
التوكل على الله والعمل الجاد من ثمار الإيمان بالقدر
بقلم: د. علي محمد الصلابي
| 17 مايو, 2024

مقالات مشابهة
-
أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!
أخيراً تحقق لها المراد! فقد صافحت الوزيرة...
-
غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة
على مدى ما يقارب ٤٧١ يوماً، وقفت غزة وحيدةً...
-
سوريا وثورة نصف قرن
سيسجل التاريخ أن يوم ٨ ديسمبر ٢٠٢٤م يوم مفصلي...
-
خطر الدوغمائية على مآل “الميثاق الغليظ” في المغرب!
يزداد انشغالي فكريًّا ووطنيًّا بما سيثيره مشروع...
-
ماذا عن القرار العباسي بإغلاق مكتب الجزيرة؟!.. يا لك من نتنياهو!
فعلها محمود عباس (أبو مازن)، وأكد عندما فعلها...
-
وقد استجاب القضاء لدعوة الرئيس.. ماذا ينتظر المستأجرون؟!
ذكّرني القول إن المحكمة الدستورية العليا في مصر...
مقالات منوعة
بقلم: د. علي محمد الصلابي
| 17 مايو, 2024
التوكل على الله والعمل الجاد من ثمار الإيمان بالقدر
إن جموع المسلمين قد انحرفت في العصور الأخيرة في عقيدة القدر، بشأن ما يجري في الحياة الدنيا، لقد أصابهم التواكل فيما أصابهم من انحرافات، وأدى بهم التواكل إلى العجز والكسل والقعود.
لقد فهم بعض الناس من حقيقة أنه لا يحدث في الكون إلا ما يريده الله، أنه لا حاجة للإنسان أن يعمل، فإنّ قدر الله ماضٍ سواء عمل الإنسان أم لم يعمل، فلا ضرورة للكد في طلب الرزق، لأن ما لك سوف يأتيك، ولا ضرورة للنشاط والحركة، لأنها – في زعمهم- ضد التوكل الصحيح؛ كما فهموا كذلك من معنى التسليم لقدر الله القعودَ عن تغيير ما أصاب الإنسان من فقر أو مرض أو جهل، أو حتى معصية، لأن كل ذلك مقدَّر من عند الله، فينبغي الاستسلام له لا مقاومته!
هذا التواكل وهذه السلبية ليسا من الإسلام في شيء على الإطلاق، وإلا فلو كان ذلك من الإسلام فكيف غاب عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وعن صحبه الكرام الذين تلقوا عنه المفاهيم الصحيحة لهذا الدين؟ السلف الصالح لم يفهم قط من عقيدة القدر هذا الفهم الخاطئ الذي يلغي مسؤولية الإنسان عن عمله.
لقد فهم المسلمون من درس أُحد أن ما وقع لهم كان مقدّراً لهم عند الله، ولكنه كان في ذات الوقت من عند أنفسهم بسبب معصيتهم للرسول صلى الله عليه وسلم: {أَوَلمَّا أصابتْكم مصيبةٌ قد أَصبتم مثلَيْها قلتم أنَّى هـذا قل هو من عند أنفسكم إنَّ اللّه على كلِّ شيءٍ قديرٌ* وما أصابكم يوم الْتَقى الجمعان فبإذن اللّه ولِيعلمَ المؤمنين} (آل عمران: 165 ـ 166).
فقد وعى المسلمون من الدرس أن كون الهزيمة تمت بقدر الله لا ينافي أنها في الوقت ذاته “من عند أنفسكم”، أي إن وقوع شيء بقدر الله لا ينفي مسؤولية الإنسان عن خطئه، فليس لمخطئ أن يهز كتفيه ويقول: إنما وقع الخطأ مني بقدر من الله، ولو قدّر الله ألّا أخطئ لما أخطأت فلست مسؤولاً عن الخطأ.. كلا، إن الإيمان بالقدر لا يتنافى فيه أن يكون الحدث مقدَّراً من عند الله، وأن يكون الإنسان مسؤولاً عن عمله في الوقت ذاته.
كذلك وعى المسلمون من وقعة أُحد وأحداثها درساً آخر، أن عليهم أن يسلموا لقدر الله، ولكن ما معنى التسليم؟ هل معناه القعود عن تغيير ما أصابهم، ولو أنه قد أصابهم بقدر من الله؟ إنما قال لهم: {فأثابكم غَمًّا بِغمٍّ لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم واللّه خبيرٌ بما تعملون} (آل عمران: 153). فالحزن يفتت العزيمة ويوهنها، وهو الأمر الذي لا يريده الله لهم، فوجّههم إلى التسليم بقدر الله لكيلا يحزنوا وتتفتَّت عزيمتهم، ولكن هل طلب منهم الاستسلام لما أصابهم بمعنى عدم العمل على تغييره؟.
