ألقاب مملكة في غير موضعها
بقلم: جعفر عباس
| 10 أبريل, 2024
مقالات مشابهة
-
الطّفلُ المرعوب.. الجَمِيع يُشاهِدون
بجسدٍ نحيل، لطفلٍ لم يتعرّف إليه أحد، وببنطالٍ...
-
أطفال غزة يصافحون الموت
إنَّ الحرب الجائرة على سكان قطاع غزة لم تخلق...
-
لعنة الصحافة من “فوزية” لـ “هنيدي”!
لن يعرف قيمة أمه، إلا من يسوقه حظه العاثر...
-
سقوط حلب.. في سياسة الحمدانيين
شهدت مدينة حلب السورية الشهيرة حدثًا بارزًا في...
-
الناقد ومراوغة النص..
استكشاف حالة التقييم المراوغة.. تلك التي ترفض...
-
شكرا للأعداء!
في كتاب "الآداب الشرعية" لابن مفلح، وكتاب "سراج...
مقالات منوعة
بقلم: جعفر عباس
| 10 أبريل, 2024
ألقاب مملكة في غير موضعها
سبق لي كتابة مقالين هنا في مدونة العرب، عن دور الإعلام في صناعة الأصنام والأَعلام (بفتح الهمزة)، وتلك صناعة لا تخلو من الغرض.
فالفاتيكان – مثلا- منح “الأم تيريزا” رتبة قديس.. ولكن ما بال الإعلام شرقا وغربا ما زال يتعامل معها كأنها بالفعل قديسة لا يأتيها الباطل من قُبُلٍ ولا من دُبُر؟ وتيريزا صنعت لنفسها مجدا بعضه مستحَق بالعمل وسط الفقراء في الهند، ولكنها لم تفعل ذلك إيمانا واحتسابا، بل كانت غايتها المعلنة تأليف القلوب، كي يصبح المستفيدون مما كانت تقدمه من طعام وكساء مسيحيين كاثوليك؛ وقالت صحيفة شتيرن الألمانية إن مراكز الإيواء التي كانت تديرها تيريزا، كانت أقرب إلى معسكرات الاعتقال في ألمانيا النازية، من حيث بؤس الرعاية والغذاء، ونعت عليها أيضا أنها شادت 140 كنيسة تحمل اسمها بأموال التبرعات التي تلقتها لتقديم العون الإنساني لفقراء الهند.
ومعلوم أيضا أن تيريزا كانت على علاقة طيبة مع ديكتاتور هاييتي الدموي دوفالييه، الذي قدم لها أموالا ضخمة بينما أبقى شعبه فقيرا كسيرا؛ وربطتها بالأمريكي تشارلس كيتنغ علاقة ود قوية، لأنه قدم لها تبرعا سخيا، ولما تم اكتشاف ضلوع الرجل في أعمال غش وتزوير في سوق العقارات، كلفت الخزينة العامة مئات الملايين، لم تر تيريزا حرجا في مخاطبة القاضي الذي مثل كيتنغ أمامه، كي ينظر إليه بعين الرأفة.
ونبقى في الهند، وأسطورة المهاتما غاندي (مهاتما تعني الروح الأعظم)، الذي يتم تصويره كإنسان بسيط وجمّ التواضع؛ ولو كان متواضعا كما يصوره مريدوه، وكما توحي صوره الفوتوغرافية بملابس بسيطة في رفقة معزة عجفاء، لما قبل لقبا يرفعه إلى مصافّ آلهة الهندوس الآخرين.. وبالمقابل هناك بوذا (المعروف أيضا باسم غوتاما)، الذي كرس عمره لتدريس تعاليم معينة، للارتقاء بالروح ومقاومة رغبات الجسد، ولم يزعم قط أنه نبي أو أنه يتلقى إلهاما من السماوات، وبعد وفاته بأكثر من قرن كانت دروسه تلك قد تحولت إلى “تعاليم”، وقام الكهان بتأليهه، رغم أن تلك التعاليم كانت شفاهية، ولم يزعم بوذا أنه صاحب “كتاب”.
أما غاندي فقد تعمد كتابة أسطورته بنفسه، ولا سبيل لنكران أنه لعب دورا كبيرا في معركة استقلال الهند عن بريطانيا، وأنه مبدع ما صار يعرف بالمقاومة السلبية، وكان أول من طرح العصيان المدني كسلاح سياسي لشل الحكم البريطاني في الهند، ولكنه نجح إلى حد كبير في تحويل أعداد هائلة من الهنود إلى كائنات سلبية ومستكينة، فبعد أن تقمص دور المفكر والقائد الروحاني، صار يهرف بأشياء عجيبة، مثل حثه الناس على الحرص على الفقر، بزعم أن الفقر والمعاناة ضروريان لتقوية الروح وتحصينها ضد الشهوات.
وبالذريعة نفسها هجر زوجته كاستوبرا في الفراش عشرين سنة متتالية، وهو لم يكتف بهجرها لعقدين من الزمن، بل وعندما أصيبت بنزف حاد جعلها طريحة الفراش، ورفض أن يتم علاجها بالمضادات الحيوية لأنها “عقاقير أجنبية”، فنزفت المسكينة حتى ماتت.
