عن العلماء الممسوخين.. الذين باعوا دينهم بدنيا الطغاة

بواسطة | فبراير 28, 2024

بواسطة | فبراير 28, 2024

عن العلماء الممسوخين.. الذين باعوا دينهم بدنيا الطغاة

في زمن الأزمات، يتوجّه الناس إلى علماء الشريعة كمرجعيات، لكن البعض يخون الأمانة لمصالح دنيوية، مما يجعلهم “ممسوخين” في عيون الناس. يكشف المقال عن هذا التناقض ويدعو إلى تعريتهم وفضحهم، لأن تعرية الباطل هو فعلٌ قائم بذاته، ومنه ينبغي فضح الذين يبيعون دينهم بثمن زهيد.

علماء الشريعة في زمن الأزمات

في الأزمات الطارئة، والنوازل الداهمة، والخطوب الفادحة، والظلمات الحالكة، يهرع الناس إلى من يظنون أن الحل عندهم، فالناس في الأزمات تظهر بجلاء حاجتُهم إلى المرجعيات، أشخاصا كانوا أم مؤسسات.

وأوّل من يظن الناس في الأزمات أن الحل عندهم هم علماء الشريعة؛ فهم ورثة الأنبياء وحمَلَة الوحي والموقعون عن رب العالمين. ولكن الكارثة تكون عندما يقع الناس في حيصَ بيص، فيهرعون إلى علمائهم فلا يجدون كثيرًا منهم، يرونهم بينهم ومعهم ولكنهم لا يجدونهم، بل يجدونهم في الصف الآخَر حيث ينبغي أن لا يكونوا، أو يجدونهم قد تلفعوا بالصمت العميل، الذي يخدم الطاغية في طغيانه والباطل في استبداده واستعلائه.

هذه الحالة التي تلتطم فيها الجماهير المخذولة اليوم، عبّر عنها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين قال في ما يرويه الحكيم الترمذي في نوادر الأصول: “يكون في أمّتي فزعةٌ، فيصير الناس إلى علمائهم، فإذا هم قردة وخنازير”، وهذا الحديث وإن تحدّث العلماء في إسناده تضعيفًا له، إلّا أنه يستأنس به لا سيما وقد صدّقه الواقع والوقائع.

فقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم أن الناس قد فزعوا إلى علمائهم حين الخطوب لكنهم وجدوهم قد مُسخوا، ومن نافلة القول هنا أن نبيّن أن المسخ المقصود في الحديث مسخٌ معنويّ لا حسّي، أي أنَّهم وجدوهم على هيئةٍ لا تليق بالعلماء الذين كرّمهم الله فأهانوا أنفسهم ومسخوها.

أمَّا الصنف الأظهر من هؤلاء الممسوخين من العلماء فهم الذين باعوا دينهم بدنيا الحكّام الظلمة، والمستبدين الغشمة، أو المحتلين المجرمين، أو الأثرياء الطغاة؛ فهم يتحركون وفق رغبات الآخرين لا وفق ما يأمرهم به الشرع، وهم على استعداد لتحريف الكلم عن مواضعه مقابل حفنة من المال أو منصبٍ تافه، وينطبق عليهم قول الله تعالى في سورة البقرة: {فويلٌ للَّذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثمَّ يقولون هَٰذا من عند اللَّه ليشتروا به ثمنًا قليلًا ۖ فويلٌ لهم مِمَّا كتبَتْ أيديهم وويلٌ لّهم مِمَّا يكسبون} [سورة البقرة: 79].

فالعالم أو الدّاعية الذي يشغّله أو يطفئه، ويقدّمه أو يؤخّره، ويرفع ‏صوته أو يخفضه؛ “الريموت كونترول” في يد السياسي أو الحاكم أو المخابرات، ‏ولو كان ما يقوله حقًّا وصوابًا؛ هو عالم ممسوخ.

