الشباب العربي وبوابة التاريخ

بواسطة | أبريل 18, 2023

بواسطة | أبريل 18, 2023

الشباب العربي وبوابة التاريخ

يقال: “من لا تاريخ له لا حاضر له”، فالتاريخ دوما هو الحافز الدافع والمحرك للوجود الإنساني ليتقدم ويُحرز شيئا، ولا أدل على ذلك التحرك مما نراه من تلهف الشباب العربي المسلم في زماننا إلى التعرف على حكاية الحضارة العربية الإسلامية، التي ما زال العرب والمسلمين حتى اليوم يطمحون لإعادة أمجادها التي سطرها أجدادهم في شتى الفنون والمعارف والميادين، وذلك التاريخ يدفعهم نحو المجد الذي تربعوا على عرشه يوما ما، حيث كانوا منارة للعالم والأمم. فالتاريخ البشري علم تخصص به الدارسون والعارفون، وأفردوا له جانبا عظيما من الاهتمام والعناية.
فجميعنا نعلم أن التاريخ يدرس الماضي، والأحداث التي وقعت فيه وتفسيرها، ويمثل سجلا للحركة الإنسانية على مر العصور. والنظر في حوادثه يبصرنا بالعالم الذي نعيش فيه اليوم وتطوره، لنفهمه ونتعرف أيضا على انسيابية  الحضارات، والدول والجماعات البشرية، وتَشكُّلها بشكل عام. فالتاريخ يعتبر من أهم العلوم التي تتناول الأحداث والمواقف التي مرت بها البشرية على مر العصور.
وفي عالمنا العربي نجد أن دراسة التاريخ تعتبر ضرورة ملحة وأهمية كبيرة للشباب العربي، إذ إنها تساعد على فهم الهوية الثقافية والتاريخية للمجتمع العربي، وكذلك تطوير مهارات التفكير النقدي والتحليلي للأحداث، وربطها بالواقع لاستخراج الدروس والعبر والثمرات المتعقلة بكل جوانب الحياة.
فالحضارة العربية الإسلامية قد أثرت كثيرا على مجريات التاريخ الإنساني من بعد ظهورها على الساحة العالمية، فالعصر العربي الإسلامي شهد تطورا لا مثيل له في الفن والعلوم والفكر والصناعة وأنظمة الحكم وغيرها.

تفيد دراسة التاريخ أيضا في تشكيل الوعي للشباب العربي، وتساعدهم على تكوين رؤية أوضح وأكثر شمولية للتحديات والفرص التي تواجههم في المجتمع

وفي هذا السياق، فالتاريخ ودراسة الشباب العربي له يساعدهم على تنمية مهارات البحث والتحليل، وتفسير واقعهم السياسي والاقتصادي والمجتمعي، وكذلك التنبؤ بالتغييرات المستقبلية المحتملة، المتعقلة بالجوانب الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية.
وتفيد دراسة التاريخ أيضا في تشكيل الوعي للشباب العربي، وتساعدهم على تكوين رؤية أوضح وأكثر شمولية للتحديات والفرص التي تواجههم في المجتمع، وإيجاد الحلول للمعضلات التي تواجههم خصوصا، وتواجه العالم بشكل عام.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن دراسة التاريخ تعزز الانتماء العروبي الإسلامي، وتبني الثقافة العربية والإسلامية كهوية ومرجعية للشباب العربي، من خلال التعرف على القيم والمبادئ التي تتميز بها هذه الثقافة، والتي يمكن أن تساعد في تطوير المجتمع العربي وتحسين جودة حياة الناس.
لذا يجب على المجتمع العربي بشكل عام، وعلى المؤسسات التعليمية والثقافية بشكل خاص، تعزيز أهمية دراسة التاريخ وتشجيع الشباب على الاهتمام به، وتوفير الإمكانيات اللازمة لذلك. وهذا يمكن أن يساعد في بناء جيل مثقف ومتعلم يساهم في تطوير المجتمعات العربية ويشارك في بناء مستقبل أفضل للجميع.
ولا ننسى بأن التاريخ العربي مليء بتجارب الأجداد في مواجهة التحديات التي واجهتهم، وكيفية تجاوزها، وتطوير المجتمعات التي عاشوا فيها. ويمكن استخدام هذه الدروس في التعامل مع التحديات الحالية التي تواجه المجتمعات العربية.

