نظام عالمي بلا أخلاق: من رواندا إلى غزة، رحلة الفشل في وقف الإبادات الجماعية
بقلم: أدهم أبو سلمية
| 18 أبريل, 2024
مقالات مشابهة
-
السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط
لم تمرّ إلا ساعات فقط بعد إعلان الرئيس الأمريكي...
-
“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟
خلال زيارتي لنائب مدير جامعة السلطان محمد الفاتح...
-
في موقعة أمستردام.. لم تسلم الجرّة هذه المرة !
تقول العرب في أمثالها: "ما كل مرة تسلم الجرة".....
-
عمر بن عبد العزيز والتجربة الفريدة
حين ظهرت له أطلال المدينة المنورة، أيقن الشاب...
-
هيكل: حكايات من سيرة الأستاذ الكاهن (2)
هيكل والسادات مضت السنوات وابتعد محمد حسنين هيكل...
-
أعرني قلبك يا فتى!
أعرني قلبك يا فتى، فإن الأحداث جسام، والأمور على...
مقالات منوعة
بقلم: أدهم أبو سلمية
| 18 أبريل, 2024
نظام عالمي بلا أخلاق: من رواندا إلى غزة، رحلة الفشل في وقف الإبادات الجماعية
أعادت أحداث السابع من أكتوبر النقاش من جديد حول النظام الدولي بصورته الحالية، والسؤال عن مدى صلاحية هذا النظام لمعالجة القضايا الدولية الراهنة! لكن الأهم أن ما أعقب السابع من أكتوبر من إبادة جماعية للشعب الفلسطيني في غزة، وعمليات تطهير عرقي، طرح الكثير من الأسئلة حول “الفشل الأخلاقي” لهذا النظام، والنظرة العنصرية المتحيزة لطبيعة الضحية، وأوصل إلى اعتبار كل ما قيل عن عدم التمييز والمساواة والعدالة ما هو إلا مكياج يُزين هذا النظام ليس أكثر، وأن اختبارات الفعل تُثبت الفشل الأخلاقي المتزايد للنظام الدولي؛ فالأوكرانيون الذين حصلوا على “شوكولاتة سنكرز” خلال فرارهم من الحرب الروسية الأوكرانية لا يشبهون أبداً مليوني فلسطيني، لا يجدون حتى مكاناً للفرار من عمليات القتل الجماعي الذي تقوم به إسرائيل بحقهم..
قبل ثلاثة عقود، كان العالم يتابع على مدار مئة يوم واحدة من أبشع جرائم الإبادة الجماعية في التاريخ المعاصر، لقد قُتل نحو مليون شخص واغتُصبت قرابة 200 ألف امرأة من التوتسي في راوندا على يد عصابات الهوتو دون أن يتحرك العالم لوقف حمام الدم، كما قال الفريق روميو دالير قائد فريق الأمم المتحدة في راوندا “إن الرئيس كلينتون لا يريد أن يعرف”، والحقيقة أن كلينتون كان يعرف جيداً كل ما يحدث في هذا البلد الأفريقي، لكن الأفارقة ليسوا أهم عنده من نتائج انتخابات التجديد النصفي في الولايات المتحدة، التي كان مشغولاً بها، ولم تكن لديه الرغبة في القيام بأي تحرك قد يؤثر في نتائج الانتخابات.
ليست وحدها الولايات المتحدة التي كانت تتابع بصمت عمليات القتل الجماعي في راوندا، فرنسا كانت هي الأخرى شريكة في هذه الإبادة، فالحيوانات الأليفة التي كانت برفقة الفرنسيين خلال عمليات إجلاء الرعايا نحو باريس كانت أكثر أهمية من ملايين البشر هناك.. لقد شكلت الإبادة الجماعية في راوندا صدمة عالمية تعهدت بعدها الدول بضمان عدم تكرار حدوثها، لكن تلك الصدمة لم تنجح بعد ثلاثة عقود في خلق نظام عالمي قادر على حماية الفلسطينيين من إبادة مماثلة، بل إن ما يحدث هو العكس تماماً، حيث يشارك العالم إسرائيلَ في تلك الإبادة صمتاً ودعماً وتسليحاً، فعن أي “ميزان أخلاقي” يتحدث الغرب وقياداته من أمثال بايدن وماكرون؟!
