الغيتو”.. خطوة نحو النازية

بواسطة | أبريل 8, 2024

بواسطة | أبريل 8, 2024

الغيتو”.. خطوة نحو النازية

“الغيتو” كلمة إيطالية الأصل، وتعني الحي المعزول أو المنطقة المحصورة، إلا أنها تلخص حياة الذل والمهانة التي عاشها اليهود منذ العصور الوسطى، فهذه الكلمة تحولت إلى مفهوم له وقع ثقيل على أسماع الإسرائيليين دوناً عن غيرهم، وهذا المصطلح يذكّرهم كيف كان الأوروبيون في العصور الوسطى يعزلون اليهود في منطقة كانت تعرف آنذاك بحارة اليهود، وهذه الحارات كانت منتشرة في أوروبا قبل تأسيس دولة إسرائيل، بهدف إقصائهم عن المجتمعات الأوروبية، وتسهيل عملية نهب ممتلكاتهم، واستغلالهم في العمل القسري .

وكانت معازل الغيتو – التي استحضرها أبو عبيدة، الناطق الإعلامي باسم الجناح العسكري لكتائب عز الدين القسام في إحدى تسجيلاته- تنشأ في الأحياء الأكثر فقرا، وكانت أغلب هذه المعازل محاطة بالأسوار وبالأسيجة لعزل اليهود عن العالم الخارجي، وهذه الغيتوات لم تشكل مجتمعات مادية وجغرافية فقط، بل ثقافية واجتماعية أيضا، إذ إن لها لغتها الخاصة التي كانت مزيجاً من العبرية وألمانية القرون الوسطى ومكونات تكتب بالحروف العبرية، وكان لها كذلك بعض العادات والتقاليد المتوارثة.

وتم تأسيس أول غيتو عام 1516، حيث تم جمع اليهود وإجبارهم على العيش في حي واحد، ومُنعوا من العيش خارج الغيتو أو الحي المخصص لهم؛ ففي القرنين السادس عشر والسابع عشر بدأ العديد من الزعماء، كالإمبراطور شارل الخامس، بتأسيس الأحياء اليهودية في مدن مثل فرانكفورت وبراغ وروما لعزل اليهود وتحديد إقامتهم، وانتقلت الفكرة إلى المدن الأوروبية، وتم تطبيقها حتى الحرب العالمية الثانية، واستمر اليهود في العيش بهذه الطريقة حتى قيام دولة إسرائيل، إذ خرجوا من الغيتوات المنتشرة في الدول الأوروبية إلى أرض فلسطين لتأسيس كيانهم، الذي لا يزال متشربا بفكرة الغيتو، لوجوده كزرع شيطاني بين عدد من الدول الرافضة لوجوده، فهذا التاريخ اليهودي الثقيل لايزال وصمة يُعيَّرون بها.

ومع مرور الزمن تطور معنى الغيتو ليشمل مفهوم العزلة الاجتماعية، وأصبحت الغيتوات اليهودية مجرد جزء من المفهوم الأوسع لكلمة غيتو، حيث تستخدم الكلمة اليوم للدلالة على أي منطقة أو مجموعة معزولة عن السكان، بغض النظر عن جذورهم.

