“الصحوة” في أفريقيا ودور تركيا
بقلم: نديم شنر
| 7 أغسطس, 2023
مقالات مشابهة
-
السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط
لم تمرّ إلا ساعات فقط بعد إعلان الرئيس الأمريكي...
-
“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟
خلال زيارتي لنائب مدير جامعة السلطان محمد الفاتح...
-
في موقعة أمستردام.. لم تسلم الجرّة هذه المرة !
تقول العرب في أمثالها: "ما كل مرة تسلم الجرة".....
-
عمر بن عبد العزيز والتجربة الفريدة
حين ظهرت له أطلال المدينة المنورة، أيقن الشاب...
-
هيكل: حكايات من سيرة الأستاذ الكاهن (2)
هيكل والسادات مضت السنوات وابتعد محمد حسنين هيكل...
-
أعرني قلبك يا فتى!
أعرني قلبك يا فتى، فإن الأحداث جسام، والأمور على...
مقالات منوعة
بقلم: نديم شنر
| 7 أغسطس, 2023
“الصحوة” في أفريقيا ودور تركيا
عندما أكتب عن السياسة الدولية، أعني دائما بشكل أساس البلدان الغربية الإمبريالية، أي الولايات المتحدة الأمريكية والبلدان الأوروبية؛ فالحديث في هذا الشأن لا يمكن أن يتجاوز ذكر هاتين القوتين، لأن “مصالح الغرب” هي التي رسمت لعدة قرون مسار السياسة الدولية.
فمع اكتشاف القارة الأمريكية، وتوسع الاكتشافات الجغرافية بشكل عام، وفتح طرق التجارة البحرية إلى الشرق، كانت مصالح البلدان الإمبريالية الغربية هي المحور وعنصر التوجيه لنشاط الاقتصاد، والسياسة الدولية، والحرب والسلام؛ فالغرب الذي جعل البشر لقرون عبيدا في خدمة اقتصاده ورفاهيته، وأثرى بموارد باطن الأرض وبالمنتجات الزراعية، تسبب في إفقار السكان المحليين وجوعهم وموتهم.
وكما استغلت دول الغرب بإجحاف نفط الشرق الأوسط، امتدت يدها إلى المعادن الثمينة في البلدان الإفريقية لتستغلها بوحشية، وتركت القارة جائعة فقيرة للغاية، لدرجة جعلت الناس يخاطرون مندفعين إلى الموت، وهم يحاولون عبور الصحراء والبحر، ليصلوا لاجئين إلى البلدان الغربية التي نهبت ثرواتهم؛ فيصل بعضهم إلى غاياتهم، ويموت كثيرون قبل الوصول؛ فقد تحول البحر الأبيض المتوسط إلى مقبرة للاجئين.
في هذه الأيام التي يتواصل فيها ذلك كله تحدث في إفريقيا تطورات مثيرة للاهتمام.
فقد كان للصعوبات الاقتصادية المتزايدة، خاصة بعد الوباء العالمي، تأثير سلبي على جميع أنحاء العالم، وأدى ارتفاع الأسعار إلى ترسيخ وتوسيع ظاهرة الفقر؛ فأخذت ردود الفعل على الأوضاع الاقتصادية غير المتكافئة تزداد في العالم كله، وخاصة في البلدان الإفريقية، وهذا جعل القارة تتحول في السنوات الأخيرة لتصبح مسرحا لانقلابات عسكرية ومحاولات انقلابية متتالية. وفي العامين الماضيين، كانت هناك محاولات انقلاب في تشاد ومالي وغينيا والسودان والنيجر وساو تومي وبرينسيبي وغامبيا وبوركينا فاسو؛ وبينما نجحت المحاولات الأخيرة في مالي والسودان وبوركينا فاسو، وقع الانقلاب العسكري الأخير في النيجر.
وتعقُّب هذه التطورات يستدعي تحليلا دقيقا، لنتساءل: هل هذه العاصفة من الانقلابات “صحوة إفريقية ضد الإمبريالية”؟ أم هي “حرب القوى العالمية”، بعضها ضد بعض؟. هذا ما سنراه.
