السيناتور الأمريكي و”سبائك الذهب”

بواسطة | سبتمبر 28, 2023

بواسطة | سبتمبر 28, 2023

السيناتور الأمريكي و”سبائك الذهب”

قبل أسبوع وجّهت وزارة العدل الأمريكية لائحة اتهامات للسيناتور الديمقراطي، ورئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي، بوب مينينديز، تتعلق بالفساد والحصول على رِشاً مالية بمئات الآلاف من الدولارات، وسبائك ذهبية، وذلك مقابل استخدام سلطته ونفوذه من أجل حماية وإثراء ثلاثة رجال أعمال، وتقديم خدمات غير مشروعة للسلطات المصرية، وذلك حسب ما ورد في نص لائحة الاتهامات.
ولولا أن الأمر جاء من جهة رسمية أميركية، وأصبح معلنا وكان، ولا يزال، حديث الساعة بأميركا وخارجها، لاعتقدنا أنه فيلم جديد من أفلام التشويق والإثارة أنتجه صنّاع السينما في “هوليود”، وذلك ليس فقط بسبب حجم ووزن الأطراف المتورطة في هذه الفضيحة، وأهمهم السيناتور مينينديز والسلطات المصرية، ولكن أيضا بسبب الطريقة التي جرى بها الموضوع منذ البداية.
ففي التفاصيل أن أحد رجال الأعمال المصريين، أو هكذا يتم تعريفه في الإعلام الأمريكي، اسمه “وائل حنا” تعرّف على سيدة أرمينية من أصول لبنانية اسمها “نادين أرسانيلان” قبل عدة أعوام، في الوقت نفسه الذي تعرّفت فيه هذه السيدة على السيناتور مينينديز حين التقت به مصادفة في أحد المطاعم بولاية نيوجيرسي أواخر عام 2018، وبعد علاقة بينهما استمرت حوالي عام، قررا الزواج في أكتوبر عام 2019. وعلى ما يبدو فإن “حنا” ونادين كانا همزة الوصل بين مينينديز والسلطات المصرية، حيث تم -حسب لائحة الاتهامات الموجهة للسيناتور- ترتيب أكثر من لقاء بينه وبين مسؤولين مصريين، وذلك من أجل استخدام نفوذه وصلاحياته كرئيس للجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ من أجل تمرير المساعدات العسكرية الأمريكية السنوية لمصر والتي تصل إلى حوالي 1.3 مليار دولار.
وجاء في لائحة الاتهام أيضا أنه في مقابل وعد مينينديز بمساعدة مصر على الاستفادة من المبيعات العسكرية الأميركية، كافأ “حنا” نادين بأن أعطاها وظيفة في شركته دون حضور، وكذلك دفع ما يقرب من 23 ألف دولار من أقساط الرهن العقاري عليها. وحين قامت السلطات الأمريكية بتفتيش منزل مينينديز، في يونيو عام 2022، عثروا على حوالي 13 سبيكة ذهبية و480 ألف دولار نقدا.
أما الأكثر إثارة، وغرابة في الوقت نفسه، فإن السيناتور مينينديز كان قد أخفى الرشا التي حصل عليها، في ملابسه بمنزله، وذلك دون أن يهتم باستبدال المظاريف التي كانت عليها بصمات أصابع رجال الأعمال المتورطين معه، والمرتبطين بالسلطات المصرية؛ بل إنه حين عاد من مصر بعد زيارة غير رسمية، دخل على شبكة الإنترنت وبحث في محرك البحث “جوجل” عن “سعر سبائك الذهب” التي حصل عليها مقابل خدماته، وذلك في مشهد سوريالي لا يمكن لأحد تصوره.
كما أنه أيضا، بسذاجة ورعونة، وربما بثقة وغرور وعدم اكتراث أيضا، تبادل بعض الرسائل النصيّة مع زوجته، أبلغها فيها بما يجري داخل الكونغرس، خاصة ما يتعلق بتمرير المساعدة العسكرية لمصر، وقامت زوجته بدورها بإيصالها إلى “حنا” الذي أبلَغها للمسؤولين المصريين. كذلك اجتمع مينينديز مع مسؤولين عسكريين واستخباريين مصريين من أعلى المستويات، سواء في مكتبه، أو أثناء زياراته للقاهرة، وذلك دون حضور أي من موظفي مكتبه أو من مسؤولي لجنة العلاقات الخارجية بالكونجرس، وذلك خلاف ما يقتضيه القانون الأميركي، وتفرضه الأعراف التشريعية.
المشهد عبثي بامتياز، فنحن أمام سياسي أميركي من مستوى رفيع، يحتل منصبا قويا ومهما داخل المؤسسة التشريعية الأمريكية (الكونجرس)، يتآمر لصالح نظام سلطوي، أفقر شعبه وأثقل كاهله بمليارات الديون الخارجية، وقد وصلت إلى أكثر من 165 مليار دولار، في حين يدفع رشاً بمئات الآلاف من الدولارات وسبائك ذهبية، عن طريق رجل أعمال مصري مسيحي، احتكر بمساعدة السلطات المصرية “بيزنس” إعطاء تراخيص “اللحوم الحلال” التي يتم تصديرها من مصر لأميركا، كان على علاقة بامرأة لبنانية، تزوجت لاحقا من ذلك السيناتور، واستغلت منصبه ونفوذه لمساعدة ذاك النظام السلطوي في تمرير معونة عسكرية أميركية بأكثر من مليار دولار، وذلك مقابل الحصول على مزايا مادية من صديقها رجل الأعمال المصري.. دراما مصرية أميركية لا ينقصها سوى مخرج وكاميرا كي تصبح فيلما سينمائيا مبهرا.
ليست المرة الأولى التي يتورط فيها السيناتور مينينديز، فقد تم اتهامه بالفساد والرشوة عام 2015، حين استغل نفوذه السياسي لمساعدة طبيب عيون ثري، مقابل الحصول على هدايا ثمينة وصلت قيمتها إلى حوالي مليون دولار، شملت تبرعات انتخابية، وإجازات صيفية في منطقة البحر الكاريبي؛ ولكنه أفلت حينها من العقاب نتيجة لوقوع انقسام في هيئة المحلفين التي كان من المفترض أن تصدر أحكامها ضده، وتم إغلاق القضية نتيجة لذلك.
أسئلة كثيرة تثيرها مسألة فساد السيناتور وتورطه بهذا ِلصالح دولة أجنبية، والمخاطرة بمستقبله السياسي عبر تقديم الدعم لواحد من أكثر الأنظمة سلطوية في العالم، وبما يناقض كافة القيم التي من المفترض أن السيناتور مينينديز تم انتخابه على أساسها أكثر من مرة، وأهمها الشفافية والاستقامة والعدالة؛ ولكن ذلك في الوقت نفسه يكشف حجم العيوب والخلل الذي أصاب النظام السياسي الأمريكي ونخبته الحاكمة.