إن أحداث المعركة سارت في خط مختلف تماماً، فقد جمع الله للرسول صلى الله عليه وسلم مشاعر المسلمين وعزائمهم كما جمع صفوفهم، ليدخل بهم المعركة مرة أخرى في أثر الهزيمة. وفي ذلك يقول الله سبحانه وتعالى: {الَّذين استجابوا لِلّه والرَّسول من بعد مآ أصابهم القرح للَّذين أَحْسنوا منهم واتَّقَوا أجرٌ عظيمٌ* الَّذين قال لهم النَّاس إنَّ النَّاس قد جمعوا لكم فاخْشَوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا اللّه ونِعْم الوكيل* فانقلبوا بنعمةٍ منَ اللّه وفضلٍ لم يمْسَسْهم سوءٌ واتَّبعُوا رضوان اللّه واللّه ذو فضْلٍ عظيمٍ} (آل عمران: 172 ـ 174) .
لقد صرف الله أعداءهم فلم تقع المعركة، ولكنهم كانوا قد استعدّوا للقتال تماما، استعدوا له بأرواحهم ومشاعرهم، فجمعوا عزائمهم رغم تخويف الناس لهم وعزموا على لقاء العدو متَّكلين على الله، وهذا هو التوكل الحق الذي يطلبه الله من المسلمين.
إن القعود عن تغيير الأمر الواقع بحجة أنه واقع بقدر من الله جهالة عظيمة لا تنبغي للمسلم.. نعم، إن ما وقع بالفعل قد وقع بقدر من الله – وإن كان لا ينفي مسؤولية الإنسان- ولكن من يعلم ما يكون عليه قدر الله غداً، بل في اللحظة القادمة، هل علم ذلك القاعد المتواكل أن قدر الله القادم لن يكون مغايراً لقدر الله الواقع؟ أليس في الاحتمال أن الله قد قدر للحظة القادمة قدراً غير القدر الذي كان في اللحظة الماضية؟ فكيف يقعد عن العمل بزعم أنه متوكل على الله مستسلم لقدره؟
إن الفهم الصحيح للإيمان بالقدر، لا ينفي مسؤولية الإنسان عن عمله، ولا يدعو إلى القعود عن تغيير الواقع، هو لا يدعو إلى التواكل وعدم الأخذ بالأسباب انتظاراً لقدر الله.. ذلك هو الفهم الذي ينبغي أن يعود المسلمون إليه، ليزول عنهم ما أصابهم من فقر وجهل ومرض وتواكل وعجز، وما ترتب على ذلك كله من غلبة عدوهم عليهم، وهوانهم على أنفسهم وعلى الناس.
———————————————
لمزيد من الاطلاع ومراجعة المصادر للمقال انظر كتاب “الإيمان بالقدر“، في الموقع الرسمي للشيخ الدكتور علي محمد الصلابي

مفكر سياسي ليبي
1 تعليق
إرسال تعليق
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
رسالة إلى أمريكا
وقف مراسل شبكة CNN الإخبارية بمنطقة "أيتون" شرقي مدينة لوس أنجلوس الأمريكية، مرتدياً قناعاً واقياً من الغاز، قام بإزاحته عن وجهه، بعد أن طلبت منه المذيعة في داخل الاستوديو أن يصف لها ما يحدث على الأرض. بعيون دامعة، ووجه شاحب مكفهر، تحدث بأسى عن جحيم مروع، تشهده ولاية...
أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!
أخيراً تحقق لها المراد! فقد صافحت الوزيرة الألمانية أنالينا بيربوك الوزيرَ السوري أسعد الشيباني في الرياض، بعد الضجة الكبرى لعدم مصافحة أحمد الشرع لها، والاكتفاء بالترحيب بها بوضع يده مبسوطة إلى صدره! وكما كان عدم المصافحة في دمشق خبرَ الموسم في الإعلام الغربي، فقد...
غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة
على مدى ما يقارب ٤٧١ يوماً، وقفت غزة وحيدةً صامدةً تواجه مصيرها، كآخر بقعة تتموضع عليها القضية الفلسطينية، بعد أن تم تدجين العالم العربي كله وصولاً إلى تدجين فلسطين نفسها بقيادة أكثر صهيونية من الصهيونية نفسها، لا هدف لها سوى أن تُنسي الفلسطينيين والعالم كله شيئاً...
بارك الله فيك وجزاكم الله خيرا وجعل مثواكم جنته وأحاطكم برحمته ورضوانه
استاذ نا الكريم