وكان ينام على فراش واحد مع بنت أخته وكلاهما عاريان، ولما تهامس الناس بأن بينهما علاقة محرمة، زعم أنه يفعل ذلك أيضا مع بنت أخرى من عائلة إخوته، من باب “السيطرة على الشهوات”، ولم يعدم من يقول له إنه لو كان جادا في أمر السيطرة على شهواته بتلك الطريقة، لاستضاف في فراشه امرأة لا تربطه بها قرابة دم، وأن الرقاد في السرير “ربي كما خلقتني” مع المحارم دليل على أن هناك “شهوة”، سواء سيطر عليها أم أفلتت منه.
ثم جاء الدور على ابنه هاريلال، الذي حاول إقناع أبيه بضرورة إلحاقه هو وإخوته بالمدارس، ولكن المناضل غاندي خريج كلية القانون عارض ذلك، وتمرد هاريلال على تعاليم أبيه، ووجد لنفسه مخرجا باعتناق الإسلام، فما كان من غاندي إلا أن تبرأ منه، وألزم جميع أفراد العائلة بمقاطعته، ولم يكتف بذلك بل اتهم ابنه ذاك بأنه اغتصب بنته، وشن عليه حربا نفسية جعلته يغرق في الخمر، لتكون سببا لوفاته.
يُفترض في كل من يقود أمة للخروج من ظلمات سراديب الاستعمار أن يكون داعيا للتنوير، ولكن غاندي فضّل الترويج لتخاريف زعم أنها روحية، كان جوهرها أن الفقر والجهل (بمعنى الأمية) يؤديان إلى التطهر والتعالي على الصغائر، وكما أسلفت فقد كان من حسن حظ الهند أن من قادها إلى الاستقلال وتكريس الوحدة الوطنية ورفض جعل الهندوسية ديانة رسمية للبلاد هو جواهر لال نهرو؛ الذي كان في بادئ الأمر معجبا بتعاليم غاندي في بعض نواحيها، لكنه رفض دعاوى أن الفقر والمعاناة ضروريان لبناء المواطن الصالح، بل ورفض ادعاءات غاندي بأن المدارس والمشافي والمحامين والأطباء رجس من عمل “البريطان” ينبغي التخلص منهم.
وبما أن الشيء بالشيء يُذكر، فهناك الزعيم الروحي لبعض البوذيين في التبت (دلاي لاما)، والذي يحرص الغرب على تمجيده وصولا إلى منحه جائزة نوبل للسلام، دون أن يفتح الله على أي وسيلة إعلامية بكلمة حول الكيفية التي خدم بها السلامَ رجلٌ ظل يتلقى راتبا شهريا ضخما من جهاز المخابرات المركزية الأمريكي؛ وكان المدافع الأول في تسعينيات القرن الماضي عن حق الهند في امتلاك السلاح النووي (طالما أن هذا يشكل رادعا للصين التي تعاديها الولايات المتحدة التي ترعى نشاطه).
كلما رصدت السخاء في توزيع الألقاب على غير مستحقيها، تذكرت الشاعر الأندلسي ابن شرف، الذي عاش في فترة من أسوأ فترات الضعف والهوان في تاريخ الأندلس، حيث قال ناعيا على من اتخذوا أسماء مثل المعتصم بالله والمعتضد بالله أنهم تسببوا في ضياع “الدولة”:
.مـمـا يزهــدني في أرض أنـدلـس أسـماء معـتـصم فـيـها ومعـتضـد
ألـقاب مملكة في غـير مـوضـعـهـا كالهر يحكي انتفاخاً صولة الأسد
1 تعليق
إرسال تعليق
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
مع الهمجية ضد التمدن
يراوح روسو نظرته النقدية الصارمة للتمدن مقابل التبسط، والفلاحة والريف مقابل التجارة والصناعة، وهكذا يُثني على قصة شعوب أوروبا البسيطة القديمة، بناء على مخالفتها للمدنية التي تحدث عنها في إميل، ولا بد من ربط رؤاه هنا، لوضع نموذج الشعب البسيط غير المثقف، في السياق...
الطّفلُ المرعوب.. الجَمِيع يُشاهِدون
بجسدٍ نحيل، لطفلٍ لم يتعرّف إليه أحد، وببنطالٍ لا يُعرَف له لون لأنّ الطّين غَطّاه كُلَّه، وبجسدٍ عارٍ حال لونُه الطّبيعيّ إلى اللّون المُعفّر، وفي شارعٍ مُجَرّف جرى فيه صوتُ الرّصاص والقذائف فحوّله إلى خطٍّ ترابيّ تتوزّع عليها بقايا أبنيةٍ أو محلاّتٍ مُهدّمة، رفع...
أطفال غزة يصافحون الموت
إنَّ الحرب الجائرة على سكان قطاع غزة لم تخلق أزمة إنسانية فحسب، بل أطلقت العنان أيضا لدوامة من البؤس الإنساني، الذي يدفع فاتورته بصورة يومية أطفال غزة الأموات مع وقف التنفيذ.. فإسرائيل في عملياتها العسكرية- جوية كانت أم برية- في قطاع غزة والضفة الغربية لا تستثني...
تحليل هادف وتنويرٌ حقٌّ.. فلا تكنْ أبدا إمَّعاً.
شكرا جزيلاً أستاذَنا.