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

"رأيت أطفالًا محروقين أكثر مما رأيت في حياتي كلها، رأيت أشلاء أطفال ممزقة".. هذه كلمات الدكتور مارك بيرلماتر، طبيب يهودي أمريكي، في شهادته حول العدوان الإسرائيلي على غزة. في مقابلة له على قناة CBS، قدم الدكتور بيرلماتر وصفًا صادمًا لمعاناة أطفال غزة.. الدكتور...

قراءة المزيد
جريمة اسمها التعليم!

جريمة اسمها التعليم!

قالوا قديمًا: "عندما نبني مدرسة، فإننا بذلك نغلق سجنًا".. وذلك لأن المدرسة في رأيهم تنير الفكر، وتغذي العقل، وتقوِّم السلوك؛ وذهب بعضهم إلى قياس تحضر الدول والشعوب بعدد مدارسها وجامعاتها. ومع إيماني الخالص بقيمة العلم وفريضة التعلم، فإنني أقف موقفًا معاديًا تجاه مسألة...

قراءة المزيد
أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

لطالما كان اختيار الإنسان لطريق الهداية أو الضلال معضلةً، طرحت الكثير من التساؤلات عن مدى مسؤولية الإنسان نفسه عن ذلك الاختيار في ظل الإيمان بعقيدة القضاء والقدر، وكيف يمكن التوفيق بين مسؤولية الإنسان عن هداه وضلاله، وبين الإرادة والقدرة الإلهية، وما يترتب عليها من...

قراءة المزيد
Loading...