
البطل الهارب
بقلم: محمد هنيد هنيد
| 18 يونيو, 2023

مقالات مشابهة
-
أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!
أخيراً تحقق لها المراد! فقد صافحت الوزيرة...
-
غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة
على مدى ما يقارب ٤٧١ يوماً، وقفت غزة وحيدةً...
-
سوريا وثورة نصف قرن
سيسجل التاريخ أن يوم ٨ ديسمبر ٢٠٢٤م يوم مفصلي...
-
خطر الدوغمائية على مآل “الميثاق الغليظ” في المغرب!
يزداد انشغالي فكريًّا ووطنيًّا بما سيثيره مشروع...
-
ماذا عن القرار العباسي بإغلاق مكتب الجزيرة؟!.. يا لك من نتنياهو!
فعلها محمود عباس (أبو مازن)، وأكد عندما فعلها...
-
وقد استجاب القضاء لدعوة الرئيس.. ماذا ينتظر المستأجرون؟!
ذكّرني القول إن المحكمة الدستورية العليا في مصر...
مقالات منوعة
بقلم: محمد هنيد هنيد
| 18 يونيو, 2023
البطل الهارب
قُدّر لواقعة لاعب المصارعة المصري “أحمد بغدودة” أن تكتسح جدار الأخبار العربية عامة، والمصرية خاصة، خلال الأسابيع الماضية!. ونقول “واقعة” لأننا لم نظفر في بطون المعاجم بمصطلح يصف بدقة هذه الحالة التي تباينت النصوص في وصفها، فنعتها فريق بالهرب وآخر بالنجاة وثالث بالفوز الكبير، بل رأى فيها بعضهم نصرا عظيما لموهبة شابة كادت أن تدفن تحت ركام الفساد كما دُفنت ملايين المواهب قبلها.
إن الحيرة في توصيف الحالة يكشف عن أن تطوّر الواقع العربي وما يفرزه من حالات الشذوذ صار عصيا على التوصيف اللغوي الدقيق، فأضحت اللغة قاصرة عن مجاراة الوقائع.
كيف يمكن قراءة هذه الحالة بخلفياتها ودلالاتها؟. وما هي الدروس التي يمكن استخلاصها لرصد الآليات التي تحرك سلوك الأفراد والجماعات في هذه المرحلة الدقيقة من مسار المنطقة؟.
لا يتعايش الفساد والإبداع مطلقا، بل لا يوجد سرطان قاتل للمواهب طارد للمبدعين مثل سرطان الفساد والمحسوبية والمحاباة والوساطات والرشوة والتحرش.
الحدث ودلالاته
الشاب العشريني أحمد بغدودة موهبة رياضية مصرية قرّر من تونس السفر إلى فرنسا، حيث يتواجد حاليا، بعد أن نجح في عبور الحدود التونسية بشكل قانوني خلال تربص رياضي هناك. ترك الفتى ملابسه وأغراضه في الفندق وتسلل بسرعة نحو بوابة النجاة الأخيرة، بعد أن امتص الفساد الرياضي في مصر تعبه وعناءه مقابل حفنة من الجنيهات، لا تكفيه حتى لسدّ رمقه وإطفاء جوعه.
ليس أحمد أول الرياضيين الهاربين من جحيم الوطن، ولن يكون الموهبة الأخيرة التي أدركت أن الوطن مقبرة للمواهب، وأن مصيره سيكون كمصير غيره من أبطال مصر الذين انتهى بهم الطريق “سائقي تكتك” أو عمال نظافة، أو إلى غير ذلك من الأعمال الشاقة. كان الشاب يعاني من الإهمال الطبي والمادي والمعنوي، وهو الأمر الذي جعله عالة على أبيه وأسرته بعد أن أمعن المسؤولون المصريون في اتحاد المصارعة في إذلاله والاستيلاء على مستحقاته المادية، مثلما هو حال كل الاتحادات الرياضية المصرية.
