العرض المسرحي الهابط!

بواسطة | مارس 3, 2024

بواسطة | مارس 3, 2024

العرض المسرحي الهابط!

إعلان الرئيس الأمريكي عن إيصال المساعدات لغزة بالإنزال الجوي يكشف عن مسرحية دولية. بينما يصارع الفلسطينيون المأساة، تتضح الأجندات السياسية والإنسانية المشوبة بالمراوغة والمزيفة.

مسرحية الإنزال الجوي – بين الواقع والدعاية

هَمٌّ يُضحك.. وهَمُّ يُبكي!

وبإعلان الرئيس الأمريكي سيئ الصيت، جو بايدن، عن إنزال أمريكي لإيصال المساعدات إلى غزة، تكون المأساة قد بلغت ذروتها!

قديماً سئل خالد الذكر جحا عن أذنه، وبدلاً من أن يرفع يده اليمني ليمسك “فردة” أذنه اليمني، إذا به يرفع يده لتمر عبر عنقه، حيث طريق رأس الرجاء الصالح، ثم يمسك “فردة” أذنه اليسرى، ويجيب: ها هي؟! وكذلك يفعل من طال عمره، وساء عمله!

فالأمر ليس بحاجة لأن يهز رئيس أكبر قوة في العالم طوله، ويقدم “رخة” مساعدات من الجو، لأنه لو خلصت النوايا – وهي ليست خالصة- لحمل نتنياهو على فتح معبر كرم أبو سالم للمساعدات، ولحمل صديقه في القاهرة على فتح معبر رفح للغرض نفسه؛ وإذا كانت الحجة هي الخوف من قصف إسرائيل للشاحنات إذا دخلت من المعبر، فلتتقدم الشاحنات الأمريكية السرب، فهل يعتقد بايدن أن رئيس الحكومة الإسرائيلية سيقوى عندها على ذلك؟! وهل يمكن له أن يتطاول على الأمر الأمريكي، والحال أنه لولا أمريكا لانتهت إسرائيل في غمضة عين؟!

الحقيقة أننا أمام مسرحية رديئة الإخراج والتأليف والتمثيل، اسمها الإنزال الجوي بالمساعدات، لنرى كيف يحدث الزحام عليها، في مشهد يتأذى له الضمير الإنساني، وقد مات الأطفال الصغار من الجوع، واشتكى الكبار من الجوع الكافر، بينما يفقد العالم إنسانيته في ظروف ليست غامضة، فقد تعرى هذا العالم – والعالم الغربي بالذات- وتبدت عورته للناظرين، مع هذه المأساة الإنسانية الكبرى.. ثم يجد الرئيس الأمريكي لديه فسحة من الوقت ليشارك في عرض هزلي، وكأنه يملك إمكانيات الممثل، وهو كَكَلٍّ على مولاه أينما يوجهه لا يأت بخير!

القبول بالدنية:

لقد كان حديث الإنزال الجوي مقبولاً من دول ليس بينها وبين إسرائيل حدود أو معابر، فيكون تقديم المساعدات بهذا الشكل والقبول بالدنية له ما يبرره، لكن بدون مبالغات، وبدون ارتداء للملابس العسكرية، ورفع شعار “سنقاتل”، فالجنين في بطن أمه يعلم أنه لا يمكن للذباب الأسود أن يمر في سماء غزة إلا بإذن إسرائيلي، بيد أن القوم لهم عذرهم أمام ضعف عربي مطواع!

لكن أن يقوم أهل الحكم في مصر بذلك، ثم يتبعهم الأمريكان، فهذا يعني أننا – ولا شك- أمام مهزلة كبرى، وأداء تمثيلي يفتقر للإجادة، ويندرج تحت إطار الهمّ الذي يبعث على الضحك – كما يقول المثل المصري- بعد أن بعث على البكاء!

فالسلطة في مصر، هي التي تتحكم في معبر رفح، والشاحنات ترابط أمامه بانتظار الإذن لها بالدخول بدون جدوى، ثم يجهر رئيس هيئة الاستعلامات بالمعصية، فيقول إنه لو تم السماح بدخول المساعدات فسوف يقصفها الجانب الإسرائيلي، وهي صراحة غير مسبوقة، بعد دعاية سابقة عن أن مصر لا تملك السيادة على معبر رفح، وهي دعاية بدأت منذ عهد الرئيس مبارك، وتمت إعادة إنتاجها في العهد الحالي، وهو كلام غير دقيق، لأن السيادة المصرية على معبر رفح لا تقبل الشك، ولا سلطان لإسرائيل على المعبر!

ولا شك أن هذا التصريح الجريء لرئيس هيئة الاستعلامات، بجانب الدعاية الممتدة عن انتفاء السيادة على المعبر، إنما تمثل شهادة معتبرة في حق الرئيس المدني المنتخب محمد مرسي، وهو الذي فتح المعبر، وقدم المساعدات، وأوفد رئيس حكومته ذات قصف إسرائيلي للقطاع، فهل كان آنذاك يغتصب السيادة؟! إنه إذن ليس ضعيفا كما روجوا، وليس خواراً كما أشاعوا!

