إنجازات وتداعيات طوفان الأقصى وحرب إسرائيل على غزة
بقلم: أ.د. عبد الله خليفة الشايجي
| 29 أكتوبر, 2023
مقالات مشابهة
-
الناقد ومراوغة النص..
استكشاف حالة التقييم المراوغة.. تلك التي ترفض...
-
شكرا للأعداء!
في كتاب "الآداب الشرعية" لابن مفلح، وكتاب "سراج...
-
“سيد اللعبة”.. قصة هنري كيسنجر ودوره في الشرق الأوسط (1)
عندما كنت أحضّر حلقة وثائقية من برنامج مذكرات عن...
-
11 سبتمبر.. هل استوعبت أمريكا الدرس؟
بعد مرور أكثر من عقدين على أحداث 11 سبتمبر 2001،...
-
أبناء الله وأحباؤه
يروى أن رجلاً كان لديه خاتم الحكمة، فقرر إذ مرض...
-
الظلم الغربي في دعم العدوان على غزّة
في القرآن الكريم، وردت الإشارة إلى العدوان سبعاً...
مقالات منوعة
بقلم: أ.د. عبد الله خليفة الشايجي
| 29 أكتوبر, 2023
إنجازات وتداعيات طوفان الأقصى وحرب إسرائيل على غزة
في مطلع هذا الشهر، مع بدء عملية طوفان الأقصى، والرد الإسرائيلي بارتكاب مجازر وجرائم حرب متنوعة ومتنقلة، سطّرتُ مقالا بعنوان “طوفان الأقصى يحطم أساطير إسرائيل”، وكتبت موضحا: “ذُهل النظام الإسرائيلي بجرأة هجوم حماس في إطلاق آلاف الصواريخ، واقتحامها ونقل المعركة لداخل المستوطنات المحتلة وغير الشرعية في غلاف وجوار غزة وبعمق 40 كلم، في سابقة نوعية في تاريخ الصراع العربي- الإسرائيلي؛ ما شكل صدمة للنظام الحاكم في إسرائيل، بدءاً من رئيس الدولة ورئيس الوزراء، وامتدادا إلى وزرائه. وعملية حماس الجريئة جاءت في سياق الرد على جرائم حكومة أقصى اليمين المتطرف بحق الفلسطينيين في القدس والمسجد الأقصى والضفة الغربية وغزة، وسعيا للإفراج عن آلاف الأسرى في سجون الاحتلال؛ ومن يزرع الريح يحصد الطوفان”.. وبعد مضي أكثر من ثلاثة أسابيع على بدء العملية يمكننا الإشارة إلى أبرز إنجازاتها في ما يأتي:
يتجلى الإنجاز الأول لعميلة طوفان الأقصى في إعادة القضية الفلسطينية للصدارة -بالنسبة للجيل العربي وكذلك في الغرب- وتعرية وفضح جرائم الاحتلال، ونقل المعركة لداخل الكيان؛ وقد جاء الرد الإسرائيلي على ذلك متجاوزا حتى حدود الانتقام، ومحاولا افتعال فرصة للقضاء على حماس، وتصفية القضية الفلسطينية، وترحيل الفلسطينيين إلى سيناء، واحتلال غزة وتحويلها إلى مستوطنات، وإعادة السلطة الفلسطينية على ظهر دبابات إسرائيلية.
أما الإنجاز الثاني فهو دحض خرافة أن جيش الاحتلال الإسرائيلي لا يُقهر، ولا يغير من كونها خرافة ما لديه من قدرات قتالية وتسليح وتدريب واحتكار للسلاح النووي يرهب الجيوش العربية، ولا حتى تكفل أمريكا بضمان قوته وتسليحه بأحدث نتاج المجمع العسكري الصناعي الأميركي، الذي يُعتبر المستفيد الأول من الحرب على غزة، والذراع اللوبي القوي للدولة العميقة في أمريكا.