لم يكن أمامه إلا النجاة بنفسه وموهبته نحو آفاق أرحب، يستطيع أن يحقق فيها ما حققه محمد صلاح وغيره من أبطال مصر.. ما تصورنا لمصير موهبة مثل محمد صلاح لو بقي في مصر؟. هل كان بإمكانه أن يحقق ما حققه من نجومية عالمية مع أعرق النوادي العالمية لو بقي سجين الفساد الذي يحصد المواهب حصدا في مصر؟. لماذا هرب بطل الإسكواتش المصري إلى بريطانيا ونال جنسيتها ليلعب لصالحها؟. ولماذا هرب المصارع البطل طارق عبد السلام إلى بلغاريا مصابا، وهو الذي حصد الذهب والفضة لصالح مصر؟. أحمد بغدودة مركب ينشد النجاة وسط بحر الفساد والإحباط والقهر الذي يعصف بالمواهب العربية في بلدانها، وهو حال كل المواهب الشابة في المغرب والجزائر وتونس وسوريا والعراق. ..
لا يتعايش الفساد والإبداع مطلقا، بل لا يوجد سرطان قاتل للمواهب طارد للمبدعين مثل سرطان الفساد والمحسوبية والمحاباة والوساطات والرشوة والتحرش. أوطاننا العربية نراها أوطانا قاتلة لأبنائها المبدعين بعد أن تحكمت العصابات وأبناء العصابات في كل المدارج والمصاعد التي تؤدي إلى النجاح والفوز والتميز والإبداع.
يدرك النظام جيدا الهوة السحيقة التي وقعت فيها البلاد، حيث تمكّن الفساد من كل مفاصل الدولة وصولا إلى الثقافة والرياضة والفنون، التي تحولت إلى عناوين فاقعة لفساد لا يخفي عورته
ردّة فعل أبواق الفساد
انقسم الشارع المصري، ومن ورائه الشارع العربي، في الحكم على حالة “البطل الهارب”؛ فقد رأى فيه السواد الأعظم من الجماهير شجاعة نادرة وعملا بطوليا يستحق الإشادة، لأنه تمكن من النجاة من القرية الظالم أهلها فارّا بموهبته، هاربا من جحيم الجحيم. أما أبواق الاستبداد وأذرعه الإعلامية فلم تتوقف عن تخوين الفتى وتخوين أهله متهمين إياه بانعدام الوطنية، بل وصل الأمر إلى تدخل كبار الحيتان في مصر، مثل رجل الأعمال القبطي نجيب ساويرس أو قائد الانقلاب شخصيا، ليطلب من الفتي العودة إلى الوطن واعدين إياه بإصلاح الوضع.
لا يشك عاقلان في أن هذه الدعوة فخ ومصيدة لامتصاص غضب الشارع والتغطية على الفضيحة؛ ففي الجهة المقابلة لهذا المشهد ثابر إعلام النظام على تلميع صورة واحدة من أشهر عمليات السطو الفني، التي استولت فيها إحدى المقربات من النظام على الأعمال الفنية لرسام روسي، بشكل فاضح يعرّي سوءات خافية ويكشف حالة الانحطاط الكبير التي سقطت فيها مصر.
يدرك النظام جيدا الهوة السحيقة التي وقعت فيها البلاد، حيث تمكّن الفساد من كل مفاصل الدولة وصولا إلى الثقافة والرياضة والفنون، التي تحولت إلى عناوين فاقعة لفساد لا يخفي عورته؛ ويحرص النظام من جهة ثانية على تغطية وجهه القبيح، وهو يدرك جيدا أن الفساد هو الطاقة التي يسيطر بها على المجتمع، فهو لا يستطيع العيش إلا به. لكن هذا الوضع يستلزم كذلك التكتم قدر الإمكان على خروج الملفات إلى العلن، لأنها تسهم بشكل كبير في تغذية الغضب الشعبي وفي مضاعفة تراكماته.
