الخطايا السبع

بواسطة | أبريل 12, 2024

بواسطة | أبريل 12, 2024

الخطايا السبع

في حياة كل منا خطيئة أو أكثر!. انعطافة يحيد منها عن الطريق المستقيم، غصة تؤرقه وتثقل روحه وتجهض بعض أمانيه.. وأنا حينما أجلس لأحاسب نفسي وأجادلها، أجدني قد ارتكبت ما يؤسف له حقاً، أذكر منه سبع خطايا، دعني أشاركك إياها علها تنير لك دربك.

الخطيئة الأولى، أن أكون عند توقعات الآخرين: هذا الوهم الذي يسحبني دائماً إلى مساحة من التصنع، مذ كنت صغيراً وحتى اليوم يسكن في ذهني دائماً شبح يشاكسني، يدفعني إلى محاولة أن أكون عند حُسن ظن من حولي وعلى قدر توقعاتهم مني، يدفعني هذا الشبح إلى الالتزام بقواعد الآخر، عدم المغامرة، حساب الخطوات.. والحياة كي تعاش حقاً تحتاج منا إلى بعض الجنون! شيء من كسر المألوف في مساحات عدة، بدءا من مألوف المظهر والملبس وانتهاء بمألوف الأفكار والمعتقدات، تلك الأشياء التي نخشى تغييرها حتى لا يغضب الآخر ويأسف على حسن ظنه فينا!.

وهكذا، مهما حققت من نجاحات تظل في روحي مساحة تائهة، شيء من التحفظ المقيت الذي يجعلني في بعض الأحيان “ممثلا جبانا”، يؤدي دوره المحفوظ الذي يروق للناس!.

الخطيئة الثانية، الحب المشروط: في روايته “يوليوس قيصر” يقول شكسبير على لسان بروتس وهو يبرر قتله لصديقه “أعلم أن كلنا يخطئ، المشكلة أنه جعل أخطائي عصية على الحل”.. والحقيقة أنني كذلك في بعض أحوالي، أقسو وأُعرض عمن أحبهم لا لشيء إلا لأنهم لم يُقدّروا ما فعلت، أو يثمنوا تضحية قمت بها، شيء في النفس يريد قطف ثمرة المعروف بشكل آني سريع، أحتمي خلف صحة موقفي وقوة حجتي معرضاً عن التبرير أو الأسف، أجعل أخطاءهم عصية على الإصلاح والمعالجة، والحقيقة أنني أؤلمهم كثيراً.

الخطيئة الثالثة، الاطمئنان إلى ما لديّ: حتى وقت قريب كنت مطمئناً إلى ما تكوَّن لدي من رؤى وقناعات، وأن الحق هو ما أقول وأدعي، قيدتني الأيديولوجيا كثيراً عن رؤية الجانب الآخر من شاطئ الحياة، والاستفادة ممن صنفتهم في معسكر الأعداء؛ كان لدي فن أحبه، أدب أقرؤه، منهج أرتاح إليه، فكرة متوحد معها، وقد لا يكون هذا مشكلة في ذاته، المشكلة كانت في حرصي على أن أُقيِّم كل شيء بناء على ما لدي، وأزن الآخرين بميزاني الخاص، والذي أثبتت التجربة أن رمانته لم تكن في المنتصف، وأنني كنت من المطففين!.

الخطيئة الرابعة، ركوب القطار وهو يتحرك: للأسف أنا من مدمني الدقائق الأخيرة، صرت لا أنجز عملاً إلا حينما تحين ساعة الصفر، يوقعني هذا في مشكلات كثيرة، مُعدّي البرامج التلفزيونية توقفوا عن مهاتفتي بعدما أصيب بعضهم بضغط الدم! مكبرات الصوت في مطار القاهرة قد ألفت اسمي وقد اقترن كثيراً بعبارة “النداء الأخير للراكب ..”، في المناسبات الاجتماعية صار وصولي في موعدي نادرة تستحق الملاحظة والثناء الكثير.

الخطيئة الخامسة، عدم الاستثمار في الترحال: مؤلم أنه جاء متأخّراً اكتشافي أن جزءاً من وعي وثقافة وإدراك الواحد منا في سيره في الأرض، ومعايشة خلق الله في أرضه الواسعة، والاطلاع على جزء من براح الكون الواسع.. كنت أتصور أن أعظم اكتشاف في الكون هو الكتاب، وما يحمله بين دفتيه من معارف وأطروحات، وأن الاستثمار الأول يجب أن يكون في العلم، والحقيقة أن لا، الشيء الأعظم من هذا هو الترحال، هو قراءة وجوه الناس وسلوكياتهم وطباعهم ودوافعهم النفسية، يخبرنا السفر كم نحن صغار فنتواضع، كم نحن بسطاء المعرفة فنتعلم، كم نحن حمقى حينما نظن أن الحياة هي فقط ذلك الصندوق الذي نعيش فيه.

الخطيئة السادسة، الخوف من قادم الأيام: ربما يعود هذا إلى تربيتي، فأنا – كواحد من سواد هذا الشعب المطحون- تربيت على معانٍ تتعلق بتأمين المستقبل، ووجوب تجهيز القرش الأبيض كي ينقذنا في اليوم الأسود؛ ومع الوقت وقعت في دوامة التفكير في الغد والذهول عن اليوم، وجدتني وقد صرت ترساً في ماكينة الخوف والتوجس، وصار جزء من وعيي مرتبطا باقتناص الفرص واهتبالها، حيث الفرصة لا تأتي سوى مرة واحدة كما أخبروني! أورثني هذا خللاً في العقيدة، عقيدة الإيمان بفلسفة الرزق وقدرة الرازق، أعترف بهذا!.