الشعوب والأنظمة العربية والإسلامية تواقة لمعرفة كيفية التعلم من الأخطاء التي ارتكبها أجدادهم، والحفاظ على الإنجازات التي حققوها

وأما على مستوى الذاكرة التاريخية، فتعلم التاريخ يساهم في تنمية الذاكرة التاريخية لدى الشباب العربي، حيث يتعلمون وظيفة الاستحضار والإسقاط التاريخي، وتوظيف الأحداث الماضية في فهم واقعهم من خلال الذاكرة التاريخية.
ودراسة التاريخ تتطلب قدرا لا بأس به من المهارات العقلية والمنطقية لفهم و تحليل وتقييم المصادر التاريخية والأحداث التاريخية وتوثيقها. وهنا يأتي دور الجامعات العربية ودور المعرفة في توجيه الطاقات والقدرات التعليمية، لبناء منهج تعليمي تاريخي يجمع بين الرصانة و الأصالة المعرفية، وبين التشويق التعليمي لمادة التاريخ في المدارس والجامعات العربية.
فالشعوب والأنظمة العربية والإسلامية تواقة لمعرفة كيفية التعلم من الأخطاء التي ارتكبها أجدادهم، والحفاظ على الإنجازات التي حققوها، ويمكن لها الاستفادة من هذه الدروس في الحياة اليومية وفي صنع القرارات الحكيمة التي تخلق حكما راشدا فعالا.
فالتاريخ يقدّم نماذج حية للناجحين والمبادرين، فهو سجل طافح بالنماذج الإيجابية التي يمكن أن يرى الإنسان بها نفسه في أي زمان ومكان، فالتاريخ فيه معلومات عن الأنبياء وهم ذروة وصفوة الخلق، والتجربة النقية للبشرية ومنبع الاقتداء. وكذلك عن العلماء والمفكرين والمبدعين من الفنانين والفلاسفة والحكماء وغيرهم. فكل هؤلاء استطاعوا إضافة الكثير للتاريخ والإنسانية، وقراءة سيرهم تفيد الشباب العربي في إيجاد وقود غير ناضب للهمم، والتحفيز المستمر في صناعة واقع و مستقبل أفضل.
فحكاية الماضي وأخبار الأمم السابقة والشعوب السالفة ليست للتسلية والنزهة بين الوريقات وقضاء الأوقات في سماع الأخبار، وإنما العبرة من دراسة تلك الحقب والتجارب البشرية هي أن نحولها واقعا أمام أعين الشباب ونجعلها منبعا للحلول لمشاكل مستعصية عليهم، ففي القرآن الكريم يقول الله تعالى: {قل سيروا في الأرض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين}[سورة الأنعام: 11].
ولا ننسى ما يفعله أعداء الأمة العربية والإسلامية من حملات لتشويه التاريخ العربي الإسلامي، وربطه بالإرهاب والرجعية والتخلف. ونجد أن لهذه الحملات أثرا في نفوس بعض الشباب العربي، من خجلهم من دراسة تاريخهم وتواريهم عنه، وطرحه  للأمم الأخرى. وما ذلك الا لتمكن روح الانهزامية وترك الجدية في طلب علم التاريخ من مصادره الصحيحة، وكيفية ربط أحداثه وتفسيرها وشرحها والإستفادة منها. ولا ننسى أن التشويق والترغيب عامل مهم لتحفيز الشباب العربي لدراسة علم التاريخ و الإقبال عليه.

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

"رأيت أطفالًا محروقين أكثر مما رأيت في حياتي كلها، رأيت أشلاء أطفال ممزقة".. هذه كلمات الدكتور مارك بيرلماتر، طبيب يهودي أمريكي، في شهادته حول العدوان الإسرائيلي على غزة. في مقابلة له على قناة CBS، قدم الدكتور بيرلماتر وصفًا صادمًا لمعاناة أطفال غزة.. الدكتور...

قراءة المزيد
جريمة اسمها التعليم!

جريمة اسمها التعليم!

قالوا قديمًا: "عندما نبني مدرسة، فإننا بذلك نغلق سجنًا".. وذلك لأن المدرسة في رأيهم تنير الفكر، وتغذي العقل، وتقوِّم السلوك؛ وذهب بعضهم إلى قياس تحضر الدول والشعوب بعدد مدارسها وجامعاتها. ومع إيماني الخالص بقيمة العلم وفريضة التعلم، فإنني أقف موقفًا معاديًا تجاه مسألة...

قراءة المزيد
أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

لطالما كان اختيار الإنسان لطريق الهداية أو الضلال معضلةً، طرحت الكثير من التساؤلات عن مدى مسؤولية الإنسان نفسه عن ذلك الاختيار في ظل الإيمان بعقيدة القضاء والقدر، وكيف يمكن التوفيق بين مسؤولية الإنسان عن هداه وضلاله، وبين الإرادة والقدرة الإلهية، وما يترتب عليها من...

قراءة المزيد
Loading...