أمريكا ودعم إسرائيل.. شهادة هنري كيسنجر
بقلم: محمد عبدالعزيز
| 14 أكتوبر, 2023
مقالات مشابهة
-
ما بعد الاستعمار.. وفتح الجراح القديمة
من الملاحظ أنه في عصرنا، عصر العولمة، نجد أن...
-
اقتصاد الحرب.. ماذا يعني اقتصاد الحرب؟!
لم يوضح د. مصطفى مدبولي رئيس وزراء مصر ماذا يقصد...
-
انصروا المرابطين أو تهيؤوا للموت!
في كتاب الكامل في التاريخ لابن الأثير: عندما...
-
يوميات بائع كتب عربي في إسطنبول (4)
نساء يقرأن الروايات وحكايات عن الكتب الأكثر...
-
لينينغراد وغزة: بين جنون العظمة وتطلعات الحرية
هتلر، المنتحر، المندحر والمهزوم، دخل التاريخ...
-
التواضع في القرآن الكريم .. قيمة أخلاقية تقود إلى الرفعة في الدنيا والآخرة
التواضع من القيم الأخلاقية العليا التي يحضّ...
مقالات منوعة
بقلم: محمد عبدالعزيز
| 14 أكتوبر, 2023
أمريكا ودعم إسرائيل.. شهادة هنري كيسنجر
تعجز الكلمات أحيانا عن التعبير عن الحالة النفسية للكاتب، مشاعري متضاربة هذه الأيام، ونحن نرى الدمار والإبادة الشاملة التي ترتكبها إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني وأهل غزة، يسير الإنسان هذه الأيام وهو يحمل أسئلة كثيرة عن “العدالة” في العالم، وعن حقيقة وجود مجتمع دولي أصلا، وعن “الضمير العالمي”.. تلك الكلمات الجوفاء التي صارت خرافات، وعن ترويج الغرب بعض القضايا والسكوت عن قضايا أخرى، وعن ممارسات التجربة الغربية في التعامل معنا نحن العرب؛ ومما زاد حنقي سماع خطاب الرئيس بايدن، وقوله إن الإدارة الأمريكية تدافع عن مواقف إسرائيل وتدعمها وتحرك الأساطيل من أجلها، مع رؤية كذب الإعلام واندفاع فئة المؤثرين ونجوم السينما في المساواة بين الطرفين، طرف محتل خسيس وطرف يُقاوم الظلم ويدافع عن بلاده. ووسط هذه التساؤلات والحيرة التي تحيط بي أخذتُ أنظر في مذكرات واحد من مهندسي العلاقات العربية- الإسرائيلية، وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، هنري كيسنجر، وأقرأ من خلالها وصفا للقادة الصهيونيين.
من البداية تكشف المذكرات الدعم الأمريكي لإسرائيل، إذ يقول: “منذ نهايات عام 1971 أخذ نيكسون يوكل إليَّ مهام منطقة الشرق الأوسط، فوجود إسرائيل التي تساندها الولايات المتحدة كان يُلهب مشاعر العداء لدى العرب، أما رؤيتي أنا فكانت تنطلق من الطرف الآخر، وبرغم أنني غير ممارس لطقوسي اليهودية، فإنني لا أستطيع نسيان عديد من الأشخاص من عائلتي ماتوا في معسكرات الاعتقال النازية، لذا لم تكن لديَّ رغبة البتة في تسهيل حدوث تضحيات أخرى، كان معظم الزعماء الإسرائيليين أصدقائي الشخصيين، واعتقدت أن أمن إسرائيل لا يمكن أن يُصان على المدى الطويل إلا إذا ارتبط بمصالح الولايات المتحدة الإستراتيجية”.
هكذا يربط كيسنجر بين الهولوكوست وبين الدفاع عن أمن إسرائيل، وقبل تولي كيسنجر حقيبة الخارجية الأمريكية كان يقول في اجتماع بالبيت الأبيض: “إن سياسة الولايات المتحدة ينبغي أن تتجه إلى طرد الاتحاد السوفييتي من الشرق الأوسط بدلا من إرغام إسرائيل على قبول مبدأ الانسحاب”، هكذا رأى كيسنجر أن خروج الاتحاد السوفييتي يخفِّف حدة الضغط على إسرائيل والولايات المتحدة عبر إلغاء لعبة الأحلاف الدولية والاستعانة بالجهود السوفيتية، لذلك سخِر كيسنجر من “سذاجة السادات غير المعقولة” عندما طرد السادات الخبراء السوفييت، وقال: “لو أنه قد حاول وضع ثمن لمبادرته تلك قبل أن يشرع في تنفيذها، لكنا دفعنا فيها ثمنا غاليا جدا”.