استمرار هذا النزيف يؤكد أن العمران العربي ذاهب دون رجعة إلى الخراب الكبير، بعد أن صار حلم الشباب المبدع الهرب من الجحيم، وقد ضاقت بهم السبل وسدت في وجوههم كل أبواب النجاح.
الدروس والمآلات
لن يتوقف نزيف المواهب في مصر وفي غيرها من الدول العربية، بل سيتضاعف في السنوات القادمة، بعد أن تحولت الأوطان إلى جحيم أرضيّ وأرض لا ينبت فيها غير الشوك والصبّار؛ فلا يمكن للاستبداد العربي أن يتخلص من الفساد لأنه حينها سيكون كمن يطلق النار على قدميه، إذ لا يمكنه العيش بدون آليات السطو والنهب وتوظيف موارد الدولة ومواهبها لصالح فئة قليلة، أو لتلميع صورته أمام العالم.
لا يستقيم تقدّم الأمم وتطور الشعوب إلا بالعدل الذي يفرض تكافؤ الفرص واختيار الأفضل ووضع الفرد المناسب في المكان المناسب الذي يستحقه، حسب قدراته ومؤهلاته واجتهاده؛ وهو الأساس الذي عناه صاحب المقدمة بمقولته الشهيرة: “العدل أساس العمران”، لأن الظلم مؤذن بخراب العمران؛ وهو التوصيف الدقيق الذي يعبر اليوم عن الحالة المصرية خاصة، والعربية عامة.
لا يقتصر الأمر على المواهب الرياضية، فقد هاجرت كل المواهب والطاقات والكفاءات التي وجدت إلى الهجرة سبيلا، واستقرت في الغرب حيث وجدت فرص العمل وأسباب النجاح وظروف الإبداع والتميز، وحققت ما كان مستحيل التحقيق في أوطانها.
إن استمرار هذا النزيف يؤكد أن العمران العربي ذاهب دون رجعة إلى الخراب الكبير، بعد أن صار حلم الشباب المبدع الهرب من الجحيم، وقد ضاقت بهم السبل وسدت في وجوههم كل أبواب النجاح.. لم يبق غير العاجزين عن الرحيل، وقد استولت العصابات على كل مرافق الوطن وواجهاته الحية، وتحوّل إلى كائن قبيح يحاول الاستبداد جاهدا بكل المساحيق الممكنة إخفاء بشاعته وقبحه.
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
رسالة إلى أمريكا
وقف مراسل شبكة CNN الإخبارية بمنطقة "أيتون" شرقي مدينة لوس أنجلوس الأمريكية، مرتدياً قناعاً واقياً من الغاز، قام بإزاحته عن وجهه، بعد أن طلبت منه المذيعة في داخل الاستوديو أن يصف لها ما يحدث على الأرض. بعيون دامعة، ووجه شاحب مكفهر، تحدث بأسى عن جحيم مروع، تشهده ولاية...
أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!
أخيراً تحقق لها المراد! فقد صافحت الوزيرة الألمانية أنالينا بيربوك الوزيرَ السوري أسعد الشيباني في الرياض، بعد الضجة الكبرى لعدم مصافحة أحمد الشرع لها، والاكتفاء بالترحيب بها بوضع يده مبسوطة إلى صدره! وكما كان عدم المصافحة في دمشق خبرَ الموسم في الإعلام الغربي، فقد...
غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة
على مدى ما يقارب ٤٧١ يوماً، وقفت غزة وحيدةً صامدةً تواجه مصيرها، كآخر بقعة تتموضع عليها القضية الفلسطينية، بعد أن تم تدجين العالم العربي كله وصولاً إلى تدجين فلسطين نفسها بقيادة أكثر صهيونية من الصهيونية نفسها، لا هدف لها سوى أن تُنسي الفلسطينيين والعالم كله شيئاً...
0 تعليق