الإنجاز الثالث هو قدرة المقاومة على المباغتة بعملية نوعية، ستدرَّس في كتب الدراسات العسكرية والحروب، وهي تُبرز تصاعد دور التنظيمات والفصائل العسكرية المقاومة في إلحاق الضرر وبنديَّة بالجيوش النظامية التي لا يمكنها الانتصار في مثل هذه المعارك والحروب؛ ولنا دروس هنا في فشل القوات الأميركية التي تعتبر الأقوى في العالم؛ فهي لم تهزم القاعدة ولا طالبان ولا داعش بعد عقدين من الحروب، واحتلالٍ لأفغانستان والعراق، وعمليات عسكرية في 7 دول عربية ومسلمة، وذلك منذ اعتداءات 11 سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة الأميركية. فكيف يمكن لإسرائيل التي تطلب العون والإسناد والتمويل (14 مليار دولار) والسلاح من أمريكا أن تهزم حماس التي لقنتها درسا موجعا، إذ قتلت 1400 عنصر من جيشها وقواتها وشرطتها بضربة واحدة، وجهتها للمغامرة التي حاولت إسرائيل فيها تنفيذ هجوم بري بعد تردد، رغم الكلفة الكبيرة لتلك المحاولة؟
الإنجاز الرابع تحقق في تحطم سمعة ومكانة وهيبة وكفاءة الأنظمة العسكرية الإسرائيلية والتصنيع العسكري؛ ويشمل ذلك القبة الحديدية، ومقلاع داوود، ودبابة ميركافا، وأنظمة التجسس والتنصت التي نجحت بتسويقها بصفقات أسلحة بالمليارات.
الإنجاز الخامس أن البطش الصهيوني، وجرائم الحرب الموثقة بتغطية الفضائيات، ومقاطع الفيديو المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي، كل ذلك ألهب المشاعر وجيّش الرأي العام العربي والعالمي ضد صمت وتواطؤ الحكومات الداعمة لآلة القتل الوحشي والحصار، واستهداف المدنيين وتدمير المنازل على رؤوس أصحابها، وقطع إمدادات الكهرباء والماء والدواء والمواد الطبية، والترحيل القسري، واستخدام الفوسفور الأبيض المحرم، وقصف المستشفيات والمدارس والمساجد والكنائس؛ وهذه جميعها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، يجب توثقيها ومحاكمة ومعاقبة المسؤولين عن ارتكابها من سياسيين وعسكريين ومن يدعمهم ويساندهم ويمولهم في محكمة الجنايات الدولية.
الإنجاز السادس هو تحول إسرائيل لدولة إرهابية مارقة والأكثر كراهية من قِبل المجتمع الدولي، بفضل التغطية الإعلامية الموثقة على مدار الساعة، والنقل الحي لوحشية جرائم الحرب التي ترتكبها آلة القتل الإسرائيلية ضد المدنيين الأبرياء العزل في غزة، ومشاهد الأشلاء للأطفال والنساء والرجال والمسنين، وتكدّسهم في المستشفيات ودفنهم في مقابر جماعية، واحتماء عشرات الآلاف أمام المستشفيات ظنّا منهم أن المستشفيات محصنة من القصف، وأن إسرائيل لن ترتكب جرائم حرب موثقة بقصف مستشفى زُود الاحتلال بإحداثياتها. لكن الضرر وقع، وصارت إسرائيل منبوذة في عقول الملايين الذين يتظاهرون حول العالم -حتى في أمريكا والغرب- منددين بجرائم الإبادة الصهيونية.
الإنجاز السابع جاء في إفلاس الغرب الأخلاقي والقيمي، إذ ثبت نقاق وازدواجية معايير الغرب الذي يحاضر أمام العالم عن احترام حقوق الإنسان وأهمية الدفاع عنها؛ ولكننا مع بدء الأسبوع الرابع نشهد اصطفافا كليا مع الموقف والسردية الإسرائيليين، في تواطؤ للنظام الغربي بحكوماته وبرلماناته وإعلامه، وبمراكز الدراسات التي تدافع وتبرر وتتبنى السردية الإسرائيلية، كما كرر الرئيس بايدن أثناء زيارته لتل أبيب، وكما فعل بعده رئيس وزراء بريطانيا والرئيس الفرنسي والمستشار الألماني، وهذا ما تفعله أيضا شبكات الأخبار والإعلام الرئيسة، الأميركية والبريطانية والغربية وحتى الهندية، بتكرار الجملة الممجوجة: “يحق لإسرائيل الدفاع عن نفسها ضد الإرهاب” وبتصنيف حماس حركة إرهابية وتشبيهها بداعش، واتهامها بقطع رؤوس الأطفال، وهو ما ثبت زيفه وفبركته، حتى بات الاستماع لقادة الغرب ومشاهدة فضائياتهم الإخبارية مما يثير الغثيان والقرف.
