الحضارة الغربية والسقوط إلى قاع جديد

بقلم: شيرين عرفة

| 1 فبراير, 2024

بقلم: شيرين عرفة

| 1 فبراير, 2024

الحضارة الغربية والسقوط إلى قاع جديد

يمر عالمنا العربي الإسلامي بفترة حرجة، حيث تتسارع الأحداث وتكتسحنا مشاهد الإبادة الجماعية في ظل صمت دولي مذهل. هذا ما يحدث في قطاع غزة الذي يقع في مركز الأحداث، حيث أثرت الحرب الدموية التي شنتها إسرائيل على المنطقة بشكل كبير. هذا المقال يستعرض تفاصيل الوضع ويكشف عن فشل العالم الغربي ودور إسرائيل في حماية حقوق الإنسان.

العالم الغربي وإسرائيل يفشلون في حماية حقوق الإنسان

“يمكن أن تمر عقودُ لا يحدث فيها شيء، وقد تأتي أسابيع، تقع فيها أحداث عقود”.. هذا ما قاله “فلادمير لينين“، قائد الثورة البلشفية ومؤسس دولة الاتحاد السوفيتي، وربما هو الوصف الأدق لما تمر به أمتنا العربية الإسلامية في أيامنا الحالية.

قرابة 4 أشهر من الحرب الدموية التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة، كانت كفيلة بإعادة كتابة تاريخ المنطقة والعالم، ورسم ملامح لعصر جديد.. فعلى مدار الساعة، وعلى الهواء، تطالعنا مشاهد الإبادة الجماعية والمجازر المتواصلة، فكأنه معها لا وجود لمجتمع دولي، ولا منظمات دولية، ولا عدالة ولا حقوق إنسان!

صمت العالم الغربي وتواطؤه

والعالم الغربي الذي صمَت وتواطأ مع مقتل أكثر من 26 ألف شهيد فلسطيني، سبعون بالمئة منهم من الأطفال والنساء، وصُمَّت آذانه عن صرخات الجرحى، وأنين الجوعى بسبب الحصار الخانق، وتدمير المستشفيات، والتضييق على أكثر من 2 مليون إنسان؛ هذا العالم سارع فورا في تصديق الرواية الإسرائيلية، عن وجود أفراد لدى منظمة الأونروا لإغاثة اللاجئين داخل القطاع، شاركوا في أحداث السابع من أكتوبر. إنها الرواية التي دأبت إسرائيل على ترويجها، دون تقديم دليل ملموس واحد، من أجل التغطية على ما تقوم به قواتها من هجمات إرهابية على منظمات ومنشآت تابعة للأمم المتحدة، وما يصاحبها من مجازر يسقط فيها العشرات والمئات من الضحايا بين النازحين الفلسطينيين، الذين صدقوا بوجود قانون دولي ومنظمات إنسانية، والتجؤوا واحتموا بالمدارس التابعة لتلك الهيئات.

وفي الوقت الذي أمرت فيه محكمة العدل الدولية باتخاذ إجراءات فورية وفعالة، لضمان تقديم المساعدة الإنسانية للمدنيين في غزة، وضرورة وقف الأعمال الحربية التي تشنها إسرائيل، اعترافا منها بأنها حربٌ ظالمة، يمكننا وصفها بالإبادة الجماعية للفلسطينيين؛ يأتي هذا القرار بتعليق تمويل وكالة الأونروا، ووقف تقديم المساعدات لها، من الدول التالية: الولايات المتحدة، وكندا، وأستراليا، وإيطاليا، وبريطانيا، وفنلندا، وألمانيا، وهولندا، وفرنسا، وسويسرا، والنمسا، واليابان.

مأساة غزة والقرارات المثيرة للجدل

يأتي القرار كسقوط مُروع جديد للعالم الغربي، وللحضارة الغربية والليبرالية والعالمانية والحداثة وثقافة الأنوار، ولكل المنتجات التي باعوها لنا وصدقنا نحن شعاراتها، بينما هي في الأساس محضُ أوهام. وقد وصفت “الأونروا” ما قامت به تلك الدول من وقف تمويلها للوكالة في خِضم حرب وحشية، وتزايد الاحتياجات الإنسانية لسكان غزة، بأنها وصمة عار على جبين الإنسانية؛ وأن الفلسطينيين في غزة لم يكونوا بحاجة إلى هذا العقاب الجماعي الإضافي، بينما هم يتعرضون بالأساس لفصول مجاعة مريرة، مع خطر فقدان الحياة لعشرات الآلاف.