سنسير في التحليلات، إلا أن هناك شيئا واحدا صحيحا، هو أن البلدان الإفريقية الغنية بالثروات يتم استغلالها من قبل الإمبرياليين الغربيين؛ وهذه الحقيقة التاريخية لن تتغير مهما كانت نتيجة محاولات الانقلاب “القومية”؛ ففي إفريقيا ينشط الاستغلال والمستغلون.
في المقابل هناك بلد آخر يتبع نهجا مختلفا.. تركيا.
فمنذ سنوات صار للأتراك حضور واضح في أنشطة عديدة في إفريقيا، تكاد تشمل القارة كلها، منها استخراج مياه الآبار على أعماق قليلة تحت الأرض، وجراحات العيون. وفي الماضي كان للعثمانيين، خلال حكم إمبراطوريتهم، فتوحات واكتشافات جغرافية في بعض الدول الإفريقية، وأقاموا نتيجة ذلك علاقات مع تلك الدول، لكنهم لم يكونوا أبدا استعماريين في ذلك، ولو كان الأمر كذلك لوجدنا العديد من البلدان الإفريقية اليوم تتحدث التركية. أما الدول الغربية، التي استعمرت المنطقة في القرن 19، فبدأت استعمارها بتدريس لغاتها الخاصة بدلا من لغات الشعوب المحلية، وهذا سبب ما نراه اليوم من انتشار واسع للغتين، الفرنسية والإنجليزية، على نطاق واسع في القارة الإفريقية.
وتركيا هي الدولة الوحيدة التي تمارس نشاطها في مساحة القارة الكبيرة، فلا تستغلها؛ وهذا الدور التركي في المنطقة تابعه الغربيون عن كثب في الآونة الأخيرة. وقد لفت انتباهي في الواقع تقرير بعنوان “كشف التدخل التركي في منطقة الساحل”، أعده المعهد الهولندي للعلاقات الدولية (كلينجينديل).
يشير التقرير إلى أن مصالح تركيا تتركز في منطقة الساحل الإفريقي، وهي تتبع نهجا متعدد الأبعاد، تسعى من خلاله إلى زيادة نفوذها السياسي والاقتصادي والثقافي هناك؛ وبما أن منطقة الساحل، التي تضم دولا مثل مالي والنيجر وبوركينا فاسو، أصبحت نقطة محورية لمصالح تركيا بسبب موقعها الاستراتيجي وروابطها الثقافية المشتركة وفرصها الاقتصادية، يقيّم التقرير مبادرات تركيا لزيادة نفوذها في المنطقة في النقاط الآتية:
الاستثمارات الاقتصادية: توسعت مشاركة تركيا الاقتصادية في منطقة الساحل بشكل كبير في السنوات الأخيرة؛ ويُذكَر أن الشركات التركية تركز بشكل أكبر على قطاعات تبرع فيها، مثل البناء والنسيج والتعدين والإسكان؛ ولها مشاريع استعراضية في مجالات المطارات والفنادق الفخمة والمستشفيات، وهي تسعى لإنشاء مصانع لمعالجة المواد الأولية في منطقة الساحل الإفريقي.
المساعدات الإنسانية والإنمائية: تستخدم تركيا المساعدات الإنسانية ومشاريع التنمية كجزء من إستراتيجية القوة الناعمة، وإن وكالة التعاون والتنسيق التركية (تيكا) تشارك بنشاط في توفير المساعدات والغذاء والرعاية الطبية ودعم التدريب في المنطقة، وتعمل الوكالة لتسهيل هذه المبادرات من خلال التنسيق مع المنظمات التركية غير الحكومية، والمنظمات المحلية غير الحكومية المرتبطة بتركيا.
الدفاع والأمن: ازدادت تدريبات التعاون الدفاعي والأمني التركي في منطقة الساحل مع التركيز على المعدات والمبيعات العسكرية، وقد لعبت صناعة الدفاع التركية دورا مهما في هذا التعاون، من خلال بيعها دول الساحل أسلحة متطورة وطائرات استطلاع بدون طيار، وزاد من إقبال هذه الدول الاستعداد التركي لتوفير المعدات العسكرية دون قيود صارمة.