الإنجاز الثامن هو ظهور العجز والوهن والضياع العربي؛ وإنه لمؤسف ومؤلم هذا الموقف العربي المتخاذل عن نصرة الفلسطينيين والوقوف معهم في مصابهم، رغم قتل الصهاينة حوالي 8000 آلاف شهيد، بينهم 3000 طفل و2000 امرأة، وبقاء 2000 مفقود نصفهم أطفال تحت أنقاض منازلهم.. لم يحرك ذلك ضمائر النظام الدولي، ولا تحرك ضمير النظام العربي لعقد قمة عربية طارئة تخرج بموقف عربي يدين جرائم الحرب الصهيونية، ويدفع الدول العربية المطبعة لقطع علاقتها مع إسرائيل، وأن تستدعي سفراءها وتطرد السفراء الإسرائيليين؛ لكن أيّا من ذلك لم يحدث، ولا يبدو أنه سيحدث، وهذا يثبت خواء وغياب الدور والتأثير العربي برغم وحشية جرائم الحرب الموثقة.
الإنجاز التاسع تحقق في فرملة مساعي التطبيع، وخاصة مع المملكة العربية السعودية، بعدما تسارعت هذا العام المبادرات والزيارات واللقاءات للمسؤولين الأميركيين في كل من السعودية وإسرائيل، ومنهم وزير الخارجية بلينكن ومستشار الأمن الوطني سوليفان والمسؤول عن ملف الشرق الأوسط في مجلس الأمن الوطني ومبعوثة الخارجية إلى الشرق الأوسط، وذلك لمناقشة المطالب والشروط المطلوبة للتوصل إلى تطبيعٍ يسوّقه الرئيس بايدن كإنجاز مهم له في حملته الانتخابية لرئاسة ثانية، في مواجهته المتوقعة ضد الرئيس السابق دونالد ترامب في انتخابات الرئاسة عام 2024.. لقد أثبتت جرائم حرب غزة عدم جدوى اتفاقيات إبراهام للتطبيع في لجم وحشية الصهاينة، ومحدودية نفوذ الدول المطبّعة.
تلك الإنجازات تفضح سادية وفاشية جرائم الصهاينة، ونفاق المجتمع الدولي، وعجز العرب تجاه الهولوكوست الصهيوني!
أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
سقوط حلب.. في سياسة الحمدانيين
شهدت مدينة حلب السورية الشهيرة حدثًا بارزًا في تاريخها السياسي والاجتماعي، تمثل في سقوطها بيد العسكرة الإمبراطورية البيزنطية في القرن الرابع الهجري، وجاء في إطار الصراع السياسي والعسكري المستمر بين الإمبراطورية البيزنطية والدولة الحمدانية العربية، التي كانت تسيطر على...
الناقد ومراوغة النص..
استكشاف حالة التقييم المراوغة.. تلك التي ترفض الانصياع للقانون الأدبي لتكون حرة طليقة لايحكمها شيء.. وتحكم هي بمزاجها ما حولها.. تأطيرها في قانون متفق عليه لتخرج من كونها حكما مزاجيا، وتدخل عالم التدرج الوظيفي الإبداعي الذي نستطيع أن نتعامل معه ونقبل منه الحكم على...
هل تستطيع أوروبا الدفاع عن نفسها؟
مع تزايد الدعوات في واشنطن لكي تتولى أوروبا مسؤولية دفاعها وأمنها، ترتجف بروكسل خوفًا من النتائج.. إن التحول في الكيفية التي ينظر بها كل من جانبي الأطلسي إلى موقف الآخر من شأنه أن يوفر الدفعة التي يحتاجها الاتحاد الأوروبي لكي يصبح حليفًا أقل اعتمادًا على الولايات...
0 تعليق