محاولة لفهم الحب
بقلم: كريم الشاذلي
| 25 نوفمبر, 2023
مقالات مشابهة
-
السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط
لم تمرّ إلا ساعات فقط بعد إعلان الرئيس الأمريكي...
-
“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟
خلال زيارتي لنائب مدير جامعة السلطان محمد الفاتح...
-
في موقعة أمستردام.. لم تسلم الجرّة هذه المرة !
تقول العرب في أمثالها: "ما كل مرة تسلم الجرة".....
-
عمر بن عبد العزيز والتجربة الفريدة
حين ظهرت له أطلال المدينة المنورة، أيقن الشاب...
-
هيكل: حكايات من سيرة الأستاذ الكاهن (2)
هيكل والسادات مضت السنوات وابتعد محمد حسنين هيكل...
-
أعرني قلبك يا فتى!
أعرني قلبك يا فتى، فإن الأحداث جسام، والأمور على...
مقالات منوعة
بقلم: كريم الشاذلي
| 25 نوفمبر, 2023
محاولة لفهم الحب
المقال يتناول قاعدة الحكم العقلية وتأثيرها في فهم الحب والعلاقات. يستعرض التأثير الرومانسي للحب في الأدب والأساطير ويسلط الضوء على التحديات المتعلقة بفكرة “وقوع في الحب”. يتطرق أيضًا إلى دور الزواج في حل مشكلة الحب ويبرز الجانب المسؤول للعلاقات العاطفية. يختتم بتسليط الضوء على تحديات الحب الرومانسي وضرورة التفاهم للحفاظ على العلاقات.
معضلة الحب: بين قاعدة الحكم العقلية وتحدِّيات الواقع الرومانسي
يقينًا هي قاعدة عقلية أكثر من كونها قاعدة فقهية، تلك التي أرساها الفقهاء قديما وتقول إن “الحكم على الشيء فرع من تصوره”، أي إن الحكم على أي شيء مبني على حجم وعي وإدراك الشخص بالشيء وإلمامه وقناعته به، ويعني كذلك أن النتيجة النهائية هي نتيجة المعطيات المقدمة.
يمكنك أن تقبض بعقلك على أثر هذه القاعدة في كل حوار يستدعي طرح فكر وحجة، كما يمكنك ان تراه بشكل أكثر عمقًا وحساسيةً وأنت تتلمس منطق الناس في العيش، واتخاذ أساليب لحياتهم مبنية على تصور ما في ذهن الشخص، وتفرض سيطرتها عليه.
وطوال عقود، والحب يقدم لنا كحالة رومانسية، شغف، ووله، وحرمان، ووعد بالوصل، وشوق لا ينقطع.. تظل أساطير روميو وجولييت، وقيس وليلى، وجميل وبثينة، هي الحاضرة في ذهن الملايين إذ تتحدث عن الحب؛ تقفز أشعار الشعراء المليئة بالشوق ووصف الوله، وقصص الملاحم، ونصل إلى أفلام وأغانٍ تتحدث عن الموضوع ذاته، عن الحب القائم على الحرمان، عن الدقائق المختلسة من رصيد الزمن في حضرة من نحب!
حب غير منطقي، مرهق، يخاصم أبجديات الواقع والحياة، لكنه للأسف طاغ على تصور البعض، ويتحكم في أحكامهم!
يسمون تلك الحالة “الوقوع في الحب” وهو بالفعل وقوع، إذ يستتبع خللًا في الحكم، وارتباكًا في الحركة، واضطرابًا في المشاعر، وقلقًا يعصر حياة المحب والمحبوب..
حب مشوه، فضحه “جميل بثينة”، أحد أهم رواد الحب العذري، إذ يقول:
يموت الهوى منّي إذا ما لقيتُها .. ويـحــيـا إذا فـارقـتُـها فَـيَـعـودُ
اعتراف واضح بخلل التصور الذي أنتج هذه الملحمة التي أبكت عيون الحالمين، اعتراف بأن في الناس شططًا، يحبون الحب نفسه، يحبون الحالة، يهربون من اختبار المحبة الحقيقي القائم على تحمُّل الطبع لا تحمُّل الهجر، والشوق للمحبوب بنقائصه، بإنسانيته، لا المحبوب الملاكي المتخيل.
في الإسلام يحترم الدين الحب، قالها النبي محمد صلى الله عليه وسلم منذ اليوم الأول “لا يرى للمتحابين مثل النكاح”، فهل حل الزواج مشكلة الحب؟!
الأرقام الصادرة من الهيئات المختصة في غالب المجتمعات الإسلامية تؤكد أن مؤشرات الطلاق ترتفع بشكل كبير.. في مصر مثلاً، لدينا حالة طلاق كل أربع دقائق، وهذا عدد كبير بلا شك، لاسيما لو قلنا ما نعرفه جميعًا من أن بيوتًا كثيرة تستمر من أجل أشياء غير الحب، مثل الأبناء، الصورة الاجتماعية، كلفة الانفصال الضخمة، وغيرها.. فهل في هذا دلالة على أن الزواج ليس حلًا لمعضلة الحب؟!
الإجابة نعم.. ليس حلًا لمعضلة الحب حسب تصور من يرون الحب بغير الصورة التي يراها الإسلام، والتي تتفق مع الصورة التي يراها كل عاقل، من أن الحب حل وليس مشكلة، نقف به ولا نقع فيه!
