الدولة العربية كآلة قتل فتّاكة
بقلم: خليل العناني
| 24 أبريل, 2023
مقالات مشابهة
-
السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط
لم تمرّ إلا ساعات فقط بعد إعلان الرئيس الأمريكي...
-
“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟
خلال زيارتي لنائب مدير جامعة السلطان محمد الفاتح...
-
في موقعة أمستردام.. لم تسلم الجرّة هذه المرة !
تقول العرب في أمثالها: "ما كل مرة تسلم الجرة".....
-
عمر بن عبد العزيز والتجربة الفريدة
حين ظهرت له أطلال المدينة المنورة، أيقن الشاب...
-
هيكل: حكايات من سيرة الأستاذ الكاهن (2)
هيكل والسادات مضت السنوات وابتعد محمد حسنين هيكل...
-
أعرني قلبك يا فتى!
أعرني قلبك يا فتى، فإن الأحداث جسام، والأمور على...
مقالات منوعة
بقلم: خليل العناني
| 24 أبريل, 2023
الدولة العربية كآلة قتل فتّاكة
يفوق عدد ضحايا القمع في العالم العربي، كل ضحايا الحروب الخارجية التي خاضتها الدول العربية الحديثة، منذ نشأتها قبل حوالي قرن وحتى الآن. وجردة سريعة لضحايا الأنظمة العربية، التي وصلت إلى السلطة في مرحلة ما بعد الاستقلال، تكشف حجم العنف الذي مارسته الدولة العربية، وما تزال، ضد شعوبها ومواطنيها. فقد تحوّلت تلك الدولة من “جهاز بيروقراطي” من المفترض أن يعمل لصالح الشعوب، إلى “آلة قتل” فتاكة، تحتكر العنف تحت غطاء من الشرعية الشكلية، حسب منطق المفكر الألماني الشهير “ماكس فيبر” الذي يعرّف الدولة بأنها “الجهاز الشرعي المحتكر للعنف”.
ففي سوريا وحدها، وخلال مدة لا تزيد على عشرة أعوام، سقط ما يقرب من نصف مليون قتيل على الأقل، قُتل معظمهم بالبراميل المتفجرة، التي كانت تلقيها طائرات النظام السوري وميليشياته، على قرى وأحياء بكاملها، فتحولها ركاما ورمادا؛ وذلك قبل أن يدخل الطيران الروسي على الخط أواخر عام 2015، ويشارك في عملية القتل والإبادة بحق السوريين الأبرياء. ناهيك عن إصابة ما يقرب من مليوني شخص بجروح وإعاقات مختلفة، وتشريد ما يقرب من 12 مليون شخص داخل وخارج سوريا، وذلك بحسب أرقام جهات عديدة، مثل البنك الدولي ومنظمات حقوق الإنسان المحلية والدولية؛ فضلاً عن آلاف المختفين قسريا في سجون النظام السوري، منذ الثمانينات وحتى الآن، الذين لا يُعرف أقتلوا أم ما زالوا على قيد الحياة! وقد فاق إرهاب بشار الأسد ما فعله أبوه حافظ الأسد وعمّه رفعت الأسد اللذين دكّا مدينة “حماه” بالمدفعية الثقيلة أوائل الثمانينات، ولم تأخذهم بالسوريين رحمة ولا شفقة.
في الجزائر راح ضحية القمع والاستبداد عشرات الآلاف من الأشخاص، وذلك نتيجة للصراع السياسي على السلطة خلال التسعينات؛ وهو العنف الذي كان نتيجة لرفض جنرالات الجيش التنازل عن السلطة
وبالمثل فعل صدام حسين في العراق حين ارتكب مجاز بشعة ضد الشيعة والأكراد، أواخر الثمانينات وأوائل التسعينات من القرن الماضي، راح ضحيتها آلاف الأشخاص؛ وقد وصل الأمر إلى استخدام الأسلحة الكيماوية، كما حدث في مذبحة “حلبجة” ضد الأكراد في مارس من عام 1988.
أيضا مارس العقيد الليبي معمر القذافي كل أنواع القتل والتنكيل بمعارضيه، سواء قبل الثورة الليبية أو بعدها؛ ولا تزال مذبحة “سجن أبو سليم” الشهيرة، والتي راح ضحيتها ما يقرب من 1200 شخص في يوم واحد، منتصف عام 1996، واحدة من أسوأ المذابح في تاريخ ليبيا الحديث. ناهيك عن قتل واستهداف العشرات من المعارضين السياسيين، في العواصم العربية والغربية، الذين كان يصفهم بـ”الكلاب الضالة”.
وفي الجزائر راح ضحية القمع والاستبداد عشرات الآلاف من الأشخاص، وذلك نتيجة للصراع السياسي على السلطة خلال التسعينات؛ وهو العنف الذي كان نتيجة لرفض جنرالات الجيش التنازل عن السلطة، لصالح الشعب وممثليه الذين تم انتخابهم في الانتخابات المحلية والتشريعية، أوائل التسعينات من القرن الماضي؛ فكانت النتيجة دخول البلاد في موجة من الحرب الأهلية، التي سقط ضحيتها عشرات الآلاف من القتلى فيما يُعرف بـ”العشرية السوداء” التي لم تتوقف إلا بعد عملية مصالحة وطنية شاملة من خلال “ميثاق العفو والمصالحة” الذي أطلقه الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة أواخر التسعينات.
