
أيام في المغرب (1) – قصبة الأوداية خاتمة الجغرافيا..
بقلم: سعدية مفرح
| 7 يونيو, 2024

مقالات مشابهة
-
أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!
أخيراً تحقق لها المراد! فقد صافحت الوزيرة...
-
غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة
على مدى ما يقارب ٤٧١ يوماً، وقفت غزة وحيدةً...
-
سوريا وثورة نصف قرن
سيسجل التاريخ أن يوم ٨ ديسمبر ٢٠٢٤م يوم مفصلي...
-
خطر الدوغمائية على مآل “الميثاق الغليظ” في المغرب!
يزداد انشغالي فكريًّا ووطنيًّا بما سيثيره مشروع...
-
ماذا عن القرار العباسي بإغلاق مكتب الجزيرة؟!.. يا لك من نتنياهو!
فعلها محمود عباس (أبو مازن)، وأكد عندما فعلها...
-
وقد استجاب القضاء لدعوة الرئيس.. ماذا ينتظر المستأجرون؟!
ذكّرني القول إن المحكمة الدستورية العليا في مصر...
مقالات منوعة
بقلم: سعدية مفرح
| 7 يونيو, 2024
أيام في المغرب (1) – قصبة الأوداية خاتمة الجغرافيا..
كنت لا أزال واقعة تحت تأثير السحر المغربي المعتق، والذي عشته لمدة تسعة أيام للمرة الأولى في حياتي، عندما قررت تخصيص اليوم العاشر والأخير من رحلتي المغربية لقصبة (قلعة) الأوداية.
قررت الإقامة بجوار تلك القلعة التاريخية المهيبة، التي ترتفع شمال شرق الرباط مطلة على مصب نهر بورقراق في المحيط الأطلسي، في الأيام الأربعة السابقة لزيارتها؛ خمنت أن زيارتها تحتاج لتحضير نفسي يليق بشموخها في بطون الكتب التي تحدثت عن تاريخ وجغرافيا الرباط، فسكنت في “رياض”، أي بيت، جميل وصغير يقبع في قلب السوق القديم، ولا أصله إلا عبر أزقة ضيقة تحيله لجائزة شخصية أربحها بعد أن أجتاز ما اعتبرته متاهة حقيقية بنجاح! وهكذا كنت أربح جائزتي الشخصية بالوصول الى بيتي المؤقت الأبيض بنوافذه الزرقاء الصغيرة، بعد كل رحلة في متاهة السوق القديم العابق بروائح الشرق كلها، وهو الذي يقع في أقصى الغرب في وجدان العرب التقليدي!
أردت أن يكون آخر عهدي بآثار المغرب قبل عودتي للوطن مع هذه الفخامة التاريخية، التي شعرت بها وأنا أحوم حول القصبة من بعيد، قبل أن تكون محطتي الأثيرة في انتظار سيارة الأجرة للتنقل في ربوع الرباط الأخرى.
قبلها كنت أطل عليها كلما مررت على المحيط وأنا في السيارة، والمحيط صار حكاية أخرى منذ أن لفتت نظري الصديقة العزيزة د. زهور كرام وهي تشير إليه بأنه صديقها في رحلة الذهاب والإياب ما بين بيتها وعملها؛ كنت أرافقها في سيارتها إلى المطعم الساحر الذي دعتني إليه بكرمها الفائض عن الحد، وكانت جلسة رائقة مع ابنتها الروائية الشابة قطر الندى، وصديقتهما الجميلة فدوى.. لم يكن مجرد عشاء في مطعم يقدم الأطباق المغربية التقليدية وحسب، بل كان موعدا مع رحلة ساكنة في قلب المغرب كله.
حكايات زهور العجيبة والمفعمة بأناقة الإبداع في الكتابة أيضا كانت مفاتيحي السرية لاكتشاف كل ما استغلق علي من خزائن المغرب.. أما ضحكات فدوى وقطر الندى فكانت الزاد من الفرح لبقية الرحلة، والطريق الموشى بالامتنان لنساء المغرب تحديدا، ولهذا سيكون للمغربيات اللواتي عرفتهن عن كثب، أو قابلتهن عبورا للمعنى وحسب، نصيب كبير مما أكتبه في هذه السلسلة.
