
العلاقة بين العامة والسلطة.. تفعيل أم تجهيل؟!
بقلم: د. جاسم الجزاع
| 14 مايو, 2023

مقالات مشابهة
-
أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!
أخيراً تحقق لها المراد! فقد صافحت الوزيرة...
-
غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة
على مدى ما يقارب ٤٧١ يوماً، وقفت غزة وحيدةً...
-
سوريا وثورة نصف قرن
سيسجل التاريخ أن يوم ٨ ديسمبر ٢٠٢٤م يوم مفصلي...
-
خطر الدوغمائية على مآل “الميثاق الغليظ” في المغرب!
يزداد انشغالي فكريًّا ووطنيًّا بما سيثيره مشروع...
-
ماذا عن القرار العباسي بإغلاق مكتب الجزيرة؟!.. يا لك من نتنياهو!
فعلها محمود عباس (أبو مازن)، وأكد عندما فعلها...
-
وقد استجاب القضاء لدعوة الرئيس.. ماذا ينتظر المستأجرون؟!
ذكّرني القول إن المحكمة الدستورية العليا في مصر...
مقالات منوعة
بقلم: د. جاسم الجزاع
| 14 مايو, 2023
العلاقة بين العامة والسلطة.. تفعيل أم تجهيل؟!
غالبا ما يرتبط لفظ “العامة” في أذهان الشباب العربي بالمجاميع ذات الوعي المتدني والتخلف الفكري والنقص المعرفي، مما يجعلهم وسيلة لعلو (الخاصة) و(علية القوم) و(بياض الحضرة) و(السلطة والإدارة العليا) في الأنظمة الحديثة؛ فتكون العامة عادة تحت وصاية السلطات العليا توجيها ومعيشة وفكرا وغير ذلك.
هذه النظرة السلبية، التي يعززها البعض، جعلت دور العامة محدودا في التطوير والإنجازات، وجعلتهم مهمشين لا دور لهم إلا انتظار رزقهم وتحصيل مؤونتهم، وليس لهم نصيب في رقابة أعمال السلطة، وتقييم ممارسات الدولة، والنظر في أعمال (الخاصة) و(رجال الدولة). ولكن، هل كان هذا الأمر هو السائد في دور العامة، حسب قراءتنا للتاريخ السياسي العربي والإسلامي؟. و هل كان للعامة دور فعال في تقويم أعمال السلطة؟.
فلنذهب الآن إلى فترة من فترات التاريخ السياسي الإسلامي، وبالتحديد إلى مصر وحكم المماليك فيها، وسنجد أن السلطات الحاكمة في مصر كانت تتخذ من العامة أداة لتثبيت سلطة الحكام، ووسيلة للاستدامة السياسية واستقرار النظام السياسي والاجتماعي.
كان عوام الناس أداة لحل الصراعات، التي تحدث بين السلاطين المماليك، في نزاعهم السياسي على السلطة في مصر، فقد كان كل سلطان وحاكم في القاهرة يحاول استمالة الحد الأقصى من العامة والشعب في مصر
فقد كان سلاطين المماليك في مصر، وهم أقرب إلى “حكم الجنرالات” في مصر، يمارسون في بعض الأحيان، إن لم يكن في غالب الأحيان، سياسة كسب العامة، استشعارا منهم لأهمية هذا المكون في إحداث استقرار سياسي. ومن ذلك السماح للعامة، بل ودعوتهم في مصر للمشاركة في الوفود الرسمية، التي كانت تعقد بين السلطان وبين الحكومة، وكذلك كان العامة يشاركون في الاحتفالات السلطانية، السياسية والاجتماعية؛ مثل الاحتفال بافتتاح جامع جديد، أو مدرسة جديدة، أو استقبال سلطان عائد من الحج أو الجهاد، بأنغام الأغاني الشعبية والرقص وتوزيع المشروبات والأطعمة المجانية، فرحا بتلك المناسبات الحكومية.
بل وكان عوام الناس أداة لحل الصراعات، التي تحدث بين السلاطين المماليك، في نزاعهم السياسي على السلطة في مصر، فقد كان كل سلطان وحاكم في القاهرة يحاول استمالة الحد الأقصى من العامة والشعب في مصر، للوقوف بجانبه في مواجهة خصومه السياسيين؛ وباعتقادي أنه لولا الحراك السياسي الذي تم من قبل العامة والشعب، لما سمعَنا بحكم المماليك مستقرا على مدار أكثر من قرنين من الزمان. فالملاحظ في سير بعض السلاطين المماليك مبالغتهم الواضحة في استمالة العامة، وذلك عن طريق إنشاء المرافق العامة الحكومية، وتوزيع الصدقات والهبات والعطايا والمنح المالية والعينية للجماهير، وإعفاء الشعب من الضرائب على السلع والخدمات والمكوس الجمركية على البضائع، التي كانت تُثقل كاهل العامة والشعب المصري وتضيق عليهم معيشتهم.