ووكالة “الأونروا” هي منظمة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى، التي تم تأسيسها عام 1949 كي تعمل على تقديم الدعم والحماية لحوالي 5.6 مليون لاجيء فلسطيني، مسجلين لديها في الأردن ولبنان وسوريا والضفة الغربية وقطاع غزة، إلى أن يتم إيجاد حل لمعاناتهم.

وفي 21 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، أصدرت منظمة الأمم المتحدة تقريرا يفيد بأن جميع سكان غزة – حوالي 2.2 مليون شخص- “يعانون من أزمة وانعدام حاد للأمن الغذائي”، وأظهر التقرير أن 26% من السكان (نحو 577 ألف شخص) قد استنفدوا إمداداتهم الغذائية وقدراتهم على التكيف، ويواجهون جوعا كارثيا، بينما أفاد خبراء الأمن الغذائي في برنامج الأغذية العالمي، بأن سكان غزة قد فقدوا مواردهم، وانهارت سبل معايشهم، ودُمرت المخابز، وأصبحت المتاجر فارغة، ولا تستطيع الأسر العثور على الطعام أو الماء الصالح للشرب. وتكتمل الكارثة الإنسانية بمسارعة أمريكا وكندا ودول أوروبا واليابان، للمشاركة بقوة في فصول الإبادة المروعة لأبناء غزة، بالتجويع وحرمانهم من كل سبل الحياة.

الدور الأمريكي وتأثيره على العالم الإسلامي

وهذا الموقف الأخير لأمريكا، يمثل استمرارا لسياساتها، التي ظهرت بوضوح منذ بداية الحرب الإسرائيلية على غزة، في تصريحات مسؤوليها وسياسييها البارزين، حيث نتذكر تصريح عضو مجلس الشيوخ الأمريكي، السيناتور “ليندسي جراهام” في لقاء له مع شبكة “سي إن إن” الأمريكية، في الأول من نوفمبر الماضي، حين وجه المذيع له سؤالا عن الحد الأدنى للقتل بالنسبة للحكومتين الأمريكية والإسرائيلية، حيث يكون من المفيد بعدها وقف إطلاق النار؟ فأجاب السيناتور دون تردد: “عندما يتعلق الأمر بسكان غزة، لا يوجد شيء على الإطلاق”، في إشارة واضحة منه، إلى أن أمريكا على استعداد لإبادة سكان غزة جميعا (أكثر من مليوني إنسان) إلى أن تشعر حكومة الاحتلال بالرضا والاكتفاء. وهو ما يتوافق مع تصريح سابق له، خلال مقابلة أجراها مع قناة “فوكس نيوز”، ونشر مقطعا منها في تدوينة على صفحته الرسمية بمنصة أكس (تويتر سابقا) يشرح فيها موقفه، قائلا: “نحن في حرب دينية، وأنا مع إسرائيل، قوموا بكل ما يتوجب عليكم القيام به للدفاع عن أنفسكم، قوموا بتسوية المكان”.

لن أتحدث هنا عن وحشية تصريحات جراهام وهمجيتها، ومدى الصلف والغرور والحقد الأعمى الذي ظهر به سياسي أمريكي بارز، في لقاءات علنية على فضائيات شهيرة يتابعها الملايين، بل عن الدولة التي ينتمي لها هذا المتطرف السادي، وتزعُم أنها حامية حِمى الديمقراطية وحقوق الإنسان.

إنها الدولة التي تعتبر نفسها شريكا أصيلا في كل الجرائم التي يرتكبها الكيان الصهيوني على أرض غزة، بتمويل الإسرائيليين بالأسلحة والطيران والذخائر والأموال، ودعمهم سياسيا وإعلاميا وعلى كافة المستويات. وهي الدولة التي صرح رئيسها “جو بايدن”، أعلى مسؤول سياسي فيها، في 18 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، خلال مؤتمر صحفي في تل أبيب بقوله: “إن إسرائيل لو لم تكن في الوجود، لعملنا على إقامتها، وسنستمر في دعمها”؛ وهو بذلك قد كرر ما قاله سابقا في عام 1986، عندما كان عضوا في الحزب الديمقراطي، حيث أكد وقتها أن إسرائيل هي أفضل استثمار قامت به أمريكا بقيمة 3 مليارات دولار، لحماية مصالحها في الشرق الأوسط.