في عام ١٩٩٨، وبعد أربع سنوات من الإبادة الجماعية في راوندا، زار كلينتون راوندا وقدم اعتذاره عما حدث، وقال “إنه يشعر بالذنب، وإن العالم يجب أن يتصرف عندما يواجه الأدلة، وإن الإبادة الجماعية ليست ظاهرة إفريقية ويجب النظر إليها على هذا النحو. لقد رأينا ذلك في أوروبا الصناعية، وفي آسيا، والمطلوب أن يكون هناك يقظة عالمية لمنع تكرار ذلك”.. لكن ذلك يتكرر اليوم مجدداً في غزة، بدعم وإسناد صريح من الولايات المتحدة الأميركية، التي وفرت السلاح للقتل كما وفرت الغطاء السياسي لحماية القتلة، ومنعت مجلس الأمن مرات عديدة من وقف هذه الجريمة عبر استخدام “الفيتو”.
لقد تابع العالم بكثير من الصدمة الإعلان الإسرائيلي الواضح والصريح بأنهم ذاهبون نحو إبادة جماعية للشعب الفلسطيني، فالرئيس الإسرائيلي هرتسوغ تحدث بشكل واضح بأنه “لا أبرياء في غزة، وأن الأمة هناك بالكامل مسؤولة عما حدث في السابع من أكتوبر”، ليلحق به وزير الحرب يوفالي غالانت الذي أعلن بصراحة قطع المياه والكهرباء والغاز والدواء عن قطاع غزة ووصف سكانه بـ”الحيوانات البشرية، وأنهم سيحصلون على الجحيم”؛ ولم تتأخر المؤسسة العسكرية في إسرائيل بنشر مقاطع لجنودها وهم يتفاخرون بتدمير المساجد والمنازل والمدارس والمستشفيات، ويهتفون “لا مدنيين هنا”!!
كل ذلك كان يحدث وتل أبيب تستقبل قادة العواصم الغربية القادمين لإعلان الدعم والمساندة سياسياً وإعلامياً وعسكرياً، حتى وصل الأمر بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الدعوة لتشكيل تحالف عسكري دولي ضد المقاومة الفلسطينية في غزة، في تجاهل واضح لحقوق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال، ودون النظر في عواقب هذا الدعم المجنون لاحتلال لا يُخفي قادته نيتهم الصريحة في القيام بعمليات تطهير عرقي بحق الفلسطينيين، ما يعني أنهم متورطون بشكل مباشر في هذه الإبادة الجماعية.
هي نفسها الإبادة الجماعية التي قال عنها ماكرون وهو يحتفل بمرور ثلاثة عقود عليها في راوندا “إن بلاده وحلفاءها كان بإمكانهم إيقافها، ولكنهم يفتقرون إلى الإرادة للقيام بذلك، على الرغم من أن الأدلة كانت تحدق في وجوههم”، تماماً كما هو الحال في غزة اليوم. فمحكمة العدل الدولية قالت “إن جنوب أفريقيا قدمت أدلة معقولة على أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في غزة”، وهو الأمر الذي يتطابق مع وصف منظمة العفو الدولية التي قالت “هناك علامات مقلقة على الإبادة الجماعية في غزة”.
اليوم، وبعد ستة أشهر من الإبادة الجماعية في غزة، وبعد كل هذه الأدلة القاطعة على ارتكابها من قبَل إسرائيل، يُطرح السؤال عن النظام الدولي وفشله الأخلاقي المتجدد، فما قيمة أن يأتينا الرئيس الأمريكي أو الفرنسي بعد سنوات معتذراً عما يحدث اليوم؟ وما قيمة أن يرى العالم نتنياهو بعد عقد من الزمان متهماً بجرائم الإبادة الجماعية كما حدث مع “جان بول أكاييسوا” عمدة البلدية، أو “ثيونستي باغوسورا” العقل المدبر للإبادة في روندا؟ ما قيمة أن يحدث ذلك ما لم يشكل رادعاً للآخرين؟! ما قيمة أن يحدث ذلك إن كان العالم سيفشل مجدداً في منع تكرار الجريمة؟! وما قيمة ذلك بعد قتل وإصابة واعتقال نحو 5% من سكان قطاع غزة، في واحدة من أبشع الفظائع الإنسانية في القرن الحالي.