يقول هيكل عن هذه المرحلة قبل دخول كيسنجر في المفاوضات العربية- الإسرائيلية: “وبين أكتوبر 1972م إلى أكتوبر 1973م وصل الرئيس السادات إلى أبواب البيت الأبيض، لكن الأبواب لم تُفتح أمامه، لأن ساكن هذا البيت -ريتشارد نيكسون- كان في ذلك الوقت مشغولا بفضيحة كبرى، وهي (ووترجيت). وكان الواقف على بوابة البيت الأبيض هو الدكتور هنري كيسنجر، مستشار الرئيس للأمن القومي ووزير الخارجية أيضا، وكان الرئيس السادات يريد هذا الواقف بباب البيت الأبيض أكثر مما يريد السيد المعتقل بالفضيحة داخله، لكن كيسنجر كان يعد أولوياته وفق رغباته، ولم تكن أزمة الشرق الأوسط متقدمة في تلك اللحظة، وقد أراد أن يتركها (في الثلاجة)، على حد تعبيره، حتى يتفرغ لها على مهل ويعطيها بعض وقته”.
تكشف المذكرات أنه لا يوجد تعارض بين “الصقور” و”الحمائم” في الأوساط الحاكمة الإسرائيلية، وإن كان فهو تعارض سطحي، فهم لا يختلفون إلا حول حجم عمليات الضم، لا حول مبدأ الضم نفسه، واستحالة حسم هذه المسألة تشل اتخاذ القرار الإسرائيلي، وتجعل من المستحيل تعريف الحل السياسي.
يطلق كيسنجر على دبلوماسيته في تلك الفترة ما سماه “دبلوماسية خطوة خطوة”، إذ اعتمد تأجيل التسوية الشاملة، وإرجاء أكثر القضايا جدلا للحظات المناسبة؛ وعبر رحلات مكوكية بين القاهرة وتل أبيب سافر كيسنجر لتشجيع المفاوضات، وبحسب مذكرات كيسنجر فإن “السادات كان مستعدّا للتخلي عن الجبهة العربية بشرط أن يحقق بعض الإنجازات في مسار الصلح مع إسرائيل”، أما على الجانب الإسرائيلي، فتسجِّل مذكرات هنري كيسنجر أن قادة إسرائيل “تميزوا بالعناد، ولم يكونوا على استعداد لتقبُّل القرارات التي قد تفرضها عليهم عملية السلام”، ويقول: “في أحد اجتماعاتي مع وزير العمل الإسرائيلي إيغال آلون في فندق الملك داوود بالقدس ،قال آلون لي إنه يصلي كل ليلة من أجل نجاح المفاوضات، وذات مرة سألته: أي جزء من الأراضي يمكن أن تعيدوها إلى سوريا؟ ردَّ آلون بغضب: لا بد أنك مجنون، أي أراضٍ للسوريين؟!”.
ورغم أن أحد وزراء الخارجية العرب قال لكيسنجر: “ما من أحد يرغب في أن يكون وزيرا تلعنه الأجيال لكونه أول من دخل في صلح مع إسرائيل”، فإن رأي الإدارة الإسرائيلية في كيسنجر كان مختلفا، إذ يحكي في مذكراته: “كانت صداقتي شخصية مع رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين، وقد وجد في قلبه فرصة ليقول لي: لا يخامرني الشك في أنك كنت تتبع الإستراتيجية الدبلوماسية لتمنع العرب من أي خيار عسكري ضد إسرائيل، وترغمهم على الخيار السياسي، وقد تنشأ بيننا خلافات حادة، غير أنني لم أشك نهائيًّا في أنك تصرّفت وَفق هذا النهج”، ويكمل كيسنجر مشيرا إلى أن هذا القول من رابين “كان يعني الكثير بالنسبة له”.
يوضح كيسنجر أن أكثر ما يهم السياسيين في إسرائيل هو “التخاصم على أتفه الحلول وعدم التساهل في أي أمر، ما لم يكن الصبر قد نفد من طول الانتظار، ولن يقدّموا أي حلول دبلوماسية إلا بعد إنهاك قوى مفاوضها، مع عناد وصلف وعدم مرونة، والوقوف دون لين حتى النهاية بسبب الخلافات الداخلية في الإدارة لإقناع المرتابين والطامعين، وبسبب الخوف من أن يُتَّهم رئيس الوزراء بالضعف إذا قبِل وبسهولة أي اقتراح تتقدم به الولايات المتحدة”.