فكيف يمكن للعالم العربي والإسلامي بعد اليوم النظر لأمريكا على أنها دولة صديقة، أو إقامة علاقات طبيعية معها، أو التعاطي مرة أخرى مع ما تُسوِّقه لنا من قيم ومبادئ، ومع ما تروجه من صورة كاذبة ومضللة لها عبر وسائل الإعلام؟!

مستقبل العالم العربي والإسلامي

حينما نقول ونؤكد أن حرب طوفان الأقصى، هي حدث مفصلي سيعيد كتابة التاريخ، فنحن لا نبالغ أبدا في هذا. ويُدلل على ذلك متابعة سريعة للتحولات الجذرية المذهلة، التي شهدها الرأي العام العالمي، تجاه السردية الإسرائيلية، والصورة النمطية لشرطي العالم وزعيم النظام العالمي الحالي (الولايات المتحدة الأمريكية)، وانكشاف الوجه المُظلم للاستعمار الغربي في منطقتنا، مع انهيار المؤسسات الدولية بالتزامن مع نشوء قناعة عالمية بالتطلع لميلاد حضارة جديدة، يمكنها إعادة ما فقدته أرضنا من قيم إنسانية ومُثلٍ عليا، وأخلاق؛ وتظهر بشائرها في تلك الأعداد المتزايدة التي أعلنت عن اعتناقها لدين الإسلام، بينما يُرجع أصحابها أسباب ذلك -بشكل مباشر- إلى حرب غزة، وما رأوه فيها من تردٍّ للثقافة الغربية في مستنقع سحيق.

أخيرا، يقف العالم وجها لوجه أمام إجابة سؤال العلَّامة “أبو الحسن الندوي”، الذي طرحه في كتابه “ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين؟”، الذي تم نشره في منتصف القرن الماضي، ويتحدث فيه عن تأثير تراجع دور المسلمين على الأمم المعاصرة، وكيف تاهت في دوائر المادية الظالمة والعنف والفردانية والتفسخ والفساد؛ ويتعرض الكتاب لما يمكن أن تكسبه البشرية من عودة المسلمين لقيادة العالم من جديد.

وإن غدا لناظره لقريب.

1 تعليق

  1. عز الاسلام

    هي حملة صليبية حديثة لاستئصال شأفة المسلمين و هي الاخطر بدات من الحملة الفرنسية و تصاعدت في ظل غياب للعرب و المسلمين حتي بلغت ذروتها و لو علمت امريكا و من وراءها انه يوجد عالم عربي و اسلامي لما تجرؤوا ان يقفوا هذا الموقف المشين لا بد لهذه الامة من بعث جديد الله اعلم كيف يكون

    الرد

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

همام ليس في أمستردام!

همام ليس في أمستردام!

لم يكن استدعاء في محله! فعقب الموقف البطولي لأحرار المغرب في العاصمة الهولندية "أمستردام"، استدعى البعض عبر منصات التواصل الاجتماعي اسم فيلم "همام في أمستردام"، ولا يمكن قبول هذا الاستدعاء إلا من حيث أن "القافية حكمت"، فلم يكن هذا الترويج لفيلم خفيف كالريشة، إلا في...

قراءة المزيد
400 يوم من الحرب

400 يوم من الحرب

كيفَ تطحنُ الآلة العسكريّة في شعبٍ أعزلَ على مدى أربعمئة يومٍ ويبقى أهلُها على قيد الوجود؟ إنّ حريقًا واحِدًا شَبّ في روما أيّام نيرون قضى على أكثر من عشرة أحياء في روما من أصلِ أربعةَ عشرَ حَيًّا ودمّر كلّ ما فيها ومَنْ فيها. ليسَ صمودًا اختِيارًا وإنْ كان في بعضِه...

قراءة المزيد
ترامب في البيت الأبيض مجدداً

ترامب في البيت الأبيض مجدداً

لا شك أن الفوز الذي أحرزه الجمهوريون بقيادة دونالد ترامب، الرئيس الأمريكي السابق، والفائز الحالي في انتخابات 2024، يشكل فوزاً تاريخياً، كما قال عنه ترامب نفسه.. هذا الفوز يأتي في مرحلة بالغة التعقيد محلياً ودولياً، حيث يقف المجتمع الدولي فيها على حافة أزمات اقتصادية...

قراءة المزيد
Loading...