هستيريا أميركية
بقلم: خليل العناني
| 13 مايو, 2024
مقالات مشابهة
-
السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط
لم تمرّ إلا ساعات فقط بعد إعلان الرئيس الأمريكي...
-
“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟
خلال زيارتي لنائب مدير جامعة السلطان محمد الفاتح...
-
في موقعة أمستردام.. لم تسلم الجرّة هذه المرة !
تقول العرب في أمثالها: "ما كل مرة تسلم الجرة".....
-
عمر بن عبد العزيز والتجربة الفريدة
حين ظهرت له أطلال المدينة المنورة، أيقن الشاب...
-
هيكل: حكايات من سيرة الأستاذ الكاهن (2)
هيكل والسادات مضت السنوات وابتعد محمد حسنين هيكل...
-
أعرني قلبك يا فتى!
أعرني قلبك يا فتى، فإن الأحداث جسام، والأمور على...
مقالات منوعة
بقلم: خليل العناني
| 13 مايو, 2024
هستيريا أميركية
تعيش النخبة السياسية في أميركا حالة من الجنون والهستيريا، عطفاً على قرار الرئيس الأميركي جو بايدن تعليق تسليم بعض الأسلحة الهجومية لإسرائيل بشكل مؤقت، وكذلك على وقع الحراك الطلابي الذي يتسع وينتشر بشكل أصاب الجميع بالمفاجأة والذهول.. وهناك أربعة مشاهد تبدو كاشفة ومعبّرة عن هذه الحال من الغضب والسخط على قرار بايدن.
المشهد الأول يتعلق بالاتهامات التي وجهها مايك جونسون، رئيس مجلس النواب الأميركي، للرئيس بايدن في تصريحات لمجلة “بوليتكو”، بالخداع والخيانة (نعم كما قرأتَها) لأنه قام بتعليق شحنة أسلحة لإسرائيل. جونسون، الذي اتهم الطلاب المحتجين بسذاجة منقطعة النظير في مقابلة تلفزيونية بأنهم ممولون من الخارج، نظرا لتشابه شكل الخيام التي يعتصمون بها.. هذا لا يعجبه قرار بايدن، ويعتبره نوعاً من الخيانة، هكذا مرة واحدة!!
بل الأكثر من ذلك هو اتصال جونسون قبل يومين بمجرم الحرب بنيامين نتانياهو، ومواساته له على قرار بايدن، فيقوم نتانياهو بتحريضه كي يبدأ في إجراءات عزل الرئيس بايدن داخل الكونجرس الأمريكي؛ أي أن جونسون يتواصل مع مسؤول دولة أجنبية فيحرّضه على خلع رئيسه، وهو ما يرقى إلى مستوى التآمر والخيانة العظمى، التي يجب أن يُحاكم عليها جونسون لو كان في بلد تحترم الدستور والقانون.
المشهد الثاني هو لمؤتمر صحفي عقده كلٌّ من السيناتور ليندسي غراهام والسيناتور تيد كروز قبل يومين، وذلك لإبداء الاعتراض على قرار بايدن؛ وقد يبدو هذا مفهوما في ظل الحسابات السياسية والمكاسب الشخصية التي تحرّك كلا الرجلين، ولكن أن يصل الأمر بغراهام إلى القول نصا إنه “يثق في وزير الدفاع الإسرائيلي أكثر من ثقته في بايدن”، ويوافقه في ذلك السيناتور كروز، فهذا أيضا يعني تآمراً وخيانة عظمى يجب أن يُحاكما عليها.. ولكنها أميركا؛ ولكن حين نعرف أن غراهام قد دخل جيبه من أموال اللوبي الإسرائيلي ما يقرب من مليون دولار لتمويل حملاته الانتخابية خلال السنوات الماضية، وأن زميله كروز حصل على ما يقرب من مليون ونصف المليون دولار أيضا لتمويل حملاته الانتخابية خلال السنوات الماضية، فحينئذ يزول العجب والاستغراب، فالمال يكسر العين – كما يقول المثل-.
