الجريمة والعقاب
بقلم: محمد هنيد هنيد
| 22 أبريل, 2023
مقالات مشابهة
-
الطّفلُ المرعوب.. الجَمِيع يُشاهِدون
بجسدٍ نحيل، لطفلٍ لم يتعرّف إليه أحد، وببنطالٍ...
-
أطفال غزة يصافحون الموت
إنَّ الحرب الجائرة على سكان قطاع غزة لم تخلق...
-
لعنة الصحافة من “فوزية” لـ “هنيدي”!
لن يعرف قيمة أمه، إلا من يسوقه حظه العاثر...
-
سقوط حلب.. في سياسة الحمدانيين
شهدت مدينة حلب السورية الشهيرة حدثًا بارزًا في...
-
الناقد ومراوغة النص..
استكشاف حالة التقييم المراوغة.. تلك التي ترفض...
-
شكرا للأعداء!
في كتاب "الآداب الشرعية" لابن مفلح، وكتاب "سراج...
مقالات منوعة
بقلم: محمد هنيد هنيد
| 22 أبريل, 2023
الجريمة والعقاب
مكنت وسائل التواصل الاجتماعي، ومختلف الوسائط البصرية اليوم؛ من الوقوف على حقيقة تفشي الجريمة بشكل مرعب داخل المجتمعات العربية المسلمة بشكل خاص. وقد صارت الجريمة تُنقل أحيانا بالصوت والصورة، ويشاهدها الملايين عبر العالم، وخاصة منها الجرائم الجنائية من قتل وعنف واغتيالات وخطف وتنكيل. وصحيح أن هذه الجرائم منتشرة في كل دول العالم، ولا يكاد يخلو منها مجتمع ما، لكن النسَب تختلف اختلافا جوهريا بين دولة وأخرى؛ فهي في الدول الإسكندنافية مثلا غير ما هو في دول أفريقيا. فلماذا يرتفع منسوب الجريمة هنا وينخفض هناك؟ ما علاقة الجريمة بدول الفساد والاستبداد في بلاد العرب؟ وما هي الحلول الممكنة للحد من هذه الآفة؟
تبدأ الجريمة في جذورها الأولى من البيت والأسرة والمدرسة، حيث تتشكل العناصر الأولية لشخصية الطفل، وتبدأ في تكوين ردود الأفعال النفسية والبدنية على العنف الذي يواجهها
الجريمة بين الأسرة والمجتمع
تبدو الجريمة لأول وهلة ظاهرة اجتماعية فردية يقوم بها فرد أو مجموعة من الأفراد، لغاية الانتقام أو السطو أو السرقة أو الاغتصاب أو غير ذلك من الأسباب. وهو تفسير صحيح في جزء كبير منه، لأن مجال الفعل الإجرامي هو المجتمع. فالجرائم تحدث في مجال وفضاء مكاني هو المجتمع، وأغلب أطراف الجريمة هم عادة من أبناء الشعب؛ أما الجرائم السياسية والاقتصادية فهي صنف خاص لن تشمله القراءة في هذا المقال.
لكنّ هذا التفسير يكتفي بتعيين المجال الذي تحدث فيه الجريمة، التي هي نتيجة لمجموعة من الأسباب الموضوعية، ويسكت عن الأسباب الحقيقية لها. إن المجرم لا يتكوّن بين يوم وليلة، ولا يصبح مجرما بكبسة زر، بل هو مسار طويل من الفشل والإحباط والكبت والعنف الأسري والظلم الاجتماعي والفقر المنظّم.
تبدأ الجريمة في جذورها الأولى من البيت والأسرة والمدرسة، حيث تتشكل العناصر الأولية لشخصية الطفل، وتبدأ في تكوين ردود الأفعال النفسية والبدنية على العنف الذي يواجهها. وهنا تتشكّل العناصر الأولى للشخصية المرضيّة التي ستتحول فيما بعد، بسبب عوامل أخرى خارجية إلى شخصية تنزع نحو العنف والإجرام والانحراف والشرور.
