إسرائيل | عندما يجتمع حكم الأصولية والسلاح النووي

بواسطة | يوليو 18, 2023

بواسطة | يوليو 18, 2023

إسرائيل | عندما يجتمع حكم الأصولية والسلاح النووي

مطلع ثمانينيات القرن الماضي، صدرت دراسة عن وزارة الدفاع الأمريكية حذرت من إمكانية لجوء إسرائيل إلى استخدام السلاح النووي، في حال صعدت إلى الحكم فيها قوى اليمين الديني اليهودي المتطرف.
لم تكن قوى اليمين المتطرف تحوز على نفوذ يذكر في ذلك الوقت؛ حيث كانت هذه القوى تعيش على هامش الحياة السياسية والاجتماعية في إسرائيل. لكن الآن، وبعد أن تحولت قوى اليمين الديني الخلاصي في نسختها الأكثر تطرفا إلى مكون رئيس من مكونات الحكم في إسرائيل، فإن تحذيرات الدراسة الأمريكية تكتسب أهمية خاصة. فما الذي يدعو إلى الافتراض أن صعود قوى اليمين الديني اليهودي الخلاصي، ممثلة بشكل خاص بكل من حركة “القوة اليهودية” بقيادة وزير الأمن “القومي” إيتمار بن غفير، وحركة “الصهيونية الدينية” برئاسة بتسلال سموتريتش، إلى الحكم سيزيد من فرص استخدام إسرائيل السلاح النووي ضد أعدائها؟.

إن تطبيق بعض مبادئ البرامج السياسية التي التزمت قوى اليمين الديني بتنفيذها قد يدفعها إلى عدم التردد في استخدام خيارات عسكرية، قد يكون من بينها السلاح النووي.

تكمن الإجابة على هذا السؤال في المنطلقات الفقهية التي تتشبث بها المرجعيات الدينية التي توجه التيار الخلاصي، فهذه المرجعيات تعد استخدام السلاح النووي وسيلة لتعجيل نزول المخلص المنتظر؛ وقد عبر عن هذا التوجه بشكل واضح الحاخام شلومو ملميد، أحد أبرز مرجعيات “الصهيونية الدينية” بشكل صريح، حيث قال: “ضرب العرب بالسلاح النووي سيعجل بنزول المخلص المنتظر، وسيكون سببا لتطهير اليهود من ذنوبهم”. وليس هذا فحسب، بل إن الحركات الدينية الخلاصية المشاركة في الحكومة تؤمن تماما بوجوب اندلاع حرب “يأجوج ومأجوج” كمقدمة ومتطلب لنزول المخلص المنتظر، وبالتالي فإن اندلاع هذه الحرب التي يفترض أن تؤسس نتائجها لتغيير الواقع الجيوسياسي في المنطقة بشكل جذري يتطلب استخدام وسائل عسكرية غير تقليدية، وهذا ما سيزيد من فرص استخدام إسرائيل تحت حكم هذه القوى للسلاح النووي.
في مقاله الذي نشره في 29 يناير الماضي في موقع “زمان ليسرائيل”، لفت الباحث والكاتب الإسرائيلي بنحاس عنبري إلى أنَّ بن غفير وسموتريتش “هما الأكثر حماسا لاندلاع حرب يأجوج ومأجوج، ما يجعلهما متحمسين لأي تصعيد يمكن أن يفضي إلى تفجرها”. والحقيقة أن التصريحات الصادرة عن سموتريتش وبن غفير وبقية ممثلي القوى الدينية اليهودية الخلاصية في الحكومة الإسرائيلية تضفي صدقية على هذه التحذيرات؛ فسموتريتش لم يتردد في الدعوة إلى “محو” بلدة حوارة، لمجرد أن مقاوما فلسطينيا نفذ عملية في محيطها؛ وفي مناسبة أخرى قال سموتريتش: “أمام العرب -يقصد الفلسطينين- ثلاث خيارات لا رابع لها؛ فإما المغادرة، أو العمل كخدم لليهود، أو القتل”، وذلك عملا بفتوى الحاخام موشي بن ميمون، الذي عاش في القرن الثاني عشر.
إلى جانب ذلك، فإن تطبيق بعض مبادئ البرامج السياسية التي التزمت قوى اليمين الديني بتنفيذها قد يدفعها إلى عدم التردد في استخدام خيارات عسكرية، قد يكون من بينها السلاح النووي. فالبند الرئيس في البرنامج السياسي لحركة “القوة اليهودية” يدعو صراحة إلى تهجير الفلسطينيين؛ حيث إنه من الواضح أن تحقيق هذا الهدف يتطلب اتخاذ إجراءات عسكرية غير تقليدية.
وقد فطن المفكر اليهودي إسحاك شاحاك المعادي للصهيونية قبل أربعة عقود إلى خطورة حيازة إسرائيل على السلاح النووي، حيث لفت إلى أنه في حال صعدت التيارات الدينية اليهودية إلى حكم إسرائيل فإنها لن تتردد في استخدام السلاح النووي ضد العرب، من منطلق أنها تعتقد أن استخدام هذا السلاح سيحقق النبوءات التوراتية. وقد أعاد الاعتبار لهذه المخاوف المفكر يوفال ناح هراري في مقال موسع نشرته صحيفة “هارتس” أواخر الأسبوع الماضي، حيث حذر من أن “غلاة المتطرفين” الذين يشاركون في حكم إسرائيل لن يترددوا في استخدام السلاح النووي.

