الحرب على غزة.. عندما يتجاهل الحكام إرادة الشعوب

بواسطة | أكتوبر 24, 2023

بواسطة | أكتوبر 24, 2023

الحرب على غزة.. عندما يتجاهل الحكام إرادة الشعوب

تمثل أنماط ردات الفعل لبعض أنظمة الحكم العربية على المحرقة التي تتعرض لها غزة تشجيعا لإسرائيل لمواصلتها.
فنظم الحكم العربية التي توصلت إلى اتفاقات “سلام” وتطبيع مع الكيان الصهيوني، لم تكلف نفسها عناء استدعاء سفرائها من الكيان الصهيوني للاحتجاج على حرب الإبادة الجماعية، التي تتعرض لها غزة على مرأى ومسمع العالم بأسره؛ بل إن هذه الأنظمة زهدت في أبسط أنماط التحرك الدبلوماسي، فلم تستدعِ سفراء إسرائيل في عواصمها للتعبير عن “احتجاجها” على المجزرة المتواصلة.

إن نظامي الحكم في القاهرة وعمان بإمكانهما التأثير على قدرة إسرائيل على إدارة الجهد الحربي في غزة وشمال فلسطين.

وعلى الرغم من أن هذا لم يكن مفاجئا، فإنه كان من الواضح أن ردة فعل نظامي الحكم في مصر والأردن، البلدين الأكثر التصاقا بفلسطين، على ما تتعرض له غزة من توحش، قد أسهمت في توفير البيئة الإقليمية التي تسمح لإسرائيل بمواصلة حرب الإبادة البشعة. والواقع أن لدى نظامي الحكم في القاهرة وعمان كثير من أوراق القوة التي كان يمكن توظيفها في التأثير على توجهات القيادة الصهيونية؛ فإسرائيل ترى في اتفاقيتي “السلام” مع مصر والأردن مكونا رئيسا من مكونات أمنها “القومي”؛ وبالتالي فإن تهديد نظامي الحكم في القاهرة وعمان بإعادة تقييم الموقف من هاتين الاتفاقيتين، كان سيؤثر بشكل واضح على الموقف الصهيوني.
إلى جانب ذلك، فإن نظامي الحكم في القاهرة وعمان بإمكانهما التأثير على قدرة إسرائيل على إدارة الجهد الحربي في غزة وشمال فلسطين. فعلى سبيل المثال، تعد الحدود بين فلسطين والأردن الأطول مقارنة بالحدود مع الدول العربية الأخرى؛ وبالتالي فإن سماح نظام الحكم في عمان للأردنيين بالتعبير عن رفضهم للمجزرة الإسرائيلية عبر التوجه إلى الحدود، كان يمكن أن يؤثر على مسار الحرب على غزة؛ لأن تأمين الحدود مع الأردن كان سيتطلب من جيش الاحتلال الزج بأعداد كبيرة من قوات الاحتياط، وهذا كان سيقلص من قدرة هذا الجيش على تنفيذ خطته المتعلقة بالعملية البرية في عمق القطاع، لكن ما حدث أن قوى الأمن الأردنية حالت دون وصول جموع الأردنيين إلى الحدود، ما أعفى إسرائيل من مواجهة تبعات هذا السيناريو.
وكان يمكن أن يكون للدور المصري تأثير حاسم في فرملة الجرائم التي ترتكبها إسرائيل في غزة. فقد عمدت إسرائيل منذ بداية الحرب إلى فرض حصار شامل على غزة بهدف المسّ بمعنويات الجمهور الفلسطيني ومحاولة تركيعه عبر منع دخول الماء والوقود، والغذاء والدواء، وكان ممكنا أن يحيد تأثير الإجراء الصهيوني عبر فتح معبر رفح الحدودي وإدخال المساعدات الإنسانية، ومنها الماء والغذاء والوقود والمواد الطبية. وعلى الرغم من أن معبر “رفح” يخضع للسيادة المصرية، فإن نظام الحكم في القاهرة اشترط موافقة إسرائيل قبل إدخال المساعدات؛ وعندما سمحت مصر بإدخال المساعدات كان الأمر بالتنسيق مع إسرائيل، وبذلك لم تشمل المواد الإغاثية الوقود، الذي كان يمكن أن يسهم في تشغيل محطة الكهرباء الوحيدة في القطاع، ما كان يمكن أن يحل، بشكل جزئي، معضلة قطع المياه عن الغزيين.
وإن كان هذا لا يكفي، فإن المواقف السياسية التي عبر عنها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي منذ بدء الحرب على غزة كانت صادمة؛ حيث إنه لم يعبِّر عن موقف رافض لمبدأ تهجير الفلسطينيين من غزة إلى سيناء، بل كان اعتراضه على الفكرة من منطلق أن طرد الغزيين إلى هناك يمكن أن يهدد إسرائيل، لأنهم يمكن أن ينفذوا عمليات ضدها. والأدهى من ذلك، أن السيسي اقترح على إسرائيل نقل الغزيين المهجرين إلى صحراء النقب حتى تنهي جرائمها في غزة، وبعد ذلك يمكن أن تعيدهم “إن أرادت ذلك”.

