أسماء الدُّرَّة و”عين” الحقيقة

بواسطة | يناير 22, 2024

بواسطة | يناير 22, 2024

أسماء الدُّرَّة و”عين” الحقيقة

تروي قصة أسماء الدرة، فلسطينية فقدت أحبائها وعانت من الاعتداء الإسرائيلي. في هذا المقال، نلقي نظرة على قوة الصمود وظروف العلاج في ظل الحرب.

قصة صمود وظلم في غزة

أسماء الدرَّة سيدة فلسطينية، حاول الاحتلال المجنون أن يسرق ضيّ عينيها خلال قصف عنيف استهدف منزلها وعائلتها في مخيم النصيرات، لتفقد أحد عشر فردا من أسرتها وإحدى عينيها، تاركة ندبة غائرة في وسط قلبها قبل أن تكون هذه الندبة في منتصف وجهها.

 لقد أتلفت الرشقة الصاروخية عينها اليسرى بالكامل، ومازاد الطين بلة هو ضعف الإمكانيات الطبية بسبب الحرب الدائرة منذ 108 أيام، إذ كان القرار الطبي بضرورة اقتلاع العين لوقف النزيف، وبالتالي المحافظة على حياتها، وهي التي لسان حالها تمنى الشهادة على الوضع الذي باتت عليه، إلا أنها تمسَّكت ببعض من النور المتسرب إلى عينها الثانية، لا لشيء سوى رعاية من سلِم من ذخيرة العدو، حتى وإن كانوا شهداء مع فارق توقيت القصف.

أسماء الدرة، هذا الاسم الذي لم أستطع تجاوز ملامح صاحبته، منذ أن وقعت عيناي على إحدى الصفحات المناهضة للحرب الدائرة في غزة بلا أفق أو هدف، بحسب وصف الساسة والداعمين لإسرائيل.. إذ إنَّ المشهد، عزيزي القارئ، يصعب عليَّ وصفه، فلم أكن أتوقع يوما بأنني سأشاهد ظلم العالم  ووحشية المحتل مختزلة في مشهد عين أسماء التي فارقتها وسبقتها إلى الجنة، لتشهد على ظلم البشر للبشر، وعلى خذلان زهاء ملياري مسلم، وعلى صمتٍ مقيت فضح نفاق الغرب المتواري وراء قناع المدنية، والذي يتعالى صوته عندما يكون المستفيد من مِلَّته.

فخرج صوت أسماء الدرة تائهاً حزيناً يائسا في فضاء، رغم رحابته لن يسمع الصدى فيه سواها، وكأنها تقول “من سيستجيب لمناشدتي وسط مئات الآلاف من مناشدات الجرحى والمصابين؟!”.. فقد بُحت أصوات هؤلاء وهم يستغيثون كل يوم بمن بأيديهم القرار في فتح المعابر، التي تعد شريان الحياة الوحيد للغزيين الجرحى في ظل حرب الإبادة الجماعية، التي تقودها إسرائيل واقعاً وعدد من الدول العظمى تكتيكاً ودعماً ماليا وعتاداً عسكرياً، إذ إنَّ مطلب أسماء الدرة هو زراعة عين زجاجية، لحماية عينها الأخرى المهددة بالعمى بصورة تدريجية بسبب عدم توافر الإمكانيات الطبية، ما حال دون علاجها وفق البروتوكول العلاجي المعتمد في هكذا حالات في الظروف الاعتيادية.

إذ إنَّ الجيش الإسرائيلي في هجومه، الذي يعد الأعنف والأكثر دموية، والذي تحرّكه دوافع انتقامية، صوّب ترسانته العسكرية على المستشفيات ليخرج 18 مستشفى عن الخدمة من أصل 35 مستشفى، بسبب القصف أو نفاد الوقود والكهرباء، بناء على آخر تصريحات لوزيرة الصحة الفلسطينية مي الكيلة؛ الأمر الذي خلّف الآلاف من مثيلات أسماء الدرة، كعهد بسيسو ابنة الستة عشر ربيعا، التي اضطر عمها الطبيب هاني بسيسو، أخصائي العظام في مستشفى الشفاء في غزة،  إلى بتر قدمها بسكين للطعام في المنزل، دون مخدر وعلى طاولة الطعام وبأدوات طبية بسيطة توفرت لديه في حقيبة الإسعافات الأولية الخاصة به، إلى درجة أنه قام بخياطة الجرح بخيط للملابس!. لقد اضطر لذلك لإنقاذ حياة ابنة أخيه، التي استهدفتها قذيفة من دبابة إسرائيلية فأدت إلى بتر قدمها، وناشد من تبقى في قلوبهم بعض رحمة أن يساعدوها كي تتلقى علاجا يليق بصباها، الذي رأى ما تشيب له رؤوس الولدان.

وحسب البيانات الرسمية الصادرة عن وزارة الصحة في غزة، تم حتى ديسمبر 2023 نقل 1% فقط من الجرحى والمصابين، حيث بلغ عدد ضحايا العدوان الإسرائيلي على غزة قرابة 25 ألف شهيد.. ويُضاف إليهم أكثر من 60 ألف جريح، جميعهم يحتاجون إلى تدخلات جراحية غير متوفرة في القطاع، ما يؤدي إلى فقدان مئات الجرحى وهم ينتظرون فرصة للعلاج خارج قطاع غزة، في ظل التعقيدات المتبعة لإخراج الجرحى إلى معبر رفح .

خـــتامـــا:

لقـد أسمعـت لو ناديت حيًّـا   ولكن لا حـيـاة لمـن تنـادي

ولو نار نفخت بها أضاءت   ولـكن أنت تنـفـخ في رمـاد

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

"رأيت أطفالًا محروقين أكثر مما رأيت في حياتي كلها، رأيت أشلاء أطفال ممزقة".. هذه كلمات الدكتور مارك بيرلماتر، طبيب يهودي أمريكي، في شهادته حول العدوان الإسرائيلي على غزة. في مقابلة له على قناة CBS، قدم الدكتور بيرلماتر وصفًا صادمًا لمعاناة أطفال غزة.. الدكتور...

قراءة المزيد
جريمة اسمها التعليم!

جريمة اسمها التعليم!

قالوا قديمًا: "عندما نبني مدرسة، فإننا بذلك نغلق سجنًا".. وذلك لأن المدرسة في رأيهم تنير الفكر، وتغذي العقل، وتقوِّم السلوك؛ وذهب بعضهم إلى قياس تحضر الدول والشعوب بعدد مدارسها وجامعاتها. ومع إيماني الخالص بقيمة العلم وفريضة التعلم، فإنني أقف موقفًا معاديًا تجاه مسألة...

قراءة المزيد
أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

لطالما كان اختيار الإنسان لطريق الهداية أو الضلال معضلةً، طرحت الكثير من التساؤلات عن مدى مسؤولية الإنسان نفسه عن ذلك الاختيار في ظل الإيمان بعقيدة القضاء والقدر، وكيف يمكن التوفيق بين مسؤولية الإنسان عن هداه وضلاله، وبين الإرادة والقدرة الإلهية، وما يترتب عليها من...

قراءة المزيد
Loading...