والعلماء الذين لا يكاد يمر يوم إلا ويسردون لك أخبار ثبات أحمد بن حنبل في محنته، حتى إذا ‏تعرّضوا لأدنى موقف رأيتَ في ألسنتهم وأقلامهم سوط ابن داود، وعلت أكفهم ‏ضارعة بطول العمر لقامعيهم؛ هم علماء ممسوخون.

والعلماء الذين لا يفتؤون يذكّروننا بأن إمامهم العزّ بن عبد السلام هو “بائع الملوك”، ثم نجدهم عند أوّل محكّ قد باعوا أنفسهم ودينهم بدنيا أتفه حاكم أو ملك أو سلطان؛ هم علماء ممسوخون.

والعلماء الذين طالما خاضوا معارك طاحنة دفاعا عن “شيخهم” ابن تيمية، حتى إذا استوجب أن يقتدوا بثباته في وجه الطغيان رأيتهم في صف التتار؛ هم علماء ممسوخون.

والعلماء الذين انحازوا إلى العسكر في مواجهتهم للشعوب الطالبة حريتَها، الطامحة لنيل كرامتها، فبرّروا القتل والقمع واستخدموا الشريعة لتبرير استعباد الإنسان للإنسان؛ هم علماء ممسوخون.

ألا وإنّ الأزمات كواشف، وإنّ المحن فواضح؛ فمن فضحته المواجهة بين الحق والباطل بانحيازه للباطل، ومن فضحته غزة بانحيازه للموالين للصهاينة؛ فإنه لا وزن لعلمه ولا قيمة لفصاحته وبلاغته.

وإن الواجب مع هؤلاء العلماء والدعاة الذين باعوا دينهم وعلمهم بدنيا أسيادهم هو تعريتهم وفضحهم وعدم الدفاع عنهم؛ فإن تعرية الباطل مقصدٌ قائم بذاته، ومن تعرية الباطل فضح الذين يمتطون ‏النصوص خدمةً للظالمين، ويلوون ألسنتهم بالمصطلحات الشرعية ليبرّروا للطغاة ‏طغيانهم، وقد تضافرت نصوص الكتاب والسنّة على بيان خطر المتخذين ديننا ‏سبيلًا لتبرير انحراف الحكّام وإرضائهم مقابل لعاعة من الدّنيا أو سلامة ‏نفوسهم، والتشنيع على من يشترون بآيات الله ثمنًا قليلًا؛ فبئس ما يشترون.‏

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

"رأيت أطفالًا محروقين أكثر مما رأيت في حياتي كلها، رأيت أشلاء أطفال ممزقة".. هذه كلمات الدكتور مارك بيرلماتر، طبيب يهودي أمريكي، في شهادته حول العدوان الإسرائيلي على غزة. في مقابلة له على قناة CBS، قدم الدكتور بيرلماتر وصفًا صادمًا لمعاناة أطفال غزة.. الدكتور...

قراءة المزيد
جريمة اسمها التعليم!

جريمة اسمها التعليم!

قالوا قديمًا: "عندما نبني مدرسة، فإننا بذلك نغلق سجنًا".. وذلك لأن المدرسة في رأيهم تنير الفكر، وتغذي العقل، وتقوِّم السلوك؛ وذهب بعضهم إلى قياس تحضر الدول والشعوب بعدد مدارسها وجامعاتها. ومع إيماني الخالص بقيمة العلم وفريضة التعلم، فإنني أقف موقفًا معاديًا تجاه مسألة...

قراءة المزيد
أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

لطالما كان اختيار الإنسان لطريق الهداية أو الضلال معضلةً، طرحت الكثير من التساؤلات عن مدى مسؤولية الإنسان نفسه عن ذلك الاختيار في ظل الإيمان بعقيدة القضاء والقدر، وكيف يمكن التوفيق بين مسؤولية الإنسان عن هداه وضلاله، وبين الإرادة والقدرة الإلهية، وما يترتب عليها من...

قراءة المزيد
Loading...