الصِّدِّيق وأسرى بدر… تجسيد تاريخي وإنساني لقيم الرأفة والرحمة
بقلم: د. علي محمد الصلابي
| 5 يناير, 2024
مقالات مشابهة
-
خطر الدوغمائية على مآل “الميثاق الغليظ” في المغرب!
يزداد انشغالي فكريًّا ووطنيًّا بما سيثيره مشروع...
-
ماذا عن القرار العباسي بإغلاق مكتب الجزيرة؟!.. يا لك من نتنياهو!
فعلها محمود عباس (أبو مازن)، وأكد عندما فعلها...
-
وقد استجاب القضاء لدعوة الرئيس.. ماذا ينتظر المستأجرون؟!
ذكّرني القول إن المحكمة الدستورية العليا في مصر...
-
السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط
لم تمرّ إلا ساعات فقط بعد إعلان الرئيس الأمريكي...
-
“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟
خلال زيارتي لنائب مدير جامعة السلطان محمد الفاتح...
-
في موقعة أمستردام.. لم تسلم الجرّة هذه المرة !
تقول العرب في أمثالها: "ما كل مرة تسلم الجرة".....
مقالات منوعة
بقلم: د. علي محمد الصلابي
| 5 يناير, 2024
الصِّدِّيق وأسرى بدر… تجسيد تاريخي وإنساني لقيم الرأفة والرحمة
في غزوة بدر الكبرى (أول معركة مواجهة فاصلة بين المسلمين والمشركين)، كان أبو بكر الصديق (رضي الله عنه) من كبار مستشاري النبي ﷺ، ومن أعظم الصحابة رأياً وتأثيراً في وقائعها ونتائجها، كما شارك برأيه المؤيد للمواجهة حين طلب النبي ﷺ الرأي قبل المعركة.
وقد رافق الصديق (رضي الله عنه) النبي المصطفى ﷺ في جولاته الاستطلاعية لجمع المعلومات عن الغزوة، وكان في حراسة النبي ﷺ بالعريش الذي خصصه لقائد المعركة؛ هذا علاوة على الدور الحاسم الذي لعبه الصدِّيق في تحديد مصير أسرى المعركة، وهنا لابد من وقفة تأملية، نستنبط منها عبرًا ودروسًا عظيمة تعج بقيم الرأفة والإنسانية.
قال ابن عباسٍ (رضي الله عنه): فلمّا أسروا الأسارى؛ قال رسول الله ﷺ لأبي بكرٍ وعمر: «ما ترون في هؤلاء الأسارى؟»، فقال أبو بكر: يا نبي الله! هم بنو العمِّ، والعشيرة، أرى أن تأخذ منهم فديةً، فتكون لنا قوَّةً على الكفار، فعسى الله أن يهديهم إلى الإسلام؛ فقال رسول الله ﷺ: «ما ترى يا ابن الخطاب؟»، قال: لا والله، لا يا رسول الله! ما أرى الذي يراه أبو بكرٍ، ولكنِّي أرى أن تمكِّننا منهم، فنضرب أعناقهم، فتمكِّن عليّاً من عقيل، فيضرب عنقه، وتمكِّنني من فلانٍ (نسيب لعمر) فأضرب عنقه، فإنَّ هؤلاء أئمَّة الكفر، وصناديدها. (ابن حنبل، 1999، ج3/167)
ويروي لنا عمر (رضي الله عنه) ما كان بعد ذلك فيقول: فهوى رسول الله ﷺ ما قال أبو بكر ولم يهوَ ما قلتُ، فلمّا كان من الغد غدوتُ إلى النبي ﷺ وأبي بكر، وهما يبكيان، قلت: يا رسول الله! أخبرني من أيِّ شيءٍ تبكي أنت وصاحبك، فإن وجدت بكـاءً بكيت، وإن لم أجد بكاءً تباكيت لبكائكما؛ فقال رسول الله ﷺ: «أبكي لِلذي عرض عليَّ أصحابك من أخذهـم الفداء ولقـد عرض عليَّ عذابهم أدنى من هذه الشَّجرة». ـ شجرة قريبة من النبيِّ ﷺـ وأنزل الله عز وجل: {ما كان لنبيٍّ أن يكون له أَسْرى} [الأنفال: 67] إلى قوله: {فكلوا ممَّا غنمتم حلالاً طيِّبًا} [الأنفال: 69] فأحلَّ الله لهم الغنيمة. (ابن حنبل، 1999، ج3/167)
