أنا لم أتزوج حبيبتي !

بواسطة | مايو 3, 2024

بواسطة | مايو 3, 2024

أنا لم أتزوج حبيبتي !

هكذا أخبرني وهو يمسح عرقا وهميا سرى داخل رأسه! وذلك قبل أن يتابع قائلا:

بلى، تزوجتها بناء على نصيحة من قريب.. في مجلس غلبت عليه عبارات مجاملة محفوظة كان لقاؤنا الأول، وبعد عدة لقاءات تزوجنا زواجاً يطيب للبعض تعريفه بأنه “زواج صالونات”، نظراً لأن لقاءنا الأول كان نمطياً تقليدياً في حضرة الأهل والمعارف. تزوجنا وعشنا سعداء، كل منا كان يعرف جيداً الدور المنوط به في إسعاد شريكه.. كان هذا قبل أن يكتشف كلانا أننا لم نكن حبيبين قبل أن نتزوج!.

حاصرتنا الدراما وهي تسخر من زواج تقليدي لم تسبقه عاطفة حارة، وأرّقتنا كثيراً كلمات بعض الخبراء والأخصائيين، وعلماء النفس وخبراء الزواج وأهل التنمية البشرية، وهم يخبرونا أننا لم نكن صائبَين حينما ارتبطنا بهذه الطريقة الهمجية السخيفة، التي لا تليق بمثقف ينتمي للقرن الحادي والعشرين، وعليه اكتشف كلانا أننا لسنا سعداء كما نتصور!.

صار كل منا يرى في حياته نقائص ما كانت لتوجد لو كنا تزوجنا بعد قصة حب عنيفة، شعر كل واحد فينا أنه قد خُدع بشكل ما، هناك مشاعر وحوادث ومواقف كان يجب أن نعيشها، لكننا بغباء تخلينا عنها وهرولنا إلى لحظة النهاية.. نتذكر في حسرة جلوسنا حول أكواب الشاي والقهوة والجاتوه،  محاصرين بنظرات الأهل التي لا تنقطع، وصحبة “المحرم” الذي لا يسمح لنا بلحظة انفراد نختلسها في غفلة ونحن جلوس في كازينو، أو أثناء تجولنا في حديقة أو مول ما..

توقف صاحبي عن الكلام، محاولاً اكتشاف كنه الابتسامة التي ترتسم على شفتي قبل أن يقول: ما رأيك في ما قلته؟.

هنيهة من الصمت سمحت لها أن تفصل بين شكواه وكلامي قبل أن أجيب: إنها اللعنة يا صديق، لعنة التحولات التي تطرأ على عالمنا وتحاول أن تحيل كل ما فيه إلى نمط واحد، لعنة المعركة الدائرة بين قيمنا الأصيلة والرؤى الجديدة، لعنة اكتشافنا – نحن أبناء الجيل الجديد- لاحتياجات عاطفية ونفسية لم يدركها أهل الزمان الفائت، وبحثنا المتطرف عن حل لها وجواب.

وكي أطمئنك، فأنا أيضاً كان زواجي مثلك تماماً، زواج “صالونات” كما يسمونه، شخصيًا لم يشغل بالي كثيراً الشكل والطريقة التي تم بها زواجي، كل ما شغل بالي هو مدى ملاءمة كل منا لصاحبه، كاذبون من أخبروك بأن الحب قبل الزواج منجاة، مخادعون من حدثوك أن فترة الحب تلك قادرة على كشف جوانب من شخصية الطرف الآخر، ومن ثم معرفة مدى ملاءمته لك من عدمها.. الأرقام تخبرنا بذلك، حالات الطلاق تؤكد هذا، آلاف القصص التي ظن أصحابها أنهم لامسوا السحاب، وأقاموا الليل وأقعدوه على صوت عبدالحليم حافظ وكاظم الساهر، كلها تؤكد هذا، قصص حبهم الملتهبة قبل الزواج لم تصمد أمام مسؤولية الزواج، ما يعني أن الحل ليس هنا.

والحقيقة يا صاحبي أن كل زواج لم يقم على أساس من المصارحة والمكاشفة مصيره إلى تعاسة، كل ارتباط لم يسبقه صدق من كلا الطرفين وسعي حثيث في تعرية النفس وكشف جوانب ضعفها وقوتها سيذهب بنا إلى طريق مسدود.

أنا أيضاً لم أتزوج حبيبتي، لكنني كنت حريصاً أن أجعلها حبيبتي!.

