متى يسقط عباس؟
بقلم: محمود عبد الهادي
| 28 مارس, 2024
مقالات مشابهة
-
السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط
لم تمرّ إلا ساعات فقط بعد إعلان الرئيس الأمريكي...
-
“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟
خلال زيارتي لنائب مدير جامعة السلطان محمد الفاتح...
-
في موقعة أمستردام.. لم تسلم الجرّة هذه المرة !
تقول العرب في أمثالها: "ما كل مرة تسلم الجرة".....
-
عمر بن عبد العزيز والتجربة الفريدة
حين ظهرت له أطلال المدينة المنورة، أيقن الشاب...
-
هيكل: حكايات من سيرة الأستاذ الكاهن (2)
هيكل والسادات مضت السنوات وابتعد محمد حسنين هيكل...
-
أعرني قلبك يا فتى!
أعرني قلبك يا فتى، فإن الأحداث جسام، والأمور على...
مقالات منوعة
بقلم: محمود عبد الهادي
| 28 مارس, 2024
متى يسقط عباس؟
ابتليت الأمة العربية منذ حقبة ما بعد الاستعمار الغربي بطائفة من القادة والزعماء الذين كان أكبر همهم حراسة مصالح الاستعمار والحفاظ عليها وتنميتها، حتى لو كان ذلك على حساب مصالح الدولة والشعب، اللذين لا وزن لهما في هذه المعادلة.
من بين هؤلاء الزعماء الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن)، الذي يتربع على عرش “المقاطعة” (مقر السلطة الفلسطينية) في مدينة رام الله منذ انتخابه عام ٢٠٠٥م؛ ورغم أن ولايته انتهت عام ٢٠٠٩، فإنه، ودون أي وجه دستوري، مازال يقبض بيد من حديد على السلطة في الضفة الغربية حارساً أميناً على مصالح الاحتلال، ومتعاوناً معه بإخلاص في حفظ الأمن وتدمير تطلعات الشعب الفلسطيني في التحرير والعودة، حتى وهو يتعرّض لحرب إبادة جماعية شاملة على أيدي جيش التحالف الصهيو-أميركي.
افتقد الشعب الفلسطيني في غزة الزعيم الشرعي الذي يمثله، ويراه إلى جانبه طيلة الوقت، لا إلى الزعيم الذي يتستر برداء الشرعية الزائفة، ولا يراه إلا عند استقبال المسؤولين الغربيين بابتسامته الذليلة، أو متكوّماً في مقعده في المؤتمرات العربية الباهتة ولقاءاته الدبلوماسية الجوفاء، وهو يستقبل عامه التسعين.
– الزعيم المفتقد
منذ عام ٢٠٠٩م، والرئيس عباس يحكم الضفة الغربية بصورة غير شرعية، في ما يشبه المحاصصة الحزبية في وجه حركة “حماس”، التي استولت على السلطة في غزة عام ٢٠٠٧م في محاولة منها لإحباط المخططات الصهيو-أميركية للقضاء عليها، بعد فوزها في الانتخابات التشريعية عام ٢٠٠٦م.
١٥ عاماً، والرئيس عباس يسد المشهد السياسي الفلسطيني مستحوذاً على كل شيء، حل المجلس التشريعي المنتخب، وعطّل الانتخابات، وانزوى في عباءته الحزبية ومصالحه الشخصية، تاركاً الانقسام الفلسطيني السياسي يشق القضية الفلسطينية عمودياً في شتى المجالات، يساعده في ذلك الطغمة الفاسدة من زعماء القوى السياسية والأمنية، مدعوماً من الكيان الصهيوني والأوساط الإقليمية والدولية باعتباره -زوراً وبهتاناً وتضليلاً- الرئيس الشرعي للسلطة الفلسطينية.