رابعا- التعليم والسياسة الثقافية: تتقدم مشاركة تركيا في التعليم مع حوافز برنامج المنح الدراسية لطلاب الساحل للدراسة في تركيا، وتدير مؤسسة المعارف التي تديرها الدولة التركية مدارس في منطقة الساحل، متبعة سياسة القوة الناعمة، وهي تركز على تعزيز المبادئ واللغة التركية.
ولفت التقرير الانتباه إلى أن مؤسسة المعارف التركية تأسست في عام 2016 بهدف الاستيلاء على المدارس التابعة لمنظمة غولن الإرهابية في إفريقيا؛ ويُذكر أن سياسة تركيا الخارجية في منطقة الساحل قد تقدمت من خلال مناهج التعليم الديني والعلماني التي طورتها مؤسسة معارف في تركيا وفرص المنح الدراسية الممنوحة للطلاب.
في عام 2019 كان للمؤسسة أكثر من 1000 طالب في النيجر، وأكثر من 3000 طالب في باماكو في مالي، وهي تعمل في بوركينا فاسو منذ عام 2019؛ وإنَّ المدارس تقدم خدمات تعليمية ليس فقط للطلاب المحليين في منطقة الساحل، ولكن أيضا للأطفال المغتربين. ويتم تدريس قيم البلد في مدارس مؤسسة المعارف التركية بالتعاون مع إدارات ذلك البلد، لإعداد أجيال تخدم دولتها وثقافتها وشعوبها في المستقبل، لتنمو موارد البلد كأجيال متعاونة، وليس كعمالة مستغَلة.
وفي ختام التقرير، تم تقديم نهج تركيا تجاه إفريقيا كمثال يُحتذى به للدول الغربية!.
فوفقا للتقرير، ينطوي نهج تركيا في منطقة الساحل على تطوير الشراكات، والانخراط في الدبلوماسية النشطة، وتقديم نفسها كبديل للقوى الاستعمارية السابقة. ومع وجود مخاوف بشأن التوترات الجيوسياسية الناجمة عن مشاركة تركيا، يتم طرح إمكانية تعلم الدول الغربية من نهج تركيا، وسعيها إلى الاستفادة من المساعدة الأمنية لتحسين قدرات مكافحة الإرهاب الإقليمية.
بعبارة أخرى، سيتبين بمرور الوقت أن سياسة تركيا السلمية والمتوازنة في إفريقيا، كما هي الحال في جميع أنحاء العالم، ستكون مثالا رائدا للعمل من أجل الوصول إلى مستقبل عادل.
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
وقد استجاب القضاء لدعوة الرئيس.. ماذا ينتظر المستأجرون؟!
ذكّرني القول إن المحكمة الدستورية العليا في مصر استجابت لدعوة الرئيس في إصدار حكم، بما مضى. فدائما تذكّرنا القدرات المتواضعة الآن بعهد الرئيس مبارك، فلا يعرف قيمة أمه إلا من يتعامل مع زوجة أبيه، وكثيرون صار شعارهم "رُبّ يوم بكيت منه، فلما مضى بكيت عليه". ولست من هؤلاء...
السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط
لم تمرّ إلا ساعات فقط بعد إعلان الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب نيته تعيين حاكم أركنساس السابق "مايك هاكابي" ليكون سفيرًا للولايات المتحدة لدى إسرائيل وهو المعروف بدعمه منقطع النظير للاستيطان، خاصة في الضفة الغربية التي يعتبرها جزءاً من أرض الميعاد كما يقول،...
“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟
خلال زيارتي لنائب مدير جامعة السلطان محمد الفاتح في إسطنبول، البروفيسور المؤرخ زكريا كورشون، كنت أتحدث معه عن آخر إصداراته، فحدثني عن كتابه "العرب العثمانيون"، ومقصد الكتاب تبيان عمومية النظام السياسي في الإسلام لجميع الأعراق والأجناس في ظل الدولة الواحدة . فالإسلام...
0 تعليق