وفي السودان ارتكب نظام الرئيس السابق عمر البشير مجازر مروّعة، في دارفور وغيرها من المناطق، وتسبب في انقسام البلاد وضياع ثرواتها، ووصولها إلى حالة الاحتراب الأهلي الراهنة بين الجيش السوداني وميليشيات “الدعم السريع”.
وفي تونس تم اعتقال وتعذيب الآلاف منذ عهد بورقيبة منتصف الخمسينات، واستكمل المسيرة نظام بن علي حتى سقوطه أواخر عام 2010. والآن يحاول الرئيس التونسي قيس سعيِّد استنساخ تجربة بن علي القمعية، ولكن في نسخة أكثر حمقا ورداءة.
عمليات القتل البطيء التي تجري في السجون والمعتقلات العربية بعيدا عن الرقابة وعن أعين الإعلام، نتيجة للإهمال الطبي، وذلك على غرار ما حدث مثلا مع الرئيس المصري السابق محمد مرسي، الذي سقط مغشيا عليه أثناء محاكمته في شهر يونيو 2019
أما في مصر، فقد قتلت السلطوية العسكرية آلاف الأشخاص تحت وطأة القمع والتعذيب، وذلك منذ عهد عبد الناصر وحتى اليوم. وستظل مجازر ما بعد انقلاب الثالث من يوليو 2013، خاصة مجزرتي “رابعة” و”النهضة” اللتين وقعتا في 14 أغسطس 2013، بمثابة أكبر عملية قتل جماعي في تاريخ مصر الحديث، وذلك حسبما وصفتها منظمة “هيومان رايتس ووتش”.
أضف إلى ما سبق، عمليات القتل البطيء التي تجري في السجون والمعتقلات العربية بعيدا عن الرقابة وعن أعين الإعلام، نتيجة للإهمال الطبي، وذلك على غرار ما حدث مثلا مع الرئيس المصري السابق محمد مرسي، الذي سقط مغشيا عليه أثناء محاكمته في شهر يونيو 2019؛ فضلا عن حالات التصفية الجسدية، التي يتم ارتكابها في أكثر من بلد عربي، تحت ذريعة “الحرب على الإرهاب” وذلك على نحو ما تفعل ميليشيات حفتر في ليبيا حاليا. وإذا ما أضفنا إلى ذلك حالات الموت، التي يسببها فشل السياسات الصحية للدول العربية، والتي يذهب ضحيتها الآلاف من المواطنين العرب، فإن عدد القتلى سيصل إلى الملايين.
هذه الجرائم، وغيرها، حوّلت الدولة العربية من جهاز إداري وبيروقراطي، وظيفته الرئيسة خدمة المواطنين إلى “آلة قتل” فتاكة تتغذى على الدم. كما أنها حوّلت تلك الدولة، من مؤسسة شرعية تحتكر العنف إلى مجرد جهاز عصابوي (من عصابة) متخصص في نهب وسرقة أموال وثروات الشعوب؛ ومن يعترض على ذلك يتم نفيه أو قتله أو إخفاؤه قسرياً! وقد ازدادت هذه الدولة وحشية بعد الربيع العربي، وذلك خوفا من أن يتم تفكيك استبدادها وتقليم أظافرها.
وقد لا يكون العرب استثناء في هذا الصدد، فجرائم الاستبداد والسلطوية قديمة قدم الإنسان، ولكن ادعاء الدولة العربية، ونخبتها الحاكمة ومن يدور في فلكها، بأنها الأحق بالاستحواذ على السلطة في مرحلة ما بعد الاستقلال، بل والأقدر على ممارستها، يتنافى كليا مع جرائمها في حق شعوبها. وهي هنا لا تختلف كثيرا عن الجماعات الراديكالية العنيفة التي تخوض هذه الدولة حربا معها منذ عقود عدة. فهذه الجماعات تقتل باسم “الدين”، بينما الدولة العربية (مجازا!) تقتل باسم “هيبة الدولة” والحفاظ على الأمن والاستقرار. أما الأنكى، فهو أنه إذا كان إرهاب الجماعات الراديكالية عابر ومؤقت، فإن إرهاب الدولة العربية باق ويزداد سوءا، وقد أصبح جزءا أصيلا من روتين الحياة اليومية التي يكابدها المواطن العربي.
أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
وقد استجاب القضاء لدعوة الرئيس.. ماذا ينتظر المستأجرون؟!
ذكّرني القول إن المحكمة الدستورية العليا في مصر استجابت لدعوة الرئيس في إصدار حكم، بما مضى. فدائما تذكّرنا القدرات المتواضعة الآن بعهد الرئيس مبارك، فلا يعرف قيمة أمه إلا من يتعامل مع زوجة أبيه، وكثيرون صار شعارهم "رُبّ يوم بكيت منه، فلما مضى بكيت عليه". ولست من هؤلاء...
السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط
لم تمرّ إلا ساعات فقط بعد إعلان الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب نيته تعيين حاكم أركنساس السابق "مايك هاكابي" ليكون سفيرًا للولايات المتحدة لدى إسرائيل وهو المعروف بدعمه منقطع النظير للاستيطان، خاصة في الضفة الغربية التي يعتبرها جزءاً من أرض الميعاد كما يقول،...
“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟
خلال زيارتي لنائب مدير جامعة السلطان محمد الفاتح في إسطنبول، البروفيسور المؤرخ زكريا كورشون، كنت أتحدث معه عن آخر إصداراته، فحدثني عن كتابه "العرب العثمانيون"، ومقصد الكتاب تبيان عمومية النظام السياسي في الإسلام لجميع الأعراق والأجناس في ظل الدولة الواحدة . فالإسلام...
0 تعليق