وفي روايةٍ عن عبد الله بن مسعودٍ (رضي الله عنه) قال: لمّا كان يوم بدرٍ قال رسول الله ﷺ: «ما تقولون في هؤلاء الأسرى؟» فقال أبو بكرٍ: يا رسول الله! قومك وأهلك، استبقهم واستأن بهم، لعلَّ اللهَ أن يتوب عليهم؛ وقال عمر: يا رسول الله! أخرجوك وكذَّبوك، قرِّبهم، فاضرب أعناقهم؛ وقال عبد الله بن رواحة: يا رسول الله! انظر وادياً كثير الحطب، فأدخلهم فيه، ثمَّ أضرم عليهم ناراً، فقال العبّاس: قطعت رحمك.. فدخل رسول الله ﷺ، ولم يردَّ عليهم شيئاً، فقال ناسٌ: يأخذ بقول أبي بكرٍ، وقال ناسٌ: يأخذ بقول عمر، وقال ناسٌ: يأخذ بقول عبد الله بن رواحة، فخرج عليهم رسول الله ﷺ فقال: «إن الله ليليِّن قلوب رجالٍ فيه حتى تكون ألين من اللَّبن، وإن الله ليشدُّ قلوب رجالٍ فيه حتى تكون أشدَّ من الحجارة، وإنَّ مثلك يا أبا بكر! كمثل عيسى – عليه السلام- إذ قال: {إن تُعذِّبهم فإنَّهم عبادك وإن تغفر لهم فإنَّكَ أنتَ العزيز الحكيم} [المائدة: 118] وإن مثلك يا عمر! كمثل نوحٍ، إذ قال: {وقال نوحٌ ربِّ لا تذر على الأرض من الكافرين ديَّارًا} [نوح: 26]، وإن مثلك يا عمر كمثل موسى إذ قال: {وقال موسى ربَّنا إنَّك آتيتَ فرعون وَمَلأه زينةً وأموالاً في الحياة الدُّنيا ربَّنا لِيُضِلُّوا عن سبيلكَ ربَّنا اطمس على أموالهم وَاشْدُدْ على قلوبهم فلا يؤمنوا حتَّى يروا العذاب الأليم} [يونس: 88]». (ابن كثير، 1988، ج2/325)
كان النبيُّ ﷺ إذا استشار أصحابه تكلَّم في الشورى أولًا أبو بكرٍ، وربما تكلَّم غيره، وربما لم يتكلَّم غيره، فيعمل برأيه وحده، فإذا خالفه غيره اتَّبع رأيه دون رأي من يخالفه. (مال الله، 1989، ص325)
لم يكن أبو بكر الصديق (رضي الله عنه) شخصية عادية في تاريخ الإسلام، فهو الصديق الأقرب إلى رسول الله ﷺ، ومستشاره الأول، ورفيق دربه في دعوته إلى الإسلام في مكة، وخلال الهجرة، وفي المدينة، وفي كل الغزاوت، وهو الخليفة الأول الذي أدار دفَّة الأمة وقادها إلى بر الأمان والنصر، وكان في بدر نبراساً فخر النبي الكريم ﷺ برأيه ومشورته، واعتد به.. رضي الله وأرضاه.
مفكر سياسي ليبي
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
سوريا وثورة نصف قرن
سيسجل التاريخ أن يوم ٨ ديسمبر ٢٠٢٤م يوم مفصلي وخالد في تاريخ سوريا والمنطقة كلها؛ فالحدث فيه كبير جداً، وأشبه بزلزال شديد لن تتوقف تداعياته عند حدود القطر السوري، لعمق الحدث وضخامته ودلالته، وهو الذي يمثل خلاصة نضال وكفاح الأخوة السوريين على مدى ما يقرب من نصف قرن ضد...
خطر الدوغمائية على مآل “الميثاق الغليظ” في المغرب!
يزداد انشغالي فكريًّا ووطنيًّا بما سيثيره مشروع "إصلاح" مدونة الأسرة في المغرب من تداعيات مرتقبة على منظومة الأسرة ومؤسّسة الزواج؛ بسبب اختزال التغيير في أربعة محاور قانونية ضيقة: منع تعدّد الزوجات، والحضانة، والطلاق، والإرث. ويكبر في رأسي سؤال فلسفي حيوي تفادَيْنا...
ماذا عن القرار العباسي بإغلاق مكتب الجزيرة؟!.. يا لك من نتنياهو!
فعلها محمود عباس (أبو مازن)، وأكد عندما فعلها أهليته لأن يكون حاكماً عربياً مكتمل الموهبة، فلم يعد ينقصه شيء لاستقلال دولته، بل وأن يكون الحاكم على غزة عندما تلقي الحرب أوزارها، وهو ما كانت ترفضه إسرائيل قبل أن يفعلها! فعلها أبو مازن، فقد أغلق مكتب الجزيرة في رام...
0 تعليق