افتقد الشعب الفلسطيني الذي يتعرض جزء منه إلى حرب إبادة جماعية شاملة في قطاع غزة؛ إلى زعيم فلسطيني حقيقي، يقلب الطاولة، ويغيّر المعادلة، ويجوب العالم مندداً ومهدداً ومتوعداً ومحرضاً ومحذراً.. لكن عباس، وعلى مدى أيام وساعات ودقائق هذه الحرب، بدلاً من أن يتحرك لاستغلال مكتسبات هذه الحرب لتقوية موقفه السياسي أمام الكيان الصهيوني والولايات المتحدة والدول الغربية، بدا وكأنه كان ينتظرها منذ زمن بعيد للقضاء على حركة حماس، التي لم يرد اسمها على لسانه طيلة هذه المدة، وهي تخوض حرباً ضروساً أذلّت الكيان الصهيوني لأول مرة في تاريخه منذ اغتصابه لفلسطين.
افتقد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة لزعيم يواسيه، ويطل عليه ليس عبر الشاشات، وإنما كما فعل المندوبون الدوليون.. افتقد إلى زعيم يستحث الدول الشقيقة للذود عنه، ويتحرك مع الدول المؤيدة يومياً للضغط على الولايات المتحدة والكيان الصهيوني لإيقاف حرب الإبادة المستعرة منذ حوالي ستة أشهر.
افتقد إلى زعيم يعلن الطوارئ في الضفة الغربية مساندة لهم، ويعطل المدارس والجامعات، ويلغي اتفاقات الإذعان مع الكيان الصهيوني، ويعلن التعبئة العامة للشعب الفلسطيني في الضفة في شتي المجالات ويرفع القبضة الأمنية عن شباب المقاومة، ويخاطب أبناء الشعب الفلسطيني في الشتات، ليساندوا إخوانهم في غزة.
افتقد الشعب الفلسطيني في غزة الزعيم الشرعي الذي يمثله، ويحنو عليه، ويراه إلى جانبه طيلة الوقت، لا إلى الزعيم الذي يتستر برداء الشرعية الزائفة مع شركائه، ولا يراه إلا عند استقبال المسؤولين الأميركيين والغربيين بابتسامته الذليلة، أو متكوّماً في مقعده في المؤتمرات العربية الباهتة ولقاءاته الدبلوماسية الجوفاء، وهو يستقبل عامه التسعين.
هل تكمن المشكلة في الشعب الفلسطيني الذي قبل على نفسه أن يظل محكوماً بالخداع والتضليل والشيخوخة، تحت وطأة الانتماءات الحزبية وهيمنة قياداتها الفاسدة، لدرجة أن تصبح الأزمة التي يعاني منها الآن ليست المؤامرة الصهيو-أميركية ضد قطاع غزة، وإنما كيف يتخلص من الرئيس عباس؟ ومن سيحل مكانه؟
– أين المشكلة؟
أخيراً اعترف عباس صراحة بالخراب الموجود في سلطته وأجهزتها الأمنية والاقتصادية، وبالفساد المستشري في أروقتها، عندما كلّف الدكتور محمد مصطفى السفاريني رئيساً للحكومة، نزولاً عند رغبة الأوساط الإقليمية والدولية، وطلب منه وضع الخطط لإعادة توحيد الضفة وغزة، والقيام بالإصلاحات اللازمة في الحكومة والأجهزة الأمنية والاقتصاد ومكافحة الفساد.