شرعت نخب اليمين الديني اليهودي الخلاصي بشكل غير مباشر بالترويج لمقولات تهدف إلى مراكمة شرعية داخلية لاستخدام السلاح النووي.

وبشكل عام، عندما يصبح قادة الأحزاب والحركات التي تمثل قوى اليمين الديني الخلاصي مكونا رئيسا في دائرة صنع القرار فلنا أن نتوقّع أي شيء؛ حيث إن الحديث يدور عن أشخاص ترعرعوا في تنظيمات إرهابية وعاشوا كإرهابيين!. فحتى شمعون شيبس، رئيس ديوان رئيس الحكومة الإسرائيلي السابق إسحاك رابين يقر بأن “الإرهابيين باتوا وزراء في حكومة بنيامين نتنياهو”.
اللافت أن الافتراض بأن إسرائيل تحت حكم قوى اليمين الديني ستستسهل استخدام السلاح النووي ضد الأطراف الخارجية لا يرجع فقط إلى المنطلقات الفقهية والدينية التي تحكم توجهات هذه القوى، بل أيضا إلى أن التصورات الاجتماعية التي تؤمن بها تدفع نحو هذا المسار. وكما يقول الخبير القانوني الإسرائيلي مردخاي كرمنتسر، فإن قوى اليمين الديني الخلاصي تنطلق في سياساتها وتوجهاتها الأيديولوجية من منطلق وجوب مراعاة “تفوق العرق اليهودي” على غيره من الأعراق. فاستحكام هذه النظرة العنصرية تجاه الآخر يوسع من دائرة الاعتبارات التي يمكن أن تحفز استخدام إسرائيل للسلاح النووي تحت حكم قوى اليمين الديني الخلاصي.
وقد شرعت نخب اليمين الديني اليهودي الخلاصي بشكل غير مباشر بالترويج لمقولات تهدف إلى مراكمة شرعية داخلية لاستخدام السلاح النووي. فعلى سبيل المثال، أثناء مداخلة بثتها قناة “14” الناطقة بلسان التيار الديني، دعا يهنوتان يوسيف، عضو مجلس بلدية الاحتلال في القدس إلى “صناعة نكبة جديدة للعرب لأنهم نسوا النكبة الأولى”.
ما تقدم يشي بحجم الجريمة التي يرتكبها “المجتمع الدولي” الذي يغض الطرف عن السلاح النووي لدى إسرائيل، التي يقدر اتحاد العلماء الأمريكيين في سنة 2023 بأنها تملك 90 قنبلة نووية؛ فالسماح لهذا الكيان بحيازة هذا الكم الهائل من سلاح الدمار الشامل في وقت يتولى الحكم فيه أشخاص على شاكلة بن غفير وسموتريتش دليل على مدى استحكام النفاق العالمي. فـ “المجتمع الدولي” ممثلا بالوكالة الدولية للطاقة النووية مدعومة بـ “القوى الغربية الرائدة”، وتحديدا الو بنالايات المتحدة، يتصدى لمحاولة أية دولة في المنطقة لحيازة قدرات نووية، حتى لو لم تكن للأغراض العسكرية؛ وفي الوقت ذاته يساند هذا المجتمع -عمليا- العمليات العسكرية التي تشنها إسرائيل، ضد أي طرف إقليمي يحاول الحصول على قدرات نووية.
فإسرائيل هي الأَولى بأن يتم تجريدها من السلاح النووي، تحديدا بعدما باتت تحت حكم غلاة اليمين الديني الخلاصي.

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

"رأيت أطفالًا محروقين أكثر مما رأيت في حياتي كلها، رأيت أشلاء أطفال ممزقة".. هذه كلمات الدكتور مارك بيرلماتر، طبيب يهودي أمريكي، في شهادته حول العدوان الإسرائيلي على غزة. في مقابلة له على قناة CBS، قدم الدكتور بيرلماتر وصفًا صادمًا لمعاناة أطفال غزة.. الدكتور...

قراءة المزيد
جريمة اسمها التعليم!

جريمة اسمها التعليم!

قالوا قديمًا: "عندما نبني مدرسة، فإننا بذلك نغلق سجنًا".. وذلك لأن المدرسة في رأيهم تنير الفكر، وتغذي العقل، وتقوِّم السلوك؛ وذهب بعضهم إلى قياس تحضر الدول والشعوب بعدد مدارسها وجامعاتها. ومع إيماني الخالص بقيمة العلم وفريضة التعلم، فإنني أقف موقفًا معاديًا تجاه مسألة...

قراءة المزيد
أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

لطالما كان اختيار الإنسان لطريق الهداية أو الضلال معضلةً، طرحت الكثير من التساؤلات عن مدى مسؤولية الإنسان نفسه عن ذلك الاختيار في ظل الإيمان بعقيدة القضاء والقدر، وكيف يمكن التوفيق بين مسؤولية الإنسان عن هداه وضلاله، وبين الإرادة والقدرة الإلهية، وما يترتب عليها من...

قراءة المزيد
Loading...