الحكم الرشيد في عهد سليمان عليه السلام

بواسطة | يونيو 16, 2023

بواسطة | يونيو 16, 2023

الحكم الرشيد في عهد سليمان عليه السلام

تسلم سليمان -عليه السلام- قيادة الدولة القوية التي أسست على الإيمان والتوحيد وتقوى الله تعالى، وآتاه الله سبحانه وتعالى الملك الواسع والسلطان العظيم بحيث لم يؤت أحد مثلما أوتي، ولكنه أعطى قبل ذلك عطاء أعظم وأكرم؛ هيأه لأن يكون شخصية فريدة متميزة في التاريخ، لقد أعطي النبوة، ومنح العلم وأوتي الحكمة، وذلك مثلما أعطي أبوه من قبل.

كم من قدرات وطاقات هائلة وصل إليها ذلك المشروع بنهضته العلمية.

ونتيجة للتوفيق الرباني والمنهج الرشيد الذي سار عليه سليمان عليه السلام فقد ظهرت في عهده ثمرات نهضوية، وتفوق حضاري في مجالات إنسانية كثيرة، أهمها:
1- النهضة العلمية: وهي كالأساس بالبنية لكل ما ترى من أنواع النهضة يقول سليمان عليه السلام واصفا نفسه وجنده ﴿وأوتينا العلم من قبلها وكنا مسلمين (٤٢)﴾ [النمل: 42].
وانظر إلى التفوق العلمي فقد كان متقدما، أشارت إليه هذه الآية الكريمة: ﴿قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك (٤٠)﴾ [النمل: 40].
فكم من قدرات وطاقات هائلة وصل إليها ذلك المشروع بنهضته العلمية. (القصص القرآني أهدافه وخصائصه، ص193).
2- النهضة الإعلامية: لا أحد يغفل قيمة الإعلام ودوره في أي نهضة، ومن أهم وسائلها الإعلام وقد جاءت الإشارة في قوله تعالى: ﴿اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم ثم تول عنهم فانظر ماذا يرجعون (٢٨)﴾ [النمل: 28]، إلى أهمية استثمار العمل الإعلامي والتواصل الإعلامي، فقد حقق نجاحات باهرة وأهداف خالدة.
3- النهضة العمرانية: وهذا من قوله تعالى: ﴿يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات اعملوا آل داوود شكرا وقليل من عبادي الشكور (١٣)﴾ [سبأ: 13]، وقوله سبحانه: ﴿والشياطين كل بناء وغواص (٣٧)﴾ [ص: 37]؛ وهي عنوان تقدم أي حضارة ونجاحها.
4- نهضة المواصلات والاتصالات: وتظهر في سرعة نقل المعلومات كما في قصة الهدهد، وفي سرعة نقل الأشياء كما في قصة نقل عرش ملكة سبأ، وفي استخدام الريح كذلك في التنقل والنقل، وكل ذلك يدل على تطور ونهضة في مجالي التواصل (الاتصالات والمواصلات) وهو فن هذا العصر.
5- النهضة العسكرية: وهي واضحة بينة لا تحتاج دليلا، ولا توضيح ويكفي فيها وصف سليمان لجنده وثقته بقوته العسكرية: ﴿ارجع إليهم فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها ولنخرجنهم منها أذلة وهم صاغرون (٣٧)﴾ [النمل: 37] وكذلك تظهر في إعداده وتجهيزه لجيشه واستعراضه له واعتنائه بخيله: ﴿إذ عرض عليه بالعشي الصافنات الجياد (٣١)﴾ [ص: 31].
6- النهضة الصناعية: وذلك واضح من كثرة صناعات جند سليمان عليه السلام يقوله سبحانه: ﴿يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات (١٣)﴾ [سبأ: 13].
فهذه أنواع وأشكال أشرت إليها وشرحتها عند حديثي عن الآيات في سورة سبأ، وهي تنم عن نهضة صناعية حقيقة متطورة وراسخة، فبناء المحاريب (أماكن العبادة) التي تمثل الهندسة المعمارية، وإقامة التماثيل التي تشكل الصناعات الزخرفية، وصناعة الجفان (آنية الطبخ) التي مثلت صناعة أدوات المعيشة، وصناعة القدور الراسيات التي تشير إلى الصناعات المعدنية الثقيلة، واستخدامه للنحاس في الصناعة: ﴿وأسلنا له عين القطر﴾ [سبأ: 12]؛ كل ذلك يدل على مقدار التطور الصناعي، والنهضة الصناعية في مشروع سليمان عليه السلام.