مازال محمود عباس يحرس المصالح الاستعمارية الصهيونية والغربية، وأكثر ما تفتقت عنه خبرته السياسية حلّ حكومة محمد اشتية وتشكيل حكومة جديدة تستجيب لشروط الولايات المتحدة والكيان الصهيوني خاصة، وتزيد الشرخ الفلسطيني اتساعاً فوق ما هو عليه، بينما حرب الإبادة مازالت مستعرة، والتحالف الصهيو-أميركي مازال مصراً على تحقيق أهدافه ومخططاته الإجرامية المعلنة منها وغير المعلنة، ضد قطاع غزة وشعبه. هل هذا ما ينتظره الشعب الفلسطيني في قطاع غزة من الرئيس عباس؟ هل هذا ما تحتاجه الضفة الغربية التي يستبيحها الكيان الصهيوني ومستوطنوه صباح مساء؟
أَنتهت حرب الإبادة الجماعية الصهيو-أميركية في قطاع غزة، واتضحت أهدافها الحقيقية، وتكشّفت نتائجها وخططها الاستعمارية الجديدة، حتى يذعن الرئيس عباس لمطالب أعداء الشعب الفلسطيني، ويعلن عن حكومة جديدة ترضيهم؛ أم إن الرئيس عباس حسم نتيجة المعركة، وضَمِن القضاء على حماس والمقاومة المسلحة حتى يستعجل القيام بهذه الخطوة؟
لكن المشكلة ليست في الرئيس عباس، المشكلة في الشعب الفلسطيني الذي تشعبت به السبل، وتكالبت عليه الأمم، ورهن مصيره لمصالحها حفاظاً على مصالحه ومكتسباته.. المشكلة في القوى السياسية الفلسطينية التي اختارت أن تمشي تحت رايات متعددة متباينة، ولم تستطع التغلب على خلافاتها الحزبية والفكرية، لتوحّد بوصلتها الوطنية تجاه العدو المشترك الذي رأى البعض مصلحته في التعامل معه، وأن يقدم له التنازلات التي يأمن بها شرّه، على أن يتنازل لأبناء وطنه عن شيء من عنجهيته وكبريائه ليمضي الجميع معاً في جبهة واحدة ضد العدو.. المشكلة في النخب الفلسطينية والشعب الفلسطيني الذي طالما تفاخر بأنه الأكثر تعليماً وفهماً وخبرة بين شعوب المنطقة، ولكنه فشل في تغيير الواقع الوطني الداخلي، وقبل على نفسه أن يظل محكوماً بالخداع والتضليل والشيخوخة، تحت وطأة الانتماءات الحزبية وهيمنة قياداتها الفاسدة، لدرجة أن تصبح المشكلة التي يعاني منها الشعب الفلسطيني الآن ليست المؤامرة الصهيو-أميركية ضد قطاع غزة، وإنما كيف يتخلص من الرئيس عباس؟ ومن سيحل مكانه؟
1 تعليق
إرسال تعليق
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
وقد استجاب القضاء لدعوة الرئيس.. ماذا ينتظر المستأجرون؟!
ذكّرني القول إن المحكمة الدستورية العليا في مصر استجابت لدعوة الرئيس في إصدار حكم، بما مضى. فدائما تذكّرنا القدرات المتواضعة الآن بعهد الرئيس مبارك، فلا يعرف قيمة أمه إلا من يتعامل مع زوجة أبيه، وكثيرون صار شعارهم "رُبّ يوم بكيت منه، فلما مضى بكيت عليه". ولست من هؤلاء...
السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط
لم تمرّ إلا ساعات فقط بعد إعلان الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب نيته تعيين حاكم أركنساس السابق "مايك هاكابي" ليكون سفيرًا للولايات المتحدة لدى إسرائيل وهو المعروف بدعمه منقطع النظير للاستيطان، خاصة في الضفة الغربية التي يعتبرها جزءاً من أرض الميعاد كما يقول،...
“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟
خلال زيارتي لنائب مدير جامعة السلطان محمد الفاتح في إسطنبول، البروفيسور المؤرخ زكريا كورشون، كنت أتحدث معه عن آخر إصداراته، فحدثني عن كتابه "العرب العثمانيون"، ومقصد الكتاب تبيان عمومية النظام السياسي في الإسلام لجميع الأعراق والأجناس في ظل الدولة الواحدة . فالإسلام...
شكرا أستاذنا. ولا يسعني إلا القول لكِ اللهُ يا فلِسطين ويا شعبنا المجاهد، ولسانُ حالي يردِّد قولَ أحدهم هذه الأيام:
“بائعُ الخبزِ استُشهد، وبائعُ الوردِ استُشهِد، وبائعُ الكُتبِ استُشهِد، إِلاَّا بائِع الوَطنِ ما زالَ حيّاً وما زالَ يتصدَّر المشهدَ البائِس.”