
التواصل الاجتماعي وصناعة الشعور بالفشل والتحسر على الذات
بقلم: محمد خير موسى
| 4 أكتوبر, 2023

مقالات مشابهة
-
أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!
أخيراً تحقق لها المراد! فقد صافحت الوزيرة...
-
غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة
على مدى ما يقارب ٤٧١ يوماً، وقفت غزة وحيدةً...
-
سوريا وثورة نصف قرن
سيسجل التاريخ أن يوم ٨ ديسمبر ٢٠٢٤م يوم مفصلي...
-
خطر الدوغمائية على مآل “الميثاق الغليظ” في المغرب!
يزداد انشغالي فكريًّا ووطنيًّا بما سيثيره مشروع...
-
ماذا عن القرار العباسي بإغلاق مكتب الجزيرة؟!.. يا لك من نتنياهو!
فعلها محمود عباس (أبو مازن)، وأكد عندما فعلها...
-
وقد استجاب القضاء لدعوة الرئيس.. ماذا ينتظر المستأجرون؟!
ذكّرني القول إن المحكمة الدستورية العليا في مصر...
مقالات منوعة
بقلم: محمد خير موسى
| 4 أكتوبر, 2023
التواصل الاجتماعي وصناعة الشعور بالفشل والتحسر على الذات
أحدثَت العوالم الافتراضية لسكانها، لا سيما الإناث منهم، شروخا في أعماق النفس، وتشققات في جدران الإيمان بالذات، وتصدعات في أرضية الهدأة والطمأنينة، وحطاما في الثقة بالقدرات، وشعورا بالفشل وعدم القدرة على تحقيق الإنجازات، والشعور أن الآخرين يحققون ذواتهم ويستمتعون بإنجازاتهم ويقاربون طموحاتهم بينما هو وهي وقرناؤهما ما يزالون يراوحون في المكان بلا تقدُّم ولا إنجاز ولا نجاح.
وعادة ما يتولّد هذا الشعور من خلال متابعة حسابات مجموعة من المتفاخرين بنجاحاتهم، المتباهين بإنجازاتهم، الناشرين صورهم وكلماتهم، الناثرين في الأفق الافتراضي كلاما وصورا ومقاطع فيديو اعتزازا بنتاج أيامهم، لا سيما من الناشطين الشباب المعروفين بحركتهم الدائبة، أو شريحة “المؤثّرين” الذين تصطف طوابير المتابعين أمام حساباتهم بمئات الملايين، أو ثنائيّات الأزواج المكثرين من صورهم والتباهي بما حققوه معا في ظل أسرة تنقل الصورة على أنها عنوان النجاح العملي والتربوي، وأنها نموذج خارق من البيئة الحاضنة للتألق الفكري والنجاح والإبداع رغم الصعوبات والمشاقّ، أو كُتّاب المقالات الذين لا يتركون حدثا إلا وكان لهم في عميق بئره دلو، وفي ميادينه خيل تتسابق، أو القرّاء المُكثرين من صور الكتب التي يقرؤونها وينصحون بها الشباب.
كل هذه النماذج والتصرفات وغيرها، تصيب الشباب والشابات عند تتبّع هذه الحسابات بالغيرة المُضنِية، والحسرة على الذات التي لم تبلغ شأو هؤلاء المتفاخرين بإنجازاتهم أو المتباهين بسعادتهم.
هذه الحسرة التي تصل مع الأيام إن تُركت على غاربها إلى عُقَد تتفتّق عن دمامل في قاع الروح، ينفجر قيحها مع كل موجة حزن أو تفكُّر أو تحسُّر على الذات، فتُحيل العمرَ حرائقَ لا تنطفئ.
خمس رسائل في منهجيّة التعامل مع هذه الحال
بعيدا عن التعقيد في اللفظ والفكرة، إذ إنّ الأمر أبسط من الحاجة للتعقيد، وتعليقا على هذه الحالة ورسما لمنهجية التعامل معها؛ أقول لأبناء وبنات الحلال الساكنين في هذه العوالم الافتراضية وقد انفصلوا إلى حدّ لا بأس به عن حياتهم الواقعيّة؛ هاكم هذه القواعد السريعة فاسمعوها جيّدا:
أولا: لا يعيش هذا الشعورَ من الحسرة والغيرة في ظلال النجاح والناجحين إلا من يملك نفسا طامحة وروحا توّاقة، وقلبا يخفق رغبةً في التّألّق، وكبدا تحترق للعروج في مراقي الفلاح والنجاح، وهذا وحده ـ والله ـ يستحق أن تغبطوا أنفسكم عليه.. هذا الشعور الذي يعني أن خفقة الحياة بين جوانحكم لا تعرف كللا ولا مللا؛ فلا تزهدوا بهذه الروح، ولا تكبتوا هذا الطموح في أنفسكم، بل دعوه يأخذ مداه في تحقيق الأفعال والإنجازات التي تعبّر عنكم، ولا تقتلوا قدراتكم الوثّابة بجعلها خاضعة لموازين وقوانين صورة الآخرين في العوالم الافتراضية.
