إلى أعدائي.. مع الشكر!

بواسطة | مايو 10, 2024

بواسطة | مايو 10, 2024

إلى أعدائي.. مع الشكر!

ما زلنا ننظر للأعداء على أنهم شيء سيئ!. نظن بأن وجودهم في حياتنا يعني أن ثمة خطأ في معادلة الراحة الحياتية، نعتقد بأن المرء كي يكون سعيدًا، أو صالحًا أو نقيًا، فيجب أن تخلو قائمته من أي أعداء أو خصوم.. والحقيقة أن هذا تفاؤل مفرط؛ فالأعداء سنة كونية، ووجودهم أمر لا مهرب منه ولا محيص.

قالوا قديمًا: المرء بخليله، أي إن أصدقاءنا جزء من شخصيتنا، وبهم نُعرف؛ وأضيف بأن المرء بأعدائه كذلك.. يقاس بخصومه ويوزن بهم!

ستسألني: ولِمَ لا نخفض الجناح للجميع، ونزين تاج الحياة بدرة العفو والتسامح، ونترفع فوق مشاكل الدنيا، ونسمو فوق معاركها؟! وسأسألك بدوري: وهل فعل الخير دائمًا موضع إعجاب وتقدير؟ أليس هناك من يرى في الخير الذي تقوم به كشفًا لعيوبه ومساوئه، فيحاول أن ينال منك كي تتساوى الرؤوس والهامات؟!.. صدقني يا صاحبي، ستجد نفسك وأنت تقوم بالخير – يا للعجب- في قلب المعركة!

وعليك إن شئت أن تعيد النظر في سير الأنبياء والصالحين والمصلحين، لن تجد منهم شخصًا واحدًا كان محلّ اتفاق وتأييد من الجميع، بل على العكس.. ستجد حياتهم حربًا ضروسًا من أجل تأكيد الخير الذي جاؤوا به؛ نبي الله نوح ظل ألف عام يُسخر منه، ويحيى عليه السلام أُهدي رأسه إلى بغي من بغايا بني إسرائيل، ولاقى موسى وعيسى ويونس ويوسف عليهم السلام الأمرّين وهم حملة لواء الحق، أما النبي الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم فبلاؤه كان أعظم، وأعداؤه لم يكونوا قلة، وخبر ما لاقاه نعرفه جميعاً..

 غاندي، مارتن لوثر كينج، مالكوم إكس، أزهقت أرواحهم وهم يحاولون صنع فارق إيجابي في حياة من حولهم، ومانديلا قضى من عمره ما يزيد عن ربع القرن سجينًا، وهو الذي أراد الحرية لبني وطنه.

 هل تريد الخير لنفسك، وللناس؟.. تجهّز إذن لخوض معركة الحياة، ولا تستوحش عقبات الطريق، ولا يفزعنك كيد وحقد وسوء بعض بني الإنسان، فعلى هذا مضت سنة الله في الأرض.

أضف إلى ذلك أن الأعداء ليسوا شرًّا خالصًا، إنهم يمنحوننا كثيرًا من القوة، وكثيرًا من الحذر، وكثيرًا من الانتباه!. عالم النفس السويسري الشهير “جان بياجيه” يؤكّد أن الصراع جزء من طبيعة الحياة، كما يشدد على أننا يجب أن نؤهل أبناءنا وهم صغار لدخول المعركة، مؤكدًا أن معارك الطفل مع الأقران ثم الأهل تعلّم الطفل التأقلم مع العالم، وتساهم بتنمية استراتيجيات تمكّنه من التعامل مع المشكلات، بينما تعليم الأطفال تجنُّب الصراع بأي ثمن، يذهب بهم إلى أن يصبحوا معاقين اجتماعيا وعقليا، والأمر نفسه يمكن ترجمته على الكبار؛ فخوض المعارك من أجل ما نؤمن هو جزء من اتّساع وعينا، وإثراء خبراتنا، خاصة إذا كان المقابل هو الخوف والرهبة والإجفال، فهذا مما يتعارض مع تحقيق وجودنا الكامل والصحيح في الحياة!

صدقني يا صاحبي، إن وجود خصم عنيد في أعقابك لهو شيء مفيد، لأنه يكشف أوجه قصورك، يعيدك سريعًا إلى الطريق الصائب، خوفك من تمكنه منك يجعل أخطاءك أقل، ويجعلك في انتباهك لموضع قدمك أكثر حذرًا.

