إنزال جوي أميركي في غزة

بواسطة | مارس 3, 2024

بواسطة | مارس 3, 2024

إنزال جوي أميركي في غزة

تعلن الولايات المتحدة عن عملية إنزال جوي لمساعدة غزة، ذلك يعكس تصاعد الضغوط الدولية. لكن بايدن يواجه انتقادات بسبب دعمه الكبير لإسرائيل، وتزايد الضغوط يهدد مساره السياسي.

محاولات الإغاثة وتفاقم العزلة الدولية

فجأة وبدون مقدمات أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن عن قيام بلاده بعملية إنزال جوي للمساعدات في قطاع غزة! في البداية لم أصدّق الخبر، واعتقدت أنه سقطة جديدة أو نوبة هذيان من تلك التي باتت ملازمة للرئيس الأميركي مؤخراً، وفيها يفقد القدرة على التركيز والتمييز في ما يقول، وذلك على نحو ما فعل مؤخرا حين خلط بين رئيسي مصر والمكسيك وهو يتحدث عن الأزمة في قطاع غزة، وضغطه على الرئيس المصري من أجل إقناعه بفتح معبر رفح.

عموما، تأكد الخبر على لسان منسق الاتصالات الاستراتيجية في البيت الأبيض جون كيربي، الذي أشار إلى أن أميركا تفكر أيضا في عمل ممر بحري لإرسال المساعدات إلى المحاصرين والجوعى في قطاع غزة.. ولا يخلو الأمر من تراجيديا وكوميديا سوداء، على طريقة (يقتل القتيل ويمشي في جنازته)؛ فآلاف المحاصرين والجوعى – وقبلهم الشهداء والقتلى والمصابين- في قطاع غزة، هم بالأساس ضحايا بايدن، وضحايا دعمه الأعمى وغير المحدود لإسرائيل، والمستمر منذ خمسة أشهر وحتى الآن دون انقطاع.

فمنذ السابع من أكتوبر الماضي أمدت إدارة بايدن إسرائيل بما لا يقل عن ٢٨٠ طائرة شحن عسكرية و٢٠ سفينة حربية، حملت ما لا يقل عن ٢٥ ألف طن من المتفجرات، التي تم إلقاؤها على الفلسطينيين الأبرياء في قطاع غزة، وذلك في واحدة من أبشع جرائم الإبادة الجماعية وأكثرها وحشيةً في التاريخ الحديث؛ كما أن واشنطن هي التي تحمي ظهر مجرم الحرب بنيامين نتانياهو في مجلس الأمن، وترفض تمرير أي قرار يطالب بوقف فوري لإطلاق النار، ولا تزال تقدم كافة أشكال الدعم الدبلوماسي والسياسي لدولة الكيان المحتل.

يريد بايدن أن يقلّد غيره من حكام “اللقطة” في بلادنا، الذين قاموا بعمليات إنزال جوي للمساعدات في قطاع غزة خلال الفترة الماضية، وإن سقط نصفها أو أكثر في البحر دون أن يستفيد منها أحد، وهو في ذلك لا يختلف عمن يبحث عن شيء كي يريح به ضميره المتورط في مذابح ومجازر قطاع غزة، بينما هو غارق حتى أذنيه في فضيحة الحصار والتجويع والتشريد والقتل هناك.

يحاول بايدن عبثاً أن ينقذ صوته وسمعته، وقبل ذلك مستقبله السياسي الذي بات على المحك، بعد زيادة عدد الرافضين له ولسياساته الداعمة لإسرائيل.. وما حدث في ولاية ميتشغان الأميركية يوم الثلاثاء الماضى قد وجه له على ما يبدو صفعة قوية، وأربك حسابات حملته الرئاسية التي لم تكن تتوقعه؛ فقد صوّت أكثر من مائة ألف ناخب ضد بايدن في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي بولاية ميتشغان، وذلك ضمن حملة كبيرة تقودها الجالية العربية والمسلمة بأميركا من أجل معاقبة بايدن على دعمه غير المحدود لإسرائيل، وعدم مطالبته حتى الآن بوقف فوري لإطلاق النار.

