الحشاشون

بواسطة | مارس 25, 2024

بواسطة | مارس 25, 2024

الحشاشون

مصر دائما صاحبة الريادة في القوة الناعمة ودورها، وإرسال رسائل سياسية واجتماعية من خلال الأعمال التي تقدمها، خاصة الأعمال التي تشرف عليها أو تنتجها الأجهزة؛ لكننا نواجه تصحرا واضحا في مستوى العديد من هذه الأعمال الفنية التي أذيعت مؤخرا، وآخرها مسلسل الحشاشين من تأليف عبد الرحيم كمال، وإخراج بيتر ميمي، وبطولة: كريم عبد العزيز، فتحي عبد الوهاب، أحمد عيد، سوزان نجم الدين، نيقولا معوض، وغيرهم من النجوم.

بدأ الخطأ في تقديم عمل تاريخي تدور أحداثه في القرن الحادي عشر باللهجة العامية المصرية، العامية المصرية لهجة جميلة ولها مكانتها في العالم العربي، لكن ليس في تصوير عمل تاريخي شخصياته الحقيقية ما بين خليفة وعالم وتدور أحداثه في عهد السلاجقة، والخليفة أو الأمير فيه ملك شاه ابن ألب أرسلان، والعالم فيه أبو حامد الغزالي، والشاعر فيه عمر الخيام.. ولعل السبب الحقيقي لاستخدام العامية ليس تقريبه من الناس كما تدعي اللجان الإلكترونية الأمنية، لكنه الخيبة التي تكشف عجز الممثلين عن الحديث باللغة العربية الفصحى، وهو واضح في بعض الجمل التي قالها كريم عبد العزيز باللغة العربية، والتي حوت كمية كبيرة من الأخطاء.

لا غبار على موهبة كريم عبد العزيز الفنية وقدرته على تقديم العديد من الأدوار الناجحة، لكن عند مقارنة دور حسن الصباح الذي يقدمه، بالذي قدمه قبل ذلك الفنان السوري عابد فهد عن رواية سمرقند من تأليف أمين معلوف، النتيجة محسومة دون تردد لعابد فهد.

أراد نظام السيسي أن يربط بين حسن الصباح وفرقة الحشاشين، وبين الشيخ حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، لكن الأحداث تقدم حسن الصباح كرجل ينحاز إلى الشعب، ويقف بجوار الفقراء، ويساند المساكين وينتصر للحق، على الرغم من فساد فكرته ومنهجه.. وهنا تكتشف أن نظام السيسي يخدم الإخوان أكثر مما يؤذيهم دراميا، ولعل السبب في ذلك لا يعود إلى السيسي نفسه، ولكن إلى الشخصيات التي تشرف على الأعمال الفنية؛ فالعديد منهم يعنيهم التطبيل للسلطة وتقديم ما تراه السلطة وليس الإبداع الحقيقي، لذلك فإنه بمجرد انتهاء شهر رمضان تتم إهالة الردم على مثل هذه الأعمال، فلا يتذكرها أو يهتم بها بعد ذلك أحد لضآلة الفكرة وتزييف الحقيقة وتقديم فن مباشر؛ وذلك على العكس من نظام جمال عبد الناصر الذي استطاع تسخير مواهب عظيمة مثل أم كلثوم، ومحمد عبد الوهاب، وعبد الحليم حافظ، لصالحه ولصالح مشروعه السياسي؛ وكذلك فعل الرئيس أنور السادات حين أراد تقزيم ناصر والانتقام منه فنيا، فقدمت السينما في عهده أعمالا مثل فيلم الكرنك، وراء الشمس، إحنا بتوع الأتوبيس، فيلم العصفور.. وغيرها.

السيسي يشاهد القوى الناعمة الخاصة به وعينه على جمال عبد الناصر، لذا خرجت من العقل الكامن جملته الشهيرة “يا بخت جمال عبد الناصر بإعلامه”، وهو محق في هذا! فمن أين للسيسي بقوة ناعمة مثل: أم كلثوم، حليم، سعاد حسني، محمد التابعي، محمد حسنين هيكل، مصطفى وعلي أمين، وغيرهم؟.

كان ناصر – مثل السيسي- ديكتاتورا مستبدا، لكنه كان من طينة أخرى تدرك إدارة اللعبة السياسية جيدا، وتدرك دور الثقافة والفن، وتطوعهما دائما في خدمة مصر وفي خدمته!. كتبت التايمز الأمريكية في الستينيات على لسان شعب اليمن، خلال تحقيق صحفي أثناء حرب اليمن، أن ناصر أرسل لهم جنود الجيش المصري، وكان مع الجنود جهاز صغير، راديو ترانزستور نقل لهم صوت عبد الناصر وخطبه وفكره وأهدافه عبر إذاعة صوت العرب.

التصحر السياسي والفكري والديني والفني، الذي تعاني منه مصر الآن، نتاج طبيعي لمرحلة الحكم بالقوة في جمهورية الخوف التي صنعها عبر سنوات عشر، والتي لم تترك مساحة لصوت مخالف لها، حتى لو كان هذا الصوت يؤيد مؤسسات الدولة ولا يقف ضد الجيش المصري أو ضد مصر، لكنه يسعى إلى أن تعود مصر عظيمة.. بهية.. معافاة.

إذا أرادت الدولة أن تستعيد مكانتها الحقيقية فعليها أن تترك مساحة لهذه الأصوات التي تبني ولا تهدم.. تصنع ولا تغلق المصانع.. تعظم من شأن مصرنا خارجيا ولا تقزم منها، فاذا تركت هذه المساحة عاد للدراما المصرية مجدها الذي شهده العالم العربي في ليالي الحلمية، رأفت الهجان، دموع في عيون وقحة، وفي غيرها من الأعمال التي التف حولها المواطن العربي.. أما التخاريف التي يبثها مسلسل الحشاشين، والأخطاء التاريخية، الفنية، الزمانية، فلنا عودة إليها.

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

"رأيت أطفالًا محروقين أكثر مما رأيت في حياتي كلها، رأيت أشلاء أطفال ممزقة".. هذه كلمات الدكتور مارك بيرلماتر، طبيب يهودي أمريكي، في شهادته حول العدوان الإسرائيلي على غزة. في مقابلة له على قناة CBS، قدم الدكتور بيرلماتر وصفًا صادمًا لمعاناة أطفال غزة.. الدكتور...

قراءة المزيد
جريمة اسمها التعليم!

جريمة اسمها التعليم!

قالوا قديمًا: "عندما نبني مدرسة، فإننا بذلك نغلق سجنًا".. وذلك لأن المدرسة في رأيهم تنير الفكر، وتغذي العقل، وتقوِّم السلوك؛ وذهب بعضهم إلى قياس تحضر الدول والشعوب بعدد مدارسها وجامعاتها. ومع إيماني الخالص بقيمة العلم وفريضة التعلم، فإنني أقف موقفًا معاديًا تجاه مسألة...

قراءة المزيد
أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

لطالما كان اختيار الإنسان لطريق الهداية أو الضلال معضلةً، طرحت الكثير من التساؤلات عن مدى مسؤولية الإنسان نفسه عن ذلك الاختيار في ظل الإيمان بعقيدة القضاء والقدر، وكيف يمكن التوفيق بين مسؤولية الإنسان عن هداه وضلاله، وبين الإرادة والقدرة الإلهية، وما يترتب عليها من...

قراءة المزيد
Loading...