سأتحدث لاحقا بإذن الله عن ابتسام، التي دعتني للمساهمة في معرض الرباط الدولي للكتاب، ورتبت كل شيء بكرم وطيب وحفاوة بالغة، وابتسامة رائقة تشبه انطلاقة اسمها بلا حدود؛ وعن فاطمة التي تعرفت عليها في الطائرة من الكويت وصولاً إلى الدار البيضاء، فأصبحت تشعر أنها مسؤولة عن رعاية إقامتي طوال وجودي في البلاد؛ وعن زينب الحبيبة التي قضيت معها ليلتي المغربية الأولى في شوارع الرباط فآنستني بألفة روحها؛ وعن نور الهدى الفتاة التي خلقت من مادة الحب.. مبدعة في الصحافة والرواية والصداقة والحفاوة والدلال.. تدللني كما لو كنت ابنتها، وعن شرفة التي تحمل هم القضية الفلسطينية على كتفيها بهيئة كوفية، وتعلنه قولاً شجاعا في كل مناسبة، وعن إكرام التي أشارت لي وهي توقع كتابها في المعرض بحب عابر للقارات وكأنها تكتشف الدنيا، وعن نوال ومريم صاحبتي الرياض، اللتين كانتا روحَين تحلقان في أفق الكرم والحب.
سأتحدث عن عائشة رفيقة محطة القطار العابرة، وعن عائشة التي خصصت وقتها وسيارتها وكرمها واهتمامها لمرافقتنا في مدينتها طنجة، وعن مونية، الإعلامية المثقفة والمبدعة، التي أجرت لقاء تلفزيونيا معي، وفاجأتني في النهاية وهي تحتفي بي بتذكاراتها الأنيقة وهداياها المغلفة بابتسامتها المدهشة، وعن سكينة موظفة الفندق التي تقطر حنانا وبراءة، وعن آية التي رافقت تفاصيل السفر، وتقبلت كل استفساراتي بصدرها الرحب، وعن فاطمة الصحفية التي عرفتها من قبل فأعدت اكتشاف الحب في عينيها مجددا في الرباط، وعن سعيدة.. الإعلامية التي كانت شعلة من نشاط في كل يوم أصادفه فيها بحب تنبض به عيناها، وعن فرح ورفيقاتها من الصحفيات الشابات اللواتي أضفين على معرض الكتاب بهجة ووعياً لا يُنسيان.. وعن مغربيات كثيرات أخريات، شكّلن وعيي بمكانة المرأة المغربية وقيمتها وعلو مقامها في الروح والقلب والوجدان.
عندما حان وقت زيارة الأوداية، ذهبت بمعلومات قراءة تاريخية ونظارة سوداء وعدسة هاتفي، وشغف كبير باكتشاف شيء ما أكثر مما يتوقع الزائر العابر.. لا أريد أن أكون مجرد سائحة عابرة، كالذين أراهم أمامي في كل مكان؛ إسبان، برتغاليون، فرنسيون، وقليل من الجنسيات الأخرى.. أريد أن أكون أنا المنتمية إلى المكان باعتباره جزءا منسيا من تكويني العربي والإسلامي، وسأدع الصور التقليدية للسياح كي يحتفظوا بها عن مكان مقتبس من عصور سحيقة!
دخلت القلعة من بابها الأول المشرع على الشارع الحي، والمزدحم بالسياح والمواطنين، محاطاً بحديقة أليفة ومحروسا بمدفعين قديمين جدا، أشعراني – رغم أنني متأكدة أنهما لا يعملان- بأمان إضافي، وأنا أحاول أن أسترجع معلوماتي التي تكاد تتفلت من ذاكرتي بمواجهة واقع حي، يتحدى التاريخ بجدرانه المهيبة وأشجاره المتنوعة العالية، ورائحة إكليل الجبل التي تعبق بالفضاء كله، لتطغى على أي رائحة أخرى للزهور الأنيقة، التي تتغنج تحت ظلال الأشجار الباسقة.