اعتبر سليمان عليه السلام العبودية لله أساس القيم كلها، فهي قيمة كلية شاملة مهيمنة على القيم الأخرى، بل على الوجود الإنساني كله

7- النهضة البحرية: وذلك باستثمارهم للبحر، وغوصهم فيها، واستخراجهم من كنوزه، يقول الله تعالى: ﴿ومن الشياطين من يغوصون له﴾ [الأنبياء: 82] ويقول أيضا سبحانه: ﴿والشياطين كل بناء وغواص (٣٧)﴾ [ص: 37]. (القصص القرآني أهدافه وخصائصه، ص193)
8- النهضة التجارية: فكانت ممتدة في البحار بالأساطيل البحرية، وكذلك مع بلاد الشام والعراق ومصر واليمن والعالم القديم، الذي وصلت إليها تجارة دولة سليمان عليه السلام، فقد كان مشروع النهضة الحضاري الذي قاده سليمان من خلال مملكته قائما على:

توحيد الله عز وجل وهو المنهج الذي صحب البشرية منذ نشأتها وعليه قامت الحياة وعمرت الأرض، ومن أجله خلق الله الجن والإنس: ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون﴾ [الذاريات: 56]، ومحاربة الشرك والكفر، والتصدي لأفكاره بالعقل والمنطق وخطاب الأنبياء والمرسلين وتوظيف موكب الرسالات والنبوات في ذلك.
اعتبر سليمان عليه السلام العبودية لله أساس القيم كلها، فهي قيمة كلية شاملة مهيمنة على القيم الأخرى، بل على الوجود الإنساني كله وذلك لأنها تبدأ بالإيمان ربا وإلها مشرعا.
نجح سليمان في تحقيق العبودية لله وعمارة الأرض والعمل بمقومات الاستخلاف فيها، واستخدم سنة الله في عمارتها مستخدما العقل والفطرة والحواس والمنهج الرباني وحقق مفهوم الاستخلاف في الأرض.
قاد حضارة ربانية تحترم وتسعى لعلوم والمعارف، ونظر إلى العلم باعتباره يشمل جميع المعارف الإنسانية سواء كان مصدرها العقل، واكتشاف قوانين الكون والتعرف على المعادن وخواصها، أو الحس والتجربة، أو كانت بتعليم الوحي والشرع الإلهي، فعمل على تنفيذ أحكام الله بين الناس وفي مملكته المتعددة الأجناس والمخلوقات، وتعامل بنجاح مع سنن الله، كسنة الأخذ بالأسباب، والابتلاء والتمكين والتدافع… إلخ

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

"رأيت أطفالًا محروقين أكثر مما رأيت في حياتي كلها، رأيت أشلاء أطفال ممزقة".. هذه كلمات الدكتور مارك بيرلماتر، طبيب يهودي أمريكي، في شهادته حول العدوان الإسرائيلي على غزة. في مقابلة له على قناة CBS، قدم الدكتور بيرلماتر وصفًا صادمًا لمعاناة أطفال غزة.. الدكتور...

قراءة المزيد
جريمة اسمها التعليم!

جريمة اسمها التعليم!

قالوا قديمًا: "عندما نبني مدرسة، فإننا بذلك نغلق سجنًا".. وذلك لأن المدرسة في رأيهم تنير الفكر، وتغذي العقل، وتقوِّم السلوك؛ وذهب بعضهم إلى قياس تحضر الدول والشعوب بعدد مدارسها وجامعاتها. ومع إيماني الخالص بقيمة العلم وفريضة التعلم، فإنني أقف موقفًا معاديًا تجاه مسألة...

قراءة المزيد
أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

لطالما كان اختيار الإنسان لطريق الهداية أو الضلال معضلةً، طرحت الكثير من التساؤلات عن مدى مسؤولية الإنسان نفسه عن ذلك الاختيار في ظل الإيمان بعقيدة القضاء والقدر، وكيف يمكن التوفيق بين مسؤولية الإنسان عن هداه وضلاله، وبين الإرادة والقدرة الإلهية، وما يترتب عليها من...

قراءة المزيد
Loading...