 وكلما كنت كبيرًا كان أعداؤك أعداء فكرك، حتى وإن وجهوا سهام النقد إلى شخصك، النيل من الأفكار أمر صعب لا يقدر عليه الجميع، فترى بعضهم يلتف ليطعن في ذمتك، أو يلمز شرفك، أو يلقي بذرة الشك حول أخلاقك وسلوكك، تمامًا كما حاول رأس النفاق “عبد الله بن أبي” أن يفعلها مع نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في حادثة الإفك، عليك هنا أن لا تقع في الشرك، لا تتألم للخسة التي قد تصل بالبعض إلى درجة تحويل الصراع إلى معركة غير شريفة، لم يسلم عِرض ولا شرف العظماء من مثل هذا الحروب، فلا تبتئس.

 ولعل من نافلة القول التأكيد على أن حتمية وجود الأعداء لا تعني أن نستسلم لهم، وإنما تكون المدافعة، والصدام، والانتقام منه!.

 نعم، أقسى انتقام يمكن أن تؤلم به عدوك أن تذبحه بسكين بارد، تتلقى ضرباته فتجعلها وقودًا لك يساعدك على الارتقاء.. إن كانت ضربته صائبة ونقده حقيقيًّا جعلت هذا النقد – على حرارته- معينًا لك في كشف جوانب تقصيرك، فارتقيت من حيث أراد لك السقوط؛ وإن كان نقده جائرًا، وحربه قذرة، كان نجاحك وصعودك فضحًا له ولما يقول، فأنت في الحالتين الرابح.

 أعلم أن الأمور ليست بالسهولة التي قد تجري بها الكلمات على الورق، لكن لا سبيل ولا مهرب من أن نتجهز للأمر، ونُعدّ له عدته.. جزء كبير من أزمتنا أننا نهمل الاستعداد للمعارك القادمة، نظن بأن الخير الذي نحمله في قلوبنا للناس سيكون عاصما لنا من ضرباتهم وغدراتهم، فتصيبنا حينها الضربات بصدمة قاسية، وربما جعلتنا نتشكك في الخير الذي نحمله، والدور الذي قررنا يومًا ما أن نقوم به في الحياة.

الرافعي في “وحي القلم” يحذرنا من فخ الاستسلام بقوله: “مثلما يضر أهل الشر غيرَهم عندما يفعلون الشر، يضر أهل الخير غيرهم عندما يتوقفون عن فعل الخير”.

وهذا لو تدري.. غاية منى الأعداء، وجلّ مطلبهم.

6 التعليقات

  1. حسام ابراهيم بني

    كان صلى الله عليه وسلم
    يدعوا بهذه الكلمات
    اللهم اني اسالك الثبات على الامر والعزيمة على الرشد

    الرد
  2. عاشور أسامة

    بارك الله فيك أصبت الهدف وكشفت الغاية فاطمأن القلب وارتاحت النفس 🙏

    الرد
  3. سلوى السيد زكي

    رائغ

    الرد
  4. سلوي السيد زكي

    رائع

    الرد
  5. حسن

    من اشد متابعيك عاليوتيوب

    الرد
  6. Sawsan Balti

    بارك الله فيك و نفع الله بك الأمة 🤲

    الرد

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

"رأيت أطفالًا محروقين أكثر مما رأيت في حياتي كلها، رأيت أشلاء أطفال ممزقة".. هذه كلمات الدكتور مارك بيرلماتر، طبيب يهودي أمريكي، في شهادته حول العدوان الإسرائيلي على غزة. في مقابلة له على قناة CBS، قدم الدكتور بيرلماتر وصفًا صادمًا لمعاناة أطفال غزة.. الدكتور...

قراءة المزيد
جريمة اسمها التعليم!

جريمة اسمها التعليم!

قالوا قديمًا: "عندما نبني مدرسة، فإننا بذلك نغلق سجنًا".. وذلك لأن المدرسة في رأيهم تنير الفكر، وتغذي العقل، وتقوِّم السلوك؛ وذهب بعضهم إلى قياس تحضر الدول والشعوب بعدد مدارسها وجامعاتها. ومع إيماني الخالص بقيمة العلم وفريضة التعلم، فإنني أقف موقفًا معاديًا تجاه مسألة...

قراءة المزيد
أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

لطالما كان اختيار الإنسان لطريق الهداية أو الضلال معضلةً، طرحت الكثير من التساؤلات عن مدى مسؤولية الإنسان نفسه عن ذلك الاختيار في ظل الإيمان بعقيدة القضاء والقدر، وكيف يمكن التوفيق بين مسؤولية الإنسان عن هداه وضلاله، وبين الإرادة والقدرة الإلهية، وما يترتب عليها من...

قراءة المزيد
Loading...