أما المشهد الثالث فهو الأكثر غرابة، حيث قام رجل الأعمال الصهيوني حاييم سابان – وهو من أكبر ممولي الحزب الديمقراطي في أميركا، وتربطه علاقات قوية بكبار قياداته- بإرسال رسالة لبايدن عبر اثنين من مساعديه، يلومه فيها على قراره بتعليق شحنة أسلحة لإسرائيل، ويهدده بشكل مبطّن أن ذلك قد يكلفه مقعده الانتخابي لأنه بذلك يغامر بالصوت اليهودي.. ولكن حين تعرف أن سابان قد جمع لبايدن ما يقرب من 40 مليون دولار، في حفل عشاء لجمع التبرعات قبل شهرين فقط، يزول التعجب والاستغراب. سابان ذو الأصول المصرية والذي خدم في جيش الاحتلال الإسرائيلي قبل أن يهاجر لأميركا، يدافع عن مصالح الدولة الصهيونية أكثر من دفاعه عن مصالح أميركا؛ ولو كان في دولة محترمة لحوكم أيضا بتهمة الخيانة العظمى، ولكنها أميركا.
أما المشهد الأخير، والأكثر استغراباً، فهو حالة الهجوم من كتاب وسياسيين وإعلاميين صهاينة أو متصهينين ضد بايدن، وذلك في كبريات الصحف ووسائل الإعلام الأميركية، واتهامه بأنه يدعم حركة حماس (امنعوا الضحك).
نعم.. بايدن أصبح الآن متهما بدعم حماس لمجرد أنه أخذ قراراً بتعليق الإمداد بقنابل يصل وزنها التفجيري إلى حوالي ألفي رطل؛ وهو نفسه الذي اعترف صراحة بالصوت والصورة في مقابلة لشبكة سي إن إن بأن إسرائيل تقتل المدنيين بأسلحة أميركية. بايدن الذي أعطى إسرائيل ما لم يعطه إياها أي رئيس أميركي خلال آخر نصف قرن من دعم عسكري وسياسي ودبلوماسي (استخدمت أميركا حق النقض “الفيتو” لصالح إسرائيل أربع مرات خلال سبعة أشهر)، أصبح بين عشية وضحاها داعما لحماس ومتخلِّيا عن إسرائيل.
بايدن صاحب المقولة الشهيرة “ليس بالضرورة أن تكون يهوديا كي تكون صهيونيا” ومقولة “لو لم تكن هناك إسرائيل لأوجدناها”، أصبح صديقا ليحيى السنوار الذي تسعى إسرائيل للقضاء عليه في غزة.. هكذا وصل مستوى الجنون والهستيريا في أميركا.
وحقيقة الأمر، فإن هذه الهستيريا ليس مردّها قرار بايدن بحد ذاته، ولكن لأنه يعتبر سابقة سياسية بكل ما تحمله الكلمة من معنى؛ فهذه هي المرة الأولى التي يقوم فيها رئيس أميركي بتعليق إرسال السلاح لإسرائيل، وهو بذلك يكسر تقليدا قديما كان يقوم على إعطاء إسرائيل كل ما تريد، كما أنه يضع سابقة جديدة قد يحذو حذوها غيره في المستقبل. ولعل هذا هو سبب الذعر والقلق داخل إسرائيل وفي الأوساط المؤيدة لها في أميركا.
أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
وقد استجاب القضاء لدعوة الرئيس.. ماذا ينتظر المستأجرون؟!
ذكّرني القول إن المحكمة الدستورية العليا في مصر استجابت لدعوة الرئيس في إصدار حكم، بما مضى. فدائما تذكّرنا القدرات المتواضعة الآن بعهد الرئيس مبارك، فلا يعرف قيمة أمه إلا من يتعامل مع زوجة أبيه، وكثيرون صار شعارهم "رُبّ يوم بكيت منه، فلما مضى بكيت عليه". ولست من هؤلاء...
السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط
لم تمرّ إلا ساعات فقط بعد إعلان الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب نيته تعيين حاكم أركنساس السابق "مايك هاكابي" ليكون سفيرًا للولايات المتحدة لدى إسرائيل وهو المعروف بدعمه منقطع النظير للاستيطان، خاصة في الضفة الغربية التي يعتبرها جزءاً من أرض الميعاد كما يقول،...
“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟
خلال زيارتي لنائب مدير جامعة السلطان محمد الفاتح في إسطنبول، البروفيسور المؤرخ زكريا كورشون، كنت أتحدث معه عن آخر إصداراته، فحدثني عن كتابه "العرب العثمانيون"، ومقصد الكتاب تبيان عمومية النظام السياسي في الإسلام لجميع الأعراق والأجناس في ظل الدولة الواحدة . فالإسلام...
0 تعليق