الباب – وهو واحد من ثلاثة تنفتح من خلالها القصبة على الفضاء الخارجي براً وبحراً- يبلغ طوله 39 مترا، وعرضه 16 مترا، أما ارتفاعه فيبلغ يبلغ 13 مترا؛ وعندما وقفت إلى جانب منه لالتقاط صورة فوتوغرافية، ارتبكت قليلا وأنا أشعر بضآلتي في حضرة التاريخ الضخم الذي يقبع بسكينة من ورائه.. لا بد أن ملايين الناس قد عبروا هذا الباب الكبير جدا، منذ انفتاحته الأولى على باب الغزل حيث أقيم الآن، وحتى اللحظة.. التاريخ .. التاريخ .. التاريخ.. الكلمة السحرية التي سكنتني طوال أيامي المغربية العشرة.. في الوجوه والحجر.. في الأسواق والمدن والقلاع والشوارع والبحر أيضا..
رافقني مرشد سياحي علمت أنه يتحدث أكثر من سبع لغات، وكان يباشر كل سائح ممن حوله بلغته حتى قبل أن يسأله عنها؛ يتفرس الوجوه ويعرف اللسان من فرط الخبرة، رغم أنه شاب في الثلاثينيات كما بدا لي لحظتها. لم يكن مجرد مرشد سياحي تقليدي.. صاحب بيت يتحدث عن الأوداية وكأنها بيته الذي ورثه من أجداده.. ومن يدرى؟ ربما.. هنا يلتبس التاريخ بالواقع في نسيج لا تكاد تتبين منمنماته، وإن كان كل شيء فيه بمقدار يعرفه المغاربة بالوجد والحب والانتماء للمكان وللتاريخ.. وهذه هي العراقة.
تبدأ قصة قلعة الأوداية الحقيقية مع سلالة الموحدين، وهي سلالة أمازيغية مسلمة، ارتفعت إلى السلطة في القرن الثاني عشر، وتركت بصمة لا تمحى على العمارة والتخطيط الحضري للرباط. لكن من الواضح أن هذا الموقع التاريخي لم يعد مجرد متحف للماضي وذكرياته، بل هو شاهد حي وواقعي على الروح الثقافية المغربية الخالدة. لقد أعاد سُكان القصبة – وهم مزيج من السكان القدامى والوافدين الجدد- إحياء هذه القلعة القديمة، وحوَّلوها إلى مركز للتعبير الفني والتبادل الثقافي.
استوحى المعماريون الموحدون إلهامهم من التقاليد المعمارية الإسلامية للعصر، فمزجوا بين العناصر المعمارية الأندلسية والأفريقية الشمالية لإنشاء معمار فخم، يكاد ينطق ببراعة منشئيه وذكاء ساكنيه على مر الزمن. جدران القلعة السميكة ذات اللون الرملي، صُممت ليس فقط لحماية المدينة ولكن أيضًا لإضفاء هالات من القوة والسلطة والعراقة..
وتلك حكاية أخرى سنحكيها في المقال التالي بإذن الله تعالى.

مستشارة ثقافية من الكويت
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
رسالة إلى أمريكا
وقف مراسل شبكة CNN الإخبارية بمنطقة "أيتون" شرقي مدينة لوس أنجلوس الأمريكية، مرتدياً قناعاً واقياً من الغاز، قام بإزاحته عن وجهه، بعد أن طلبت منه المذيعة في داخل الاستوديو أن يصف لها ما يحدث على الأرض. بعيون دامعة، ووجه شاحب مكفهر، تحدث بأسى عن جحيم مروع، تشهده ولاية...
أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!
أخيراً تحقق لها المراد! فقد صافحت الوزيرة الألمانية أنالينا بيربوك الوزيرَ السوري أسعد الشيباني في الرياض، بعد الضجة الكبرى لعدم مصافحة أحمد الشرع لها، والاكتفاء بالترحيب بها بوضع يده مبسوطة إلى صدره! وكما كان عدم المصافحة في دمشق خبرَ الموسم في الإعلام الغربي، فقد...
غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة
على مدى ما يقارب ٤٧١ يوماً، وقفت غزة وحيدةً صامدةً تواجه مصيرها، كآخر بقعة تتموضع عليها القضية الفلسطينية، بعد أن تم تدجين العالم العربي كله وصولاً إلى تدجين فلسطين نفسها بقيادة أكثر صهيونية من الصهيونية نفسها، لا هدف لها سوى أن تُنسي الفلسطينيين والعالم كله شيئاً...
0 تعليق