ثانيا: يُكتَب على مرآة السيارة ـ عادةً ـ عبارة تحذير مفادها بأنَّها تُظهِر الصورة للسائق أقربَ مما هي عليه في الواقع، وإن وسائل التواصل الاجتماعي والعوالم الافتراضية أولى بأن يوضع عليها قرين هذا التحذير؛ مع مراعاة أنها على العكس من مرآة السيارة تُظهِر الصورة للمتابِع أكبرَ بكثير مما هي عليه في الواقع، فلا تنخدعوا بكثير مما تتابعونه من بالونات النجاح التي تنفجر مع أول دبّوس واقعي، وتذكّروا أن وسائل التواصل الاجتماعي تضخّم صور المتفاخرين بأنفسهم أضعاف ما هي عليه في الواقع، ولقد عاينتُ عشرات الحالات التي نفخها العالم الافتراضي حتى تضخّمت في عين ذاتها وأعين المتابعين، وهي في الواقع أشدّ فراغا مما يتوقع هؤلاء الطامحون والطامحات الغيارى، وصدّقوني.. إنّ كثيرين ممّن يسبِّبون لكم هذه الآلام النفسيّة العميقة، لو أتيح لكم لقاؤهم في الواقع لأُصبتم بالصدمة والدهشة من كذب الصورة وخداع البريق الزائف، ولربما أنِفتُم من مجالسة مَن كنتم تحلمون يوما أن تكونوا مثلهم همَّةً وطموحا وإنجازا.
ثالثا: لا يخلو الأمر من نماذج ناجحة ومتألقة تستحق المتابعة والتفكّر في خط سيرها، وهي تستحق منكم متابعتها والإفادة منها في تعزيز الطموح وشحذ الهمم الذاتية، ولكن عددها أقلّ بكثير جدا مما ترون في هذا العالم المُتخم بالمتشبِّعين بما لم يُعطَوا، والمتباهين بما ليس فيهم؛ ومع ذلك فإن التّعامل مع هؤلاء الناجحين والمتميزين يجب ألّا ينطلق من التصوّر بأنهم أصحاب إبداع مطلق، وأنهم مبدعون في كل شيء من جوانب حياتهم، بل ثق وثقي أن هذا المبدع، وإن حقّق نجاحا في أبواب لم يسعفكما التميّز فيها، فإنه أيضا يفتقر إلى النجاح في جوانب أنتَ وأنتِ فيها أنجح منه بكثير، وأنه يتوق أن يكون مثلكَ أو مثلكِ في قدرات، أنساكما الانشغالُ به الالتفاتَ إليها، وإنّ رؤيتكما المثالية للأشخاص من خلف ستار شاشة الهاتف الذي استودعه كلٌّ منكما عقله وقلبه، والمقترنة برؤية أحدكما السلبية لنفسه وذاته، تجعلكما تجهلان جوانب النَّقص في الآخر، وتغفلان عن جوانب التألّق والجمال في الذات، فلا تُخسِرا الميزانَ في النظرة للنفس، ولا تطفّفاها في النظرة للغير، وتذكّرا أنه {ويلٌ للمطفّفين}.
رابعا: لا تفكِّر أن تكون غيرَك، ولا تحاول أن تتقمّص سواك ممن تظنهم ناجحين، ولا تعصر نفسك حسرة وغيظا كلما رأيتَ آثارهم المفترَضة على موج هذا العالم الافتراضي، وكن مؤمنا بأن الله الذي أعطاهم قدرات تفجرت على صفحات العالم الافتراضي، قد أعطاك قدرات ووهبك تألقا في مجالات عدّة تفجرت فعلا، أو أن بإمكانك تفجيرها على صفحات الحياة الواقعية.
خامسا: تأكد وتأكّدي أنَّه لن يُريح أيّا منكما أن يكون مثل أيّ أحد يبهره نجاحه، ولن ترتاح الروح وتهدأ النفس إلَّا إن كنتَ نفسَكَ وكنتِ نفسَكِ، وحقّق كل منكما ذاتَه هو لا ذواتهم به، فإنّكَ تستحقّ أن تكونَ أنتَ، وأنتِ تستحقين أن تكوني أنتِ.

مختص بقضايا الفكر الإسلامي ومشكلات الشباب
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
رسالة إلى أمريكا
وقف مراسل شبكة CNN الإخبارية بمنطقة "أيتون" شرقي مدينة لوس أنجلوس الأمريكية، مرتدياً قناعاً واقياً من الغاز، قام بإزاحته عن وجهه، بعد أن طلبت منه المذيعة في داخل الاستوديو أن يصف لها ما يحدث على الأرض. بعيون دامعة، ووجه شاحب مكفهر، تحدث بأسى عن جحيم مروع، تشهده ولاية...
أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!
أخيراً تحقق لها المراد! فقد صافحت الوزيرة الألمانية أنالينا بيربوك الوزيرَ السوري أسعد الشيباني في الرياض، بعد الضجة الكبرى لعدم مصافحة أحمد الشرع لها، والاكتفاء بالترحيب بها بوضع يده مبسوطة إلى صدره! وكما كان عدم المصافحة في دمشق خبرَ الموسم في الإعلام الغربي، فقد...
غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة
على مدى ما يقارب ٤٧١ يوماً، وقفت غزة وحيدةً صامدةً تواجه مصيرها، كآخر بقعة تتموضع عليها القضية الفلسطينية، بعد أن تم تدجين العالم العربي كله وصولاً إلى تدجين فلسطين نفسها بقيادة أكثر صهيونية من الصهيونية نفسها، لا هدف لها سوى أن تُنسي الفلسطينيين والعالم كله شيئاً...
0 تعليق