ما حدث خلال الحرب الإسرائيلية على غزة في نوفمبر 2012. فقد كانت هذه الحرب، التي قادها نتنياهو أيضا، أخف الحروب على أهل غزة، لأن مصر التي كان يرأسها الرئيس محمد مرسي، رحمه الله

كل الذي سبق لم يتضمن الإشارة إلى تواصل الشراكات الاقتصادية بين إسرائيل ونظامي الحكم في مصر والأردن، سيما عقود شراء الغاز العربي المنهوب، الذي يدر على خزانة الاحتلال حوالي 30 مليار دولار، فضلا عن عدم تراجع الأردن عن المشاريع الضخمة التي تم الاتفاق بشأنها مع الاحتلال، وتحديدا مشروع “الماء مقابل الكهرباء”، الذي يضمن تزويد المستوطنات اليهودية في النقب وجنوب الضفة الغربية بكهرباء يتم توليدها بواسطة الطاقة الشمسية في الصحراء الأردنية.
وكانت مواقف دول عربية أخرى أكثر بؤسا؛ حيث تبنت الإمارات والبحرين الرواية الإسرائيلية للأحداث، كما ورد في بياناتها الرسمية؛ وقد برز بشكل خاص غياب حماس نظم الحكم العربية للتحرك في الساحة الدولية، بهدف تجنيد ضغط أممي على إسرائيل لوقف الحرب المجنونة، حيث لم تُسجَّل أية محاولة عربية جادة للتحرك في الأمم المتحدة ومؤسساتها المختلفة للضغط على تل أبيب.
وإن كان برز دور الولايات المتحدة وأوروبا الفظ والوقح في إسناد العدوان الإسرائيلي وتبريره، فإن نظم الحكم العربية لم تسعَ حتى إلى محاولة التأثير على الموقفين الأمريكي والأوروبي بشكل يمكن أن يسهم في تقليص الدعم الذي تحظى به تل أبيب؛ والذي يفسر سلوك الحكام العرب هذا هو تجاهلهم إرادةَ الشعوب كمحدد لسياسات بلدانهم الخارجية.
إن أكثر ما يدلل على عمق تأثر القضية الفلسطينية بتجاهل الحكام العرب إرادةَ شعوبهم، ما حدث خلال الحرب الإسرائيلية على غزة في نوفمبر 2012. فقد كانت هذه الحرب، التي قادها نتنياهو أيضا، أخف الحروب على أهل غزة، لأن مصر التي كان يرأسها الرئيس محمد مرسي، رحمه الله، الذي جاء نتاج انتخابات حرة عبَّرت عن تطلعات المصريين كما عكستها ثورة 25 يناير، أجبرت إسرائيل على فرملة عدوانها؛ فإلى جانب المواقف القوية والصارمة التي عبر عنها مرسي، فإنه أصر على إرسال وفد رسمي برئاسة رئيس حكومته هشام قنديل لزيارة غزة خلال الحرب، ما عزز الشعور بالثقة لدى الفلسطينيين، وقلص قدرة تل أبيب على تحقيق أهدافها في الحرب.
آنذاك، قال أودي سيغل، المعلق السياسي لقناة التلفزة 12 (كان يطلق عليها قناة 2) خلال الحرب: “الكلمة الوحيدة التي تكررت خلال اجتماعات المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر لشؤون الأمن أثناء الحرب كانت: “مرسي، مرسي، مرسي”؛ في إشارة إلى مدى اهتمام إسرائيل بموقف القيادة المصرية خلال الحرب.

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

"رأيت أطفالًا محروقين أكثر مما رأيت في حياتي كلها، رأيت أشلاء أطفال ممزقة".. هذه كلمات الدكتور مارك بيرلماتر، طبيب يهودي أمريكي، في شهادته حول العدوان الإسرائيلي على غزة. في مقابلة له على قناة CBS، قدم الدكتور بيرلماتر وصفًا صادمًا لمعاناة أطفال غزة.. الدكتور...

قراءة المزيد
جريمة اسمها التعليم!

جريمة اسمها التعليم!

قالوا قديمًا: "عندما نبني مدرسة، فإننا بذلك نغلق سجنًا".. وذلك لأن المدرسة في رأيهم تنير الفكر، وتغذي العقل، وتقوِّم السلوك؛ وذهب بعضهم إلى قياس تحضر الدول والشعوب بعدد مدارسها وجامعاتها. ومع إيماني الخالص بقيمة العلم وفريضة التعلم، فإنني أقف موقفًا معاديًا تجاه مسألة...

قراءة المزيد
أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

لطالما كان اختيار الإنسان لطريق الهداية أو الضلال معضلةً، طرحت الكثير من التساؤلات عن مدى مسؤولية الإنسان نفسه عن ذلك الاختيار في ظل الإيمان بعقيدة القضاء والقدر، وكيف يمكن التوفيق بين مسؤولية الإنسان عن هداه وضلاله، وبين الإرادة والقدرة الإلهية، وما يترتب عليها من...

قراءة المزيد
Loading...