وإذا خسر بايدن ولاية ميتشغان في الانتخابات العامة في نوفمبر المقبل فقد يخسر الانتخابات الرئاسية، وذلك لأنها من الولايات المتأرجحة التي تلعب دوراً حاسماً في تحديد الفائز بالبيت الأبيض؛ كما أنه قد يخسر ولايات أخرى تتمتع فيها الجالية العربية والمسلمة مع حلفائها من الأفارقة الأميركيين واللاتينيين بحضور كبير ومؤثر، مثل فلوريدا وبنسلفانيا وجورجيا ومينسوتا.

يحاول بايدن أن يبدو لطيفا وناعما ومتعاطفاً ومتأثراً، في حديثه عن ضحايا الجوع والحصار في قطاع غزة، بينما هو وإداراته لا يتوقفون عن إرسال الدعم بكافة أشكاله لإسرائيل؛ وهو لا يخجل من نفسه حين يفعل ذلك، بل يعتقد أنه يستطيع تحسين صورته من خلال هذا الكلام المعسول، الذي يناقض السلوك والفعل.

الأسوأ من ذلك هو فشل بايدن وضعفه الشديد في مواجهة نتانياهو، الذي يتلاعب به كيفما يشاء ويرفض كافة مطالبه، سواء ما يتعلق منها بوقف إطلاق النار ولو مؤقتا، أو بصفقة الرهائن، أو بإدخال المساعدات إلى القطاع؛ بل إن نتانياهو رفض مرور سفينة محملة بالدقيق الأميركي من الوصول إلى المحاصرين في قطاع غزة.. هكذا وصل الضعف وقلة الحيلة ببايدن في مواجهة نتانياهو، ومع ذلك لا يريد بايدن الضغط على نتانياهو أو معاقبته، ليس على إجرامه في حق الفلسطينيين بقطاع غزة، فهو شريك معه في قتلهم، ولكن على استخفافه واستهتاره الشديد بكل ما يطلبه منه.

وباتت واشنطن الآن تعيش في عزلة دولية بسبب دعمها المتواصل لإسرائيل، بل وصل الأمر إلى حد قيام جندي شاب أميركي أبيض يعمل بسلاح الجو الأميركي بإحراق نفسه أمام السفارة الإسرائيلية في واشنطن، اعتراضا واحتجاجا على الإبادة الجماعية التي تجري في قطاع غزة؛ وذلك في مشهد غير مسبوق وغير متوقع على الإطلاق، وستكون له آثار كبيرة على الرأي العام الأميركي والعالمي خلال الفترة المقبلة.

لذلك، فمهما أرسل بايدن من مساعدات إنسانية لقطاع غزة، سواء بحرا أو جوا، فلن يستطيع أن يطهر يديه الملطختين بدماء الآلاف من الشهداء والجرحى الفلسطينيين، وسيذكره التاريخ باعتباره من أهم مجرمي الحرب الذين يدعمون الإبادة الجماعية في قطاع غزة.

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

"رأيت أطفالًا محروقين أكثر مما رأيت في حياتي كلها، رأيت أشلاء أطفال ممزقة".. هذه كلمات الدكتور مارك بيرلماتر، طبيب يهودي أمريكي، في شهادته حول العدوان الإسرائيلي على غزة. في مقابلة له على قناة CBS، قدم الدكتور بيرلماتر وصفًا صادمًا لمعاناة أطفال غزة.. الدكتور...

قراءة المزيد
جريمة اسمها التعليم!

جريمة اسمها التعليم!

قالوا قديمًا: "عندما نبني مدرسة، فإننا بذلك نغلق سجنًا".. وذلك لأن المدرسة في رأيهم تنير الفكر، وتغذي العقل، وتقوِّم السلوك؛ وذهب بعضهم إلى قياس تحضر الدول والشعوب بعدد مدارسها وجامعاتها. ومع إيماني الخالص بقيمة العلم وفريضة التعلم، فإنني أقف موقفًا معاديًا تجاه مسألة...

قراءة المزيد
أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

لطالما كان اختيار الإنسان لطريق الهداية أو الضلال معضلةً، طرحت الكثير من التساؤلات عن مدى مسؤولية الإنسان نفسه عن ذلك الاختيار في ظل الإيمان بعقيدة القضاء والقدر، وكيف يمكن التوفيق بين مسؤولية الإنسان عن هداه وضلاله، وبين الإرادة والقدرة الإلهية، وما يترتب عليها من...

قراءة المزيد
Loading...