الطريق إلى الصين

بواسطة | يونيو 2, 2024

بواسطة | يونيو 2, 2024

الطريق إلى الصين

يُذكر في التاريخ أن وينستون تشرشل كان مناوئًا شرسًا للشيوعية، حتى إنه قال عنها “فلسفة الفشل، وعقيدة الجهل، وإنجيل الحسد”؛ في حين أن ألبرت أينشتاين كان مؤيدًا لها، حيث قال: “أنا مؤيد كبير للاشتراكية، وأرى في الشيوعية طموحًا نبيلًا لتحقيق العدالة الاجتماعية، ولكنني أعلم أن الطريق إليها مليء بالصعاب”.

ولعل التجربة الصينية السياسية تتيح لنا التعرف أكثر على مكامن الخلل والإيجاب في الكينونة السياسية الشيوعية الاشتراكية، فخلال تاريخها الطويل شهدت الصين صعودًا وهبوطًا لسلالات حاكمة، وشهدت ثورات وحروبًا وأحداثًا كبرى، تمخضت في النهاية عن ميلاد جمهورية الصين الشعبية.

مع مطلع القرن العشرين أطاح الصينيون بآخر الأباطرة الصينيين، عقب ثورتهم التي اندلعت في عام 1911، وشهد العام التالي ميلاد جمهورية الصين الوطنية، ووصل إلى سُدة الحكم الحزب الوطني القومي؛ ولكن بسبب حالة الفوضى التي كانت تمر بها البلاد حدث انقلاب عسكري من قبل الجيش على هذا الحزب القومي، ودخلت الصين في حالة من الفوضى العارمة، مَكّنت الأباطرة من العودة مرة أخرى إلى حكم البلاد عام 1917.

وقد تحالف الحزب القومي مع حزب آخر جديد هو الحزب الشيوعي، وتمكن الحزب القومي عام 1926 من إسقاط حكم الجيش والأباطرة، ثم انقلب بعد ذلك على حليفه الشيوعي، وأحدث به مذبحة راح ضحيتها مئات الآلاف، لتبدأ الحرب الأهلية الصينية بين القوميين والشيوعيين، التي استمرت لفترة طويلة، ولكنها توقفت عام 1937 مع دخول القوات اليابانية الأراضي الصينية، واحتلالها أجزاء من الصين. ولكن هذا الاحتلال لم يدم طويلًا؛ ففي عام 1945م خسرت اليابان الحرب العالمية الثانية، وانسحبت من الصين، فعادت الحرب الأهلية مرة أخرى.

وقد ترك انهيار اليابان في الحرب العالمية الثانية أثره على الصراع بين الحزب القومي الحاكم والحزب الشيوعي؛ إذ أخذ هذان الحزبان يتسابقان في الوصول إلى المناطق التي كانت تحتلها اليابان. وقد تمكن الحزب القومي بعد أن قدمت له الولايات المتحدة الأمريكية الدعم المالي والعسكري من السيطرة على أغلب مناطق الصين الوسطى؛ ومن جانبه قام الاتحاد السوفيتي بتدعيم الحزب الشيوعي، وسهل له الوصول إلى المناطق الصينية الشمالية مثل منشوريا وغيرها من المناطق.

واستمرت الحرب، واستطاع “ماو تسي تونغ”، رئيس الحزب الشيوعي بعد تنظيم قواته أن يسجل العديد من الانتصارات، ويستعيد الكثير من المناطق الصينية؛ ومع دخول عام 1948 كانت الصين بقبضة الشيوعيين، وهرب الوطنيون إلى جزيرة تايوان، وهناك دخلوا تحت الرعاية الأمريكية. وفي أكتوبر1949 أُعلن قيام جمهورية الصين الشعبية، وتم اختيار ماو تسي تونغ كأول رئيس لجمهورية الصين الشعبية، لتدخل بعدها الصين عصرًا جديدًا.

ومن الأسباب التي أدت إلى نجاح الحزب الشيوعي، وانتصاره في ثورته على الحزب القومي، الدعم الشعبي الواسع للحزب، لا سيما من قبل الفلاحين، وانجذاب الطبقة الوسطى والمثقفين للأيديولوجية الشيوعية. أما الحزب الحاكم فقد استُنزف عسكريًّا وماليًّا ومعنويًّا بسبب حروبه الطويلة مع اليابان، وحدوث التضخم المالي، وتأخر الحكومة الوطنية في تنفيذ البرامج الإصلاحية التي كانت البلاد بأمس الحاجة إليها.

وهكذا استطاع الحزب الشيوعي أن يفرض سيطرته وأيديولوجيته على البلاد.. ولكن، هل ستصمد تلك الأيديولوجيا في وجه الأزمات السياسية والاقتصادية والأمنية التي تسود العالم من المشرق إلى الغرب؟ أتصمد، أم إن هناك تجديدًا داخليًّا، وإعادة للتنظيم فكريًّا وماديًّا؟ .

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

"رأيت أطفالًا محروقين أكثر مما رأيت في حياتي كلها، رأيت أشلاء أطفال ممزقة".. هذه كلمات الدكتور مارك بيرلماتر، طبيب يهودي أمريكي، في شهادته حول العدوان الإسرائيلي على غزة. في مقابلة له على قناة CBS، قدم الدكتور بيرلماتر وصفًا صادمًا لمعاناة أطفال غزة.. الدكتور...

قراءة المزيد
جريمة اسمها التعليم!

جريمة اسمها التعليم!

قالوا قديمًا: "عندما نبني مدرسة، فإننا بذلك نغلق سجنًا".. وذلك لأن المدرسة في رأيهم تنير الفكر، وتغذي العقل، وتقوِّم السلوك؛ وذهب بعضهم إلى قياس تحضر الدول والشعوب بعدد مدارسها وجامعاتها. ومع إيماني الخالص بقيمة العلم وفريضة التعلم، فإنني أقف موقفًا معاديًا تجاه مسألة...

قراءة المزيد
أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

لطالما كان اختيار الإنسان لطريق الهداية أو الضلال معضلةً، طرحت الكثير من التساؤلات عن مدى مسؤولية الإنسان نفسه عن ذلك الاختيار في ظل الإيمان بعقيدة القضاء والقدر، وكيف يمكن التوفيق بين مسؤولية الإنسان عن هداه وضلاله، وبين الإرادة والقدرة الإلهية، وما يترتب عليها من...

قراءة المزيد
Loading...