فإذا كانت سيادة مصر على المعبر ثابتة، وكل ما هنالك أن مرسي مارسها دون تعسف أو تغول، ثم هم الآن يعلنون الخوف من القصف الإسرائيلي للشاحنات إذا عبرت إلى داخل القطاع، فسنكون أمام شهادة أيضاً لصالح الرئيس مرسي، رحمة الله عليه!

ومع ذلك، فإنه عندما يُترك المعبر، وتقوم القاهرة بالمشاركة في الإنزال الجوي للمساعدات، فإننا أمام نكتة لا تنقصها “السماجة”، لاسيما وأنهم يروجون بأن هذا الانزال من باب التحدي للصلف الإسرائيلي، ولا ندري كيف يُعقل أن من يتحدى إسرائيل على هذا النحو لا يتحداها بإدخال المساعدات عبر المعبر؟! لاسيما وأن حجم المساعدات التي يتم إنزالها جواً لا تسمن ولا تغني من جوع ولا تفي بحاجة أهالي غزة!

اكتمال المسخرة:

لقد اكتملت المسخرة بهذا الإعلان من جانب الرئيس الأمريكي عن إنزال أمريكي، ليتضح أن الجميع يسعون لإبراء الذمة بهذا المشهد الرديء، ليكون بايدن في حكم من يقتل القتيل ويمشي في جنازته، وأن القوم يحبون أن يُحمدوا بما لم يفعلوا!

لقد أثبتت غزوة السابع من أكتوبر هشاشة الكيان، فلولا دعمٌ أمريكي تحرك في التو واللحظة، لصار هشيماً تذروه الرياح؛ وبدلاً من أن تكون واشنطن “محضر خير” سارعت على الفور لتقديم المساعدات العسكرية، على النحو الذي أطال أمد الحرب، وهو الأمر الذي أكد أن هذا الكيان لا يمكنه العيش بدون الدعم السريع والمتواصل، وأن تكون اليد الأمريكية في الفم الإسرائيلي على مدار الساعة، وكأن البيت الأبيض هو جهاز التنفس الاصطناعي، فإذا تم سحبه للحظة جاء إعلان وفاة المريض في الحال!

ولم يكتف البيت الأبيض بهذه المساعدات التي جعلت نتنياهو يفترس المدنيين والأطفال، ويفترس المستشفيات والنساء، ولكنه استخدم حق الفيتو أربع مرات ضد قرارات لوقف الحرب، ليشاهد العالم هذا الإجرام الإسرائيلي بالصوت والصورة، فيتحرك أحرار العالم دفاعاً عن الإنسانية، وتعم المظاهرات المدن الغربية، لتنتهي سمعة إسرائيل التي تم بناؤها بالبروباجندا، وتظهر على حقيقتها بدون رتوش، ولا يفلح الساحر حيث أتى، وتظهر الأنظمة الغربية، وفي القلب منها واشنطن، على حقيقتها، وأقطابها الذين أسسوا جمعيات الرفق بالحيوان، وصدعوا رؤوسنا بالإنسانية الغربية التي تحركت لنجدة كلب، أو علاج فأر، فاذا بهم – يا إلهي- همج، ينتمون لعصور ما قبل التاريخ الإنساني، ولا ضير فالعرق دساس!

وإزاء هذا كله، فعندما يقرر الرئيس الأمريكي إيصال المساعدات عن طريق “الإنزال الجوي”، فإنما هو في الحقيقة يقرر أن يشارك في وصلة رقص في هذا العرض المسرحي الهابط.

كفى تمثيلا!

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

"رأيت أطفالًا محروقين أكثر مما رأيت في حياتي كلها، رأيت أشلاء أطفال ممزقة".. هذه كلمات الدكتور مارك بيرلماتر، طبيب يهودي أمريكي، في شهادته حول العدوان الإسرائيلي على غزة. في مقابلة له على قناة CBS، قدم الدكتور بيرلماتر وصفًا صادمًا لمعاناة أطفال غزة.. الدكتور...

قراءة المزيد
جريمة اسمها التعليم!

جريمة اسمها التعليم!

قالوا قديمًا: "عندما نبني مدرسة، فإننا بذلك نغلق سجنًا".. وذلك لأن المدرسة في رأيهم تنير الفكر، وتغذي العقل، وتقوِّم السلوك؛ وذهب بعضهم إلى قياس تحضر الدول والشعوب بعدد مدارسها وجامعاتها. ومع إيماني الخالص بقيمة العلم وفريضة التعلم، فإنني أقف موقفًا معاديًا تجاه مسألة...

قراءة المزيد
أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

لطالما كان اختيار الإنسان لطريق الهداية أو الضلال معضلةً، طرحت الكثير من التساؤلات عن مدى مسؤولية الإنسان نفسه عن ذلك الاختيار في ظل الإيمان بعقيدة القضاء والقدر، وكيف يمكن التوفيق بين مسؤولية الإنسان عن هداه وضلاله، وبين الإرادة والقدرة الإلهية، وما يترتب عليها من...

قراءة المزيد
Loading...