كنت مصمماً أن أدمر مقولة “كان في الإمكان أفضل مما كان”، ومن ثم سعيت في دأب كي أتقبل عيوبها، وأُثمّن ما تفعله هي الأخرى كي تقبل ما بي من عيب وعوج، لم أُصغ أبداً لكلام بعضهم الساخر من أن زواج الصالونات زواج بائس، وقررت أن أنعم بما وهبني الله من قلب عفيف لم يوزع مشاعره على طاولات الأندية، قبل أن يوزع رقم هاتفه على طلاب الحب.

سيقولون: قديم هو في الحب، عتيق في مشاعره.. لا بأس يا صديقي، لكنني لست بائساً تعيساً، أنا رجل يدرك تماماً أن الكمال في دنيا الناس غير موجود، وأن جزءا من حصافة المرء في قبوله بما امتلك، وعدم مد العين إلى ما لدى الآخرين، وكذلك في محاولته الدائبة لتجميل الواقع بدلاً من الشكوى والتذمر.

لم تتزوج حبيبتك؟! لا بأس في ذلك، اجعلها من اليوم حبيبتك، ولا تظن أنه لو عاد بك الزمان ستصل إلى نتيجة أخرى؛ وصدقني.. جزء من تعاستنا يسكن في “لو”، تلك التي تفتح عمل الشيطان، وتقتل بواعث الرضا والراحة فينا.

7 التعليقات

  1. ابو احمد

    احسنت احسن الله اليك
    وانا ايضا احببت زوجتي ❤️❤️

    الرد
  2. السنهوري

    مقال جميل وممتع

    الرد
  3. سماح نبيل

    أحسنت انا ايضا أحببت زوجى ولكن هو بعد ١٣ سنه زواج اكتشف انه تزوج تقليدى صالونات

    الرد
  4. سلوى القوماني

    تزوجنا ونحن حبيبين تخطينا كل المصاعب كنت ارى عيوبه بعيني لكن منعتها ان تلامس عقلي كنا حبيبين لكن محتلفين في كثير من الطباع والاراء والمواقف وكمى قيل الحب اعمى فما عاد.الواحد منا يرى سوى محاسن الاخر وشوقه الى الاخر وبعد عقد.من الزمن يخون ويكرر صنيعه الى ان اكتشفت ذلك واعتقادي ان الاشياء التي تحكمها المبادئ لا تشفع لها المشاعرجعلتني ارفض وجوده في حياتي حد.التقزز . وها نحن بعد عقدين ونصف من الزمن كل منا في مكان وحقيقة نسيت فعلا انني احببته يوما ولا اتذكر البتتة لكن عائلتي واقربائي يذكرون ذلك ربما

    الرد
  5. كاميليا

    لمن انشىء هذا الموقع لماذا لا يوجد إشارة الاعجاب اللايك لانه هذة المقالة تستاهل المليون لايك

    الرد
  6. Wafaa mohammed Mahmoud

    احسنت كلامك أكثر من رائع ❤️❤️❤️❤️❤️❤️❤️

    الرد

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

"رأيت أطفالًا محروقين أكثر مما رأيت في حياتي كلها، رأيت أشلاء أطفال ممزقة".. هذه كلمات الدكتور مارك بيرلماتر، طبيب يهودي أمريكي، في شهادته حول العدوان الإسرائيلي على غزة. في مقابلة له على قناة CBS، قدم الدكتور بيرلماتر وصفًا صادمًا لمعاناة أطفال غزة.. الدكتور...

قراءة المزيد
جريمة اسمها التعليم!

جريمة اسمها التعليم!

قالوا قديمًا: "عندما نبني مدرسة، فإننا بذلك نغلق سجنًا".. وذلك لأن المدرسة في رأيهم تنير الفكر، وتغذي العقل، وتقوِّم السلوك؛ وذهب بعضهم إلى قياس تحضر الدول والشعوب بعدد مدارسها وجامعاتها. ومع إيماني الخالص بقيمة العلم وفريضة التعلم، فإنني أقف موقفًا معاديًا تجاه مسألة...

قراءة المزيد
أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

لطالما كان اختيار الإنسان لطريق الهداية أو الضلال معضلةً، طرحت الكثير من التساؤلات عن مدى مسؤولية الإنسان نفسه عن ذلك الاختيار في ظل الإيمان بعقيدة القضاء والقدر، وكيف يمكن التوفيق بين مسؤولية الإنسان عن هداه وضلاله، وبين الإرادة والقدرة الإلهية، وما يترتب عليها من...

قراءة المزيد
Loading...