إنني – وحتى عهد قريب- كان اطمئناني متعلقاً برصيدي البنكي، واتزاني النفسي خاضعاً لتقييمات مادية بحتة، ورضاي عن نفسي متوقفاً على قدرتي في تأمين مستقبل أبنائي؛ ورغم أن مشواري الصغير في الحياة أثبت لي عكس هذه النظرية، وأن الله ـ جل اسمه ـ كان دائماً ما يفجؤني بعكس ما أظن، فيسبغ عليَّ نعماً وأفضالاً ما كنت لأحصلها بجهدي وذكائي.. الواقع أن كل شيء من حولي يخبرني أن خزائن الله واسعة، ورزقه ممدود، وعطاءه واسع، إلا أن الخوف الموروث كان يعمي عيني عن رؤية هذا الشيء وإدراكه.

الخطيئة السابعة، تحميل نفسي فوق طاقتها: بالرغم من التصريح الذي يقرع الآذان، والذي يخبرنا به الله سبحانه وتعالى {لا يكلّف الله نفساً إلا وسعها}، فإنني كنت أكلف نفسي كثيراً فوق وسعها.. في فترات من حياتي كلفتها عظيماً حينما طمحت في أشياء لم تكتب لي، ومددت عيني إلى ما فضل الله به بعض خلقه، ولم أبذل جهداً لرؤية ما وهبني الله من نعم ومواهب وقدرات فأبذل جهدي في تنميتها واستثمارها الاستثمار الأكمل؛ وكلفتها كثيراً أيضاً حين ارتضيت لنفسي دوراً أقل من قدراتي ومواهبي، حين تمكّن مني رضا كاذب عن نفسي وقد كانت قدراتي أكبر وأعظم مما أنا فيه! الحقيقة أن كلا الأمرين كان شراً خالصاً، مد العين إلى ما لم يكتب لي يورثني عجز التطاول والقفز أعلى من قدرتي، وكذلك الرضا بالقليل من الطموح يورثني هم الشعور بأنني في مكان أدنى مما أستحق وأريد.

 هذه سبع خطايا عرقلتني كثيراً في مشوار حياتي، بعض منها غلبته، والبعض الآخر يغلبني.. احذرها يا صديق، فإنها قاتلة.

8 التعليقات

  1. رحيق شهاب الدين

    شكراً جزاك الله خيراً وبارك الله فيك أستاذ كريم، ومنكم دائماً نتعلم ونستفيد.

    أنار الله دربك وأكرمك وأزال كل عثرة في طريقك وعوضك العوض الجميل🤍.

    الرد
  2. وفاء محمد محمود

    احسنت النشر وجزاك الله خيرا
    كلنا عندنا خطايا بنحاعنتعافى منها

    الرد
  3. إكرام الخروبي

    شكرا على كل مرة تشاركنا فيها من تحاربك وهفواتك لنعنبر منها جعلها الله في ميزان حسناتك ايها الكاتب الرائع

    الرد
  4. إكرام الخروبي

    شكرا على كل مرة تشاركنا فيها من تجاربك وهفواتك لنعتبر منها جعلها الله في ميزان حسناتك أيها الكاتب الرائع

    الرد
  5. حمر عبدالخالق

    شكرآ كثيرا على ما تقدمه وجزاكم الله خيرا اخي الكريم

    الرد
  6. رحيق شهاب الدين

    شكراً جزاك الله خيراً وبارك الله فيك أستاذ كريم، ومنكم دائماً نتعلم ونستفيد.

    أنار الله دربك وأكرمك وأزال كل عثرة في طريقك وعوضك العوض الجميل.

    الرد
  7. منه نديم

    ❤️❤️❤️

    الرد

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

"رأيت أطفالًا محروقين أكثر مما رأيت في حياتي كلها، رأيت أشلاء أطفال ممزقة".. هذه كلمات الدكتور مارك بيرلماتر، طبيب يهودي أمريكي، في شهادته حول العدوان الإسرائيلي على غزة. في مقابلة له على قناة CBS، قدم الدكتور بيرلماتر وصفًا صادمًا لمعاناة أطفال غزة.. الدكتور...

قراءة المزيد
جريمة اسمها التعليم!

جريمة اسمها التعليم!

قالوا قديمًا: "عندما نبني مدرسة، فإننا بذلك نغلق سجنًا".. وذلك لأن المدرسة في رأيهم تنير الفكر، وتغذي العقل، وتقوِّم السلوك؛ وذهب بعضهم إلى قياس تحضر الدول والشعوب بعدد مدارسها وجامعاتها. ومع إيماني الخالص بقيمة العلم وفريضة التعلم، فإنني أقف موقفًا معاديًا تجاه مسألة...

قراءة المزيد
أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

لطالما كان اختيار الإنسان لطريق الهداية أو الضلال معضلةً، طرحت الكثير من التساؤلات عن مدى مسؤولية الإنسان نفسه عن ذلك الاختيار في ظل الإيمان بعقيدة القضاء والقدر، وكيف يمكن التوفيق بين مسؤولية الإنسان عن هداه وضلاله، وبين الإرادة والقدرة الإلهية، وما يترتب عليها من...

قراءة المزيد
Loading...