وقد ظهر هذا في الفرْق بين شخصية غولدا مائير، رئيسة الوزراء، وخَلَفها إسحاق رابين، إذ كانت غولدا أكثر صلابة من رابين، وبصفتها من الروّاد مع موشيه ديّان، فقد كانت تعتبر كل شبر من إسرائيل مقدَّسا، بما في ذلك عمليّا غزواتها، وكان أكثر ما تخشاه غولدا أن تُفرض صفقة سوفييتية- أمريكية على حساب إسرائيل، مع أن مثل هذا الترتيب لم يُناقش أو يُتداول إطلاقا، وهكذا تمتَّع جيل الروَّاد من القادة الإسرائيليين، ومعظمهم من المهاجرين، بحماسة صاخبة، إذ أسَّسوا الكيان الصهيوني وصاغوا بِنْيته.
تكشف مذكرات كيسنجر كذلك التحيز الأمريكي لإسرائيل على مستوى السياسة، ودعم الولايات المتحدة لمسيرة إسرائيل، لذلك علينا ألا نُفاجأ بالموقف الأمريكي الفجّ في دعم جرائم إسرائيل، وألا نُصدَم من انتشار الكذب وتغيير الحقائق، هذا سلوك عمره سنوات طويلة من تاريخ المسألة الفلسطينية.
لقد تذكرت المفكر الفلسطيني إدوارد سعيد وهو يحكي عن نفسه في نهاية حقبة الستينيات من القرن الماضي، بعد هزيمة يونيو عام 1967م، التي هُزمت فيها الجيوش العربية واحتلت إسرائيل كلًّا من سيناء والجولان والقدس، إذ وجد إدوارد سعيد نفسه في محيط مُعادٍ للعرب وللأفكار العربية، فكان مُحاطًا بمساندة تكاد تكون شاملة للإسرائيليين، لما كان يُشاع وقتها من أن العرب قد نالوا ما استحقوه! لقد جعلت حرب يونيو، واستقبالها بابتهاج، إدوارد سعيد يواجه تناقض موقعه، فلم يعد بمقدوره امتلاك هُويتين، وهنا شعر بهويته الفلسطينية.
دروس التاريخ كثيرة حول تعنُّت إسرائيل في قبول حلول السلام، وموقف الغرب وأمريكا في الدفاع عنها.. اللهم انصُرْ أهلنا في غزة في مواجهة هذه الهجمة التي لم تتوقف منذ 75 عاما!
مهتم في مجال السير الذاتية والمذكرات
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
واشنطن تسعى لمزيد من الشفافية من إسرائيل بشأن خططها للرد على إيران
تتزايد حالة القلق في الإدارة الأمريكية إزاء عدم إطلاعها على تفاصيل العمليات العسكرية الإسرائيلية، خاصة فيما يتعلق بالرد المحتمل على إيران. وتأمل واشنطن في تجنب مفاجآت مماثلة لتلك التي واجهتها خلال العمليات الأخيرة في غزة ولبنان. كان من المقرر أن يجتمع وزير الدفاع...
الحالة العامّة للأسرة والمرأة في الجاهليّة قبيل ولادة النبيّ صلى الله عليه وسلم
عند الإطلالة على حالة عموم النساء في المجتمع الجاهليّ، وما اكتنف الأسرة آنذاك، فيمكننا وصف وتقييم الحالة بعبارة واحدة، وهي: انتكاس الفطرة، وتشوّه معنى الرجولة، وغيبوبة الأخلاق. كان الزواج يتمّ على أنواع عدة، كلّها إلا واحدًا يظهر مدى الانحدار القيمي والظلام الأخلاقي،...
ما بعد الاستعمار.. وفتح الجراح القديمة
من الملاحظ أنه في عصرنا، عصر العولمة، نجد أن الثقافات والهويات العربية أصبحت تتعرض لضغوط غير مسبوقة، لكي تكون مغمورة ومنسية ومجهولة، نتيجة الانفتاح الكبير على العالم، وتأثير الثقافة الغربية وغزوها للعقول العربية، لا سيما فئة الشباب؛ فتأثيرات العولمة عميقة ومعقدة...
0 تعليق