إسرائيل كدولة منبوذة

بواسطة | مايو 27, 2024

بواسطة | مايو 27, 2024

إسرائيل كدولة منبوذة

ثلاث ضربات نوعية تلقتها إسرائيل خلال الأيام القليلة الماضية، ومحصلتها جميعا أنها أصبحت دولة منبوذة ومكروهة، ومعزولة إقليميًّا وعالميًّا.

الضربة الأولى جاءت من المدّعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان، الذي طلب من قضاة المحكمة إصدار مذكرة اعتقال بحق مجرمَي الحرب، بنيامين نتانياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت؛ وهو الطلب الذي أثار – ولا يزال- عاصفة من ردود الأفعال الأميركية، التي وصلت إلى حدِّ تهديد رئيس مجلس النواب “مايك جونسون” بفرض عقوبات على المحكمة، واعتبار قرارها شائنا وغير مقبول؛ ومثل هذا كان موقف الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي انتقد طلب خان بشدة، ودافع عما ترتكبه إسرائيل من جرائم في حق الفلسطينيين، واعتبر أنها ليست إبادة جماعية.

الضربة الثانية هي الاعتراف الثلاثي بالدولة الفلسطينية، الذي جاء من إسبانيا وإيرلندا والنرويج، وللأخيرة دلالة مهمة حيث إن عاصمتها “أوسلو” هي التي احتضنت قبل ثلاثين عاماً ما يسمي بـ”مسار السلام” الوهمي، الذي مكّن إسرائيل من مد سيطرتها ونفوذها على معظم الأراضي الفلسطينية. ولعل أهمية هذا الاعتراف ليست فقط في قيمته الرمزية وإنما أيضا السياسية؛ فهو اعتراف صريح بتحمُّل إسرائيل عواقب فشل قيام الدولة الفلسطينية، واعتراف صريح بنضال الشعب الفلسطيني من أجل إقامة دولته، واعتراف صريح بانتهاء زمن التخويف والترهيب الإسرائيلي من مغبة إعلان قيام الدولة الفلسطينية. وقد كان لافتا تصريح وزيرة العمل الإسبانية، التي رفعت شعار “فلسطين حرة من النهر إلى البحر” بعد اعتراف بلادها بفلسطين، وهو ما أثار موجة من الغضب داخل الكيان الصهيوني، وهذا أيضا مثال آخر على مدى العزلة التي تعيشها إسرائيل، والجرأة التي باتت تتحلى بها حكومات كثيرة، لم تعد تخضع للتهديدات أو الابتزاز الإسرائيلي، كما كانت الحال قبل السابع من أكتوبر الماضي.

أما الضربة الثالثة، والأقوى، فقد جاءت الجمعة الماضية من محكمة العدل الدولية، التي استجابت لطلب جنوب أفريقيا، وطالبت إسرائيل بوقف عملياتها العسكرية في رفح فورا، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة؛ وهو القرار الذي أثار جنون الكيان الصهيوني وحلفاءه في أميركا، الذين هاجموا المحكمة واعتبروها متحيزة ضد إسرائيل، بل ومؤيدة لحركة حماس، ورغم ذلك فقد رحبت دول عديدة بقرار المحكمة واعتبرته ملزماً لإسرائيل. وحسب القانون الدولي فإنه إذا لم تستجب إسرائيل للقرار، فيجب على مجلس الأمن إجبارها على تنفيذه؛ وتبدو إدارة بايدن عاجزة عن اتخاذ فعل حقيقي يضمن تحقيق ذلك في ظل حالة الضعف والتخبط، التي تتعامل بها مع حرب الإبادة الجماعية في قطاع غزة.

هذه الضربات الثلاث جعلت وسائل الإعلام الأميركية تصف إسرائيل بأنها أصبحت دولة معزولة ومنبوذة عالمياً، وأنها لن تكسب هذه الحرب مهما طالت.

وقد ردت إسرائيل على ذلك من خلال قصف همجي ووحشي على خيام النازحين في مدينة رفح، وحرقت الأطفال والنساء، وذلك في تجاهل تام لقرار المحكمة واعتراض عليه، وفي ظل صمت دولي مُشين؛ وهو ما يدل على حالة الجنون والهيستريا واليأس التي أصابت الكيان الصهيوني، الذي فشل فشلا ذريعا في تحقيق أي من أهداف الحرب، سواء القضاء على المقاومة الفلسطينية، أو استعادة الرهائن، أو التهجير القسري للفلسطينيين.

ومن الواضح أن العزلة الإسرائيلية تصحبها أيضا عزلة أميركية ظاهرة، بسبب التورط الأميركي في الإبادة الجماعية في قطاع غزة؛ وهناك شعور داخل المؤسسة الرسمية الأميركية، بأن ما يجري في المحكمة الجنائية الدولية سوف يكون له تداعيات خطيرة على أميركا نفسها، وليس فقط على إسرائيل، وهو ما يفسر الرد الغاضب من كثير من الساسة الأميركيين، خاصة داخل الحزب الجمهوري الذي يتوعد أعضاءٌ بارزون فيه قضاةَ المحكمة بالويل والثبور وعظائم الأمور.

لا تريد إسرائيل أن تعترف بأنها خسرت الحرب، والخسارة ليست مجرد كلام إنشائي، وإنما جاء الاعتراف بها من كافة الخبراء الإستراتيجيين والجنرالات العسكريين، سواء الأميركيين أو الإسرائيليين، الذين حذروا من أن إسرائيل تغرق في مستنقع غزة، وأنه لا وجود لأي نصر ممكن على الطريقة التي يريدها نتانياهو الذي يحلم بتحقيق ما يسميه “نصر مطلق” في غزة.

كذلك لا ترغب إسرائيل في الاعتراف بأنه كلما زاد إجرامها وقتلها العشوائي للمدنيين، ازدادت عزلتها دوليا بشكل غير مسبوق.. ونتانياهو بات كالثور الهائج، أو كشمشون الذي سوف يهدم المعبد فوق رأسه ورؤوس من يسير خلفه.

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

"رأيت أطفالًا محروقين أكثر مما رأيت في حياتي كلها، رأيت أشلاء أطفال ممزقة".. هذه كلمات الدكتور مارك بيرلماتر، طبيب يهودي أمريكي، في شهادته حول العدوان الإسرائيلي على غزة. في مقابلة له على قناة CBS، قدم الدكتور بيرلماتر وصفًا صادمًا لمعاناة أطفال غزة.. الدكتور...

قراءة المزيد
جريمة اسمها التعليم!

جريمة اسمها التعليم!

قالوا قديمًا: "عندما نبني مدرسة، فإننا بذلك نغلق سجنًا".. وذلك لأن المدرسة في رأيهم تنير الفكر، وتغذي العقل، وتقوِّم السلوك؛ وذهب بعضهم إلى قياس تحضر الدول والشعوب بعدد مدارسها وجامعاتها. ومع إيماني الخالص بقيمة العلم وفريضة التعلم، فإنني أقف موقفًا معاديًا تجاه مسألة...

قراءة المزيد
أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

لطالما كان اختيار الإنسان لطريق الهداية أو الضلال معضلةً، طرحت الكثير من التساؤلات عن مدى مسؤولية الإنسان نفسه عن ذلك الاختيار في ظل الإيمان بعقيدة القضاء والقدر، وكيف يمكن التوفيق بين مسؤولية الإنسان عن هداه وضلاله، وبين الإرادة والقدرة الإلهية، وما يترتب عليها من...

قراءة المزيد
Loading...