ولا يخفى على القارئ أن شهور العسل بين ” العامة والسلطة” في فترة المماليك، لم تكن بعيدة عن المكدرات السياسية والمنغصات الاقتصادية التي أدت إلى وحشة بين السلطة والشعب، فالمدن ليست فاضلة، وحكامها ليسوا ملائكيين في إدارتهم؛ ومثال ذلك ما وقع في بعض عهود سلاطين الدولة المملوكية في مصر، من قيامهم بإجبار العامة على أمور ليست من أعمالهم، تكاسلا من الدولة وهروبا من مسؤولياتها، كما فعل أحد السلاطين بإجبار الشعب المصري على إنارة الشوارع في القاهرة على حسابهم الخاص، أي على حساب المواطنين، والشوارع هي مرفق من مرافق الحكومة، والأَولى أن تتولى بنفسها هذا المشروع، ولا ترغم الشعب والعامة بذلك؛ ومثل ذلك كانت هناك أفعال سلبية أخرى للسلطات الحاكمة في مصر. ولكن، لم يكن الشعب والعامة في موضع الخمول والصمت السلبي تجاه هذه السلبيات الحكومية، إنما أخذوا على محمل الجد نقد ممارسات السلطة، وإعادة تقويمها وتعديلها.
الحكم الرشيد هو الذي يضع اعتبارا لحكم العامة، فالعامة لديهم من الفطرة ما يحمي توجههم العام، وإن كان فيهم من أهل الشرور والمصالح الخاصة، ولكن ذلك لا يعني عدم الإنصات لهم؛ فكما أن للعامة ألسنا ناطقة، فلا بد أن يكون للحكومة آذان صاغية
فمن مظاهر رفض العامة للممارسات غير المنطقية والسلبية للحكومة المملوكية في مصر؛ القيام بإضراب شامل وكامل، وإغلاق منظومة البيع والشراء، وحتى الوصول إلى شلل تام للعملية الإنتاجية، ردا على أفعال السلطة وممارستها.
وعندما استشرى الفساد الإداري، متمثلا بقيام موظفين كبار من الحكومة المصرية آنذاك بالتسلط على أراضي المزارعين والفلاحين، دون وجه قانوني، تجمهر عدد كبير من الفلاحين في مصر، عام 1392م أمام القصر المملوكي، احتجاجا على تلك الممارسات؛ فقامت الحكومة المصرية متمثلة بالسلطان بفتح ملف للتحقيق، وبالفعل تمت معاقبة الموظفين المخالفين للمنهج الحكومي، وإحالتهم للقضاء. وأيضا، عندما قامت الحكومة المملوكية بتغيير قواعد وقوانين البيع والشراء الخاضعة للإدارة التجارية آنذاك تغييرا سلبيا يضر بالحركة الإنتاجية، استنكر العامة ذلك، ورفعوا شكواهم إلى السلطان، فتمت إجابة مطالبهم، وكان ذلك عام 1508م. وكان للعامة موقف ضد القضاء المصري، فقد طالبوا عدة مرات بعزل بعض القضاة المتهمين بالتقصير والمحاباة والفشل القضائي، ومن ذلك مطالبتهم بعزل القاضي فتح الدين السوهاجي سنة 1477م.
وفي الجملة، فإن الحكم الرشيد هو الذي يضع اعتبارا لحكم العامة، فالعامة لديهم من الفطرة ما يحمي توجههم العام، وإن كان فيهم من أهل الشرور والمصالح الخاصة، ولكن ذلك لا يعني عدم الإنصات لهم؛ فكما أن للعامة ألسنا ناطقة، فلا بد أن يكون للحكومة آذان صاغية، تأخذ النقد على محمل الجد، وترفض ما خالف النهج الإصلاحي القويم، وتسعى الى تطبيق آليات الحكم الرشيد.

أكاديمي كويتي
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
رسالة إلى أمريكا
وقف مراسل شبكة CNN الإخبارية بمنطقة "أيتون" شرقي مدينة لوس أنجلوس الأمريكية، مرتدياً قناعاً واقياً من الغاز، قام بإزاحته عن وجهه، بعد أن طلبت منه المذيعة في داخل الاستوديو أن يصف لها ما يحدث على الأرض. بعيون دامعة، ووجه شاحب مكفهر، تحدث بأسى عن جحيم مروع، تشهده ولاية...
أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!
أخيراً تحقق لها المراد! فقد صافحت الوزيرة الألمانية أنالينا بيربوك الوزيرَ السوري أسعد الشيباني في الرياض، بعد الضجة الكبرى لعدم مصافحة أحمد الشرع لها، والاكتفاء بالترحيب بها بوضع يده مبسوطة إلى صدره! وكما كان عدم المصافحة في دمشق خبرَ الموسم في الإعلام الغربي، فقد...
غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة
على مدى ما يقارب ٤٧١ يوماً، وقفت غزة وحيدةً صامدةً تواجه مصيرها، كآخر بقعة تتموضع عليها القضية الفلسطينية، بعد أن تم تدجين العالم العربي كله وصولاً إلى تدجين فلسطين نفسها بقيادة أكثر صهيونية من الصهيونية نفسها، لا هدف لها سوى أن تُنسي الفلسطينيين والعالم كله شيئاً...
0 تعليق