التي بَهَرتني في بدايات دخولي عالم القراءة كتاب "تاريخ القراءة"، للمؤلف الأرجنتيني ألبرتو مانغويل؛ دلَّني عليه صديقي يوسف عبد الجليل، وقرأته أكثر من مرة، وصوَّرت نسخةً غير شرعية منه في مكتبة كانت تطبع الكتب في طنطا. وقد عُدت إليه مؤخرًا وأنا أفكر في سر جماله،...

قراءة المزيد
لا تخدعنَّك مظاهر التقوى!

لا تخدعنَّك مظاهر التقوى!

في الحكايات الشعبية لبلاد الفرس، أن صيادًا كان يصطاد الطيور في يوم عاصف، فجعلت الريح تُدخل في عينيه الغبار، فتذرفان الدموع! وكان كلما اصطاد عصفورا كسر جناحه وألقاه في الكيس. وقال عصفور لصاحبه: ما أرقه علينا، ألا ترى دموع عينيه؟ فرد عليه الآخر: لا تنظر إلى دموع عينيه،...

قراءة المزيد
الضحالة والمعرفة السائلة

الضحالة والمعرفة السائلة

عُرف الفيلسوف وعالم الاجتماع البولندي زيجمونت باومان (١٩٢٥-٢٠١٧)م، بأنه صاحب مصطلح السيولة، التي أصدر تحتها سلسلته الشهيرة السيولة، من الحداثة السائلة والثقافة السائلة والحب السائل، والشر السائل والأزمنة السائلة والمراقبة السائلة، وهلم جرا من سيولات باومان المثيرة،...

قراءة المزيد
Loading...