إن تعرّض الطفل، في أطوار حياته الأولى، إلى العنف الشديد نفسيا ولفظيا وجسديا، سواء داخل الأسرة أو في المدرسة، يشكل اللبنة الأولى لتكوّن نواة العنف المضاد. ومن جهة أخرى تفتقر المجتمعات العربية إلى الوعي بضرورة امتصاص العنف الذي قد يتعرض له الطفل صغيرا، سواء بالإحاطة النفسية أو التوعية التربوية أو تصريف الطاقة في الأنشطة الرياضية والبدنية، لتكوين القدرة الدفاعية لدى الطفل.
في طور موالٍ من حياة الفرد يدخل الشارع أو المجتمع إلى حقل التأثير الإجرامي، حيث تشكل البطالة مع الفقر والتهميش دافعا أساسيا نحو الانحراف، الذي يؤدي إلى أول طريق الجريمة. وهنا نقف على الدور الخطير الذي يلعبه المجتمع العربي في دفع الفرد نحو مجالات الجريمة، خاصة في الدول القمعية والجمهوريات الاستبدادية، حيث تبلغ البطالة معدلات كارثية.
ليست الحلول القانونية إلا الجزء الأبسط من الحلول الممكنة لظاهرة الجريمة، فهي قادرة على الحدّ منها على المدى القصير فقط، لكنّ الحلول الأنجع متوفرة على المديين المتوسط والبعيد
الجريمة بين الدولة والمجتمع
لكن من هو المتسبب في فساد المجتمع وفي انتشار الفقر والبطالة والتهميش؟ إنه النظام الحاكم ومن ورائه مؤسسات الدولة! فالدولة، وتحديدا النظام الحاكم، هو المسؤول الرئيس عن انهيار المجتمعات وانتشار العنف والجريمة. وإذن فلا يمكن المقارنة بين دور الضحية ودور الجلاد، فالمجتمع ضحيةُ الدولة التي تتحكم فيه وفي قوانينه واقتصاده وثرواته وموارده، وخاصة في المنظومات السياسية القمعية.
الدولة أو -بتعبير أدقّ- النظام السياسي الحاكم هو الذي يملك سلطة التحكم في منسوب الجريمة والعنف والانحراف، لأن حزمة رادعة من القوانين قادرة على خفض منسوب الجريمة إلى النصف في ظرف قياسي؛ كما أنّ تفعيل قانون الإعدام في جرائم القتل، دون أي قدرة على العفو أو التراجع، كفيل هو الآخر بإحداث صدمة معدِّلة لمنسوب الجريمة في مجتمع ما.
من جهة ثانية ليست الحلول القانونية إلا الجزء الأبسط من الحلول الممكنة لظاهرة الجريمة، فهي قادرة على الحدّ منها على المدى القصير فقط، لكنّ الحلول الأنجع متوفرة على المديين المتوسط والبعيد.. إن إصلاح منظومة التربية والتعليم، والعناية بالأسرة وبالمنظومات الثقافية والإعلامية والقيمية السلوكية، ضمن برنامج متكامل يراعي هوية الشعوب وقيمها ودينها، هو السبيل الأنجع للحدّ من منسوب الجريمة على المدى البعيد.
لكنّ الدولة العربية لا تعتبر القضاء على الجريمة أولوية من أولوياتها، هذا إن لم نقل إن العنف والجريمة والانحراف التي هي مظهر من مظاهر الفساد، تشكل في دول عربية معينة أداة من أدوات ممارسة السلطة والتحكم في المجتمع. وليس القمع الذي تمارسه السلطات الانقلابية في أكثر من مكان ضد كل رأي مخالف إلا شكلا من أشكال قمع الحريات، الذي هو حارس شبكات الفساد والنهب المنظّم لثروات البلاد.