الإحصائيات وفوقها آراء الخبراء في مجال العلاقات الزوجية تؤكد أن سقف التوقعات المرتفع، هو أحد أهم الأسباب الرئيسة للطلاق، فما الذي يمكن أن يعنيه هذا غير أن خلل التصور أنتج خللًا معتبرًا ومدمرًا في الحكم على الزواج.. يقولون: “الزواج مقبرة الحب”، وهو بلا شك كذلك! أخبرنا جميل في حبه لبثينة بهذا كما أسلفنا، أن القرب يكشف وهم الشغف، ويضع حدًّا لطوفان الشوق والوله، فيصبح الزواج مقبرة لمن يطلبون طلبات غير موضوعية!
الحب ببساطة مرادف للمسؤولية، بدءًا بمسؤوليتك في اختيار الشريك الصحيح ليكمل معك مشوار حياتك ويقاسمك العمر، مروراً بمسؤوليتك في إنجاح هذا القرار، وإيمانك بأنك وشريكك والحب نفسه في حالة حركة وتطور مستمر، وانتهاء بمسؤوليتك في إبقاء الحب حيًّا!. وتلك لو تدري هي أنبوبة الاختبار الأولى والأهم، الفاضحة لادعاء المحب ولو كان شاعرًا أو روائيًّا.. إن العشاق الحقيقيين هم الذين استطاعوا إبقاء شمعة الحب حية طوال المشوار. لم يشعلوها من الطرفين بغية لحظة ضوء باهرة، بل حرصوا فأبقوها حية رغم عواصف الأيام، ورياح الزمن، وضربات القدر واختباراته.
الحب مسؤولية، ولذلك يفشل الشعراء فيه فيكذبون، يبيعون لنا صورة أخرى لحب مشتعل تكسوه الحرارة والشوق، لكنه لا يحتمل دفع ضرائب القرب!. إنهم – حسب وصف الكاتب الصحفي محمود عوض- يموتون من أجل حبيب لا يستطيعون العيش معه!
والحب احترام، أن تحب يعني ببساطة أن تحترم كون الآخر إنسانًا، أهل الملاحم سيخبرونك أن الحب يجعلنا واحدًا، بدءًا من الأساطير الإغريقية القديمة، التي تقول إن الإنسان خُلق أولًا من جنس واحد، ثم غضب عليه الإله فقرر أن يشطره نصفين، ذكر وأنثى، وجعل بلاءه أن كل نصف عليه مشقة الوصول إلى النصف الآخر؛ وصولًا لما في سفر التكوين من أن الله خلق آدم ثم خلق حواء من ضلعه.
والحقيقة أن الحب لا يدمجنا سويًّا، لا يجعلنا واحدًا، لا يعيدنا إلى أنفسنا كما تقول الأسطورة.. الحب ببساطة يُلزم كل طرف احترامَ الطرف الآخر، وتقديره، فنصبح اثنان غير أن طريقنا واحد، وهدفنا واحد، ورؤيتنا واحدة، نختلف فندير اختلافنا كأطراف بينها الكثير من المحبة والود مهما ارتفعت حدة الخلاف؛ بينما الحب الرومانسي لا يفترض أصلًا وجود مشكلة، لقد أصبح الاثنان واحدًا، والواحد لا ينقلب على نفسه!
الحب تضحية تختلف عن تضحيات قيس وروميو، لا يحتاج أن نشرب السم من أجل إثباته، بل يحتاج إلى غض طرف مستمر، وتغافل يستتبع حلمًا وأناة أغلب الوقت، وإعطاء جزء من همومك، وفكرك وحياتك، لشخص آخر عن طيب خاطر.
معضلة الحب يا صاحبي تبدأ وتنتهي بأن الحكم عليه فرع من تصوره، ولطالما أشقت العقول أصحابها؛ والحل دائمًا بيد من يريدون مواجهة الحياة بجدية، وينظرون للأشياء كما هي.. من يدركون أن العشاق بصدق يسكنون خلف الأبواب المغلقة، يضمهم دفء الحياة، ويلتصقون ببعضهم كلما مر الزمن.
الحب موضوع شخصي، مهمة شخصية، تحدٍّ شخصي.. ونجاحه مرتبط بأن يظل كذلك!
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
وقد استجاب القضاء لدعوة الرئيس.. ماذا ينتظر المستأجرون؟!
ذكّرني القول إن المحكمة الدستورية العليا في مصر استجابت لدعوة الرئيس في إصدار حكم، بما مضى. فدائما تذكّرنا القدرات المتواضعة الآن بعهد الرئيس مبارك، فلا يعرف قيمة أمه إلا من يتعامل مع زوجة أبيه، وكثيرون صار شعارهم "رُبّ يوم بكيت منه، فلما مضى بكيت عليه". ولست من هؤلاء...
السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط
لم تمرّ إلا ساعات فقط بعد إعلان الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب نيته تعيين حاكم أركنساس السابق "مايك هاكابي" ليكون سفيرًا للولايات المتحدة لدى إسرائيل وهو المعروف بدعمه منقطع النظير للاستيطان، خاصة في الضفة الغربية التي يعتبرها جزءاً من أرض الميعاد كما يقول،...
“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟
خلال زيارتي لنائب مدير جامعة السلطان محمد الفاتح في إسطنبول، البروفيسور المؤرخ زكريا كورشون، كنت أتحدث معه عن آخر إصداراته، فحدثني عن كتابه "العرب العثمانيون"، ومقصد الكتاب تبيان عمومية النظام السياسي في الإسلام لجميع الأعراق والأجناس في ظل الدولة الواحدة . فالإسلام...
0 تعليق