في نهاية المطاف، يصبح النظام العالمي الحالي بكل تجلياته ومظاهره، مجرد منصة لتبرير الجرائم وإعطاء الشرعية للأفعال الوحشية التي ترتكبها دول بعينها.. لقد أثبتت الأحداث المتوالية والمتكررة للإبادات الجماعية، من راوندا إلى غزة مروراً بالبوسنة والهرسك، أن هذا النظام لا يملك الإرادة ولا القدرة على حماية الأبرياء وضمان حقوق الإنسان. الصمت المخزي والموافقة الضمنية على جرائم الحرب والتطهير العرقي لا يعكسان فقط فشل القوانين الدولية، بل يكشفان عن تحيز عميق وتفاوت مرعب في قيمة الحياة الإنسانية بناءً على الجغرافيا والسياسة.
السؤال المطروح الآن ليس فقط عن إمكانية إصلاح هذا النظام، بل عن ضرورة إعادة تشكيله بالكامل ليعكس مبادئ العدالة والمساواة الحقيقية، حيث يجب أن تكون حياة كل إنسان، بغض النظر عن مكان ولادته أو الحالة السياسية لبلده، ذات قيمة يتساوى فيها مع الآخرين.. إن الإصرار على عدم التغيير والاستمرار في النهج الحالي سيؤديان فقط إلى مزيد من الفظائع والمعاناة، ما يجعل العالم شريكًا مستمرًّا في هذه الجرائم ضد الإنساني.
1 تعليق
إرسال تعليق
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
وقد استجاب القضاء لدعوة الرئيس.. ماذا ينتظر المستأجرون؟!
ذكّرني القول إن المحكمة الدستورية العليا في مصر استجابت لدعوة الرئيس في إصدار حكم، بما مضى. فدائما تذكّرنا القدرات المتواضعة الآن بعهد الرئيس مبارك، فلا يعرف قيمة أمه إلا من يتعامل مع زوجة أبيه، وكثيرون صار شعارهم "رُبّ يوم بكيت منه، فلما مضى بكيت عليه". ولست من هؤلاء...
السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط
لم تمرّ إلا ساعات فقط بعد إعلان الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب نيته تعيين حاكم أركنساس السابق "مايك هاكابي" ليكون سفيرًا للولايات المتحدة لدى إسرائيل وهو المعروف بدعمه منقطع النظير للاستيطان، خاصة في الضفة الغربية التي يعتبرها جزءاً من أرض الميعاد كما يقول،...
“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟
خلال زيارتي لنائب مدير جامعة السلطان محمد الفاتح في إسطنبول، البروفيسور المؤرخ زكريا كورشون، كنت أتحدث معه عن آخر إصداراته، فحدثني عن كتابه "العرب العثمانيون"، ومقصد الكتاب تبيان عمومية النظام السياسي في الإسلام لجميع الأعراق والأجناس في ظل الدولة الواحدة . فالإسلام...
﴿إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا ۖ وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْـًٔا ۗ إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ﴾
إنها أنظمة صهيونية فاشلة، أنظمة الإرهاب والكذب والنفاق والازدواجية والتحيُّز والتمييز العنصري والظلم والطغيان والعداوة للإسلام والمسلمين! كل ما يتغنون به من حقوق ومواثيق وقوانين ما هي إلا حبرٌ على ورق…
والله لن نجد نظاماً في الكون يعكس مبادئ العدل والمساواة إلا الإسلام، اللهم أعز ومكِّن مجاهدينا الأبرار خير البشر في هذا الزمان جندك وأولياؤك الصالحون وأعز بهم أمة الإسلام والمسلمين.
شكراً لك وبارك الله فيك أستاذ أدهم. 🤍