عربيا تختلف المشاهد وتتباين بين الدول، حيث تتمتع الدول الخليجية مثلا بانخفاض واضح لمنسوب الجريمة الاجتماعية بسبب طبيعة المجتمعات والقوانين الرادعة، لكنه ليس حلا على المدى البعيد
بناء عليه: إذا كان النظام السياسي الحاكم فاسدا فإنه لا يستطيع أن يتنفّس في فضاءات العدل والحرية وسلطة الدولة والقانون؛ بل إنه لا يعيش ولا يتمدد إلا داخل مجتمعات فاسدة، تسود فيها سلطة الأقوى، بالسلاح والعلاقات المشبوهة وتوظيف مرفق العدالة والتحايل على القانون. فكلما كان النظام صالحا ملتزما بالقانون، اختفت الجريمة وتقلّص منسوبها إلى الحدود الدنيا.
عربيا تختلف المشاهد وتتباين بين الدول، حيث تتمتع الدول الخليجية مثلا بانخفاض واضح لمنسوب الجريمة الاجتماعية بسبب طبيعة المجتمعات والقوانين الرادعة، لكنه ليس حلا على المدى البعيد، حيث يتوجب مزيد من التفعيل للمنظومات التربوية والأسرية والتعليمية، للحد من مخاطر الانحراف والجريمة. أما في الجمهوريات العسكرية، مثل مصر أو العراق أو الجزائر، فإن منسوب العنف والجريمة قد بلغ مستويات مرعبة بسبب فساد الدولة والنظام. أما في المناطق المشتعلة اليوم، مثل سوريا واليمن والعراق وليبيا، فإن الدولة تختفي، ويسود قانون الغاب والبقاء للأقوى، لأنّ السكوت عن الفساد أدى إلى انشطار الدولة والنظام الحاكم نفسه.
صحيح أن الجرائم الاجتماعية تبدو أحيانا كالشجرة التي تخفي الغابة، لأنها تغطي على الجرائم الاقتصادية والمالية والسياسية، التي هي أخطر منها بكثير.. هذا صحيح فالمجالات مترابطة، لكن تأمين المجتمع من مخاطر الانحراف والجريمة المنظمة والتدليس والتحيل وتجارة المخدرات والتهريب وأشباه ذلك هي الشروط الأساسية لتحقيق الحد الأدنى من أسباب العيش المشترك.
لا مخرج من مجتمعات الجريمة إلا بالتربية والأسرة والتعليم وإقامة دولة العدل والقانون؛ لكن لا يمكن مهما صدقت النوايا القضاءُ على الجريمة أو الحدّ منها في مجتمعات يحكمها الفساد.
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
مع الهمجية ضد التمدن
يراوح روسو نظرته النقدية الصارمة للتمدن مقابل التبسط، والفلاحة والريف مقابل التجارة والصناعة، وهكذا يُثني على قصة شعوب أوروبا البسيطة القديمة، بناء على مخالفتها للمدنية التي تحدث عنها في إميل، ولا بد من ربط رؤاه هنا، لوضع نموذج الشعب البسيط غير المثقف، في السياق...
الطّفلُ المرعوب.. الجَمِيع يُشاهِدون
بجسدٍ نحيل، لطفلٍ لم يتعرّف إليه أحد، وببنطالٍ لا يُعرَف له لون لأنّ الطّين غَطّاه كُلَّه، وبجسدٍ عارٍ حال لونُه الطّبيعيّ إلى اللّون المُعفّر، وفي شارعٍ مُجَرّف جرى فيه صوتُ الرّصاص والقذائف فحوّله إلى خطٍّ ترابيّ تتوزّع عليها بقايا أبنيةٍ أو محلاّتٍ مُهدّمة، رفع...
أطفال غزة يصافحون الموت
إنَّ الحرب الجائرة على سكان قطاع غزة لم تخلق أزمة إنسانية فحسب، بل أطلقت العنان أيضا لدوامة من البؤس الإنساني، الذي يدفع فاتورته بصورة يومية أطفال غزة الأموات مع وقف التنفيذ.. فإسرائيل في عملياتها العسكرية- جوية كانت أم برية- في قطاع غزة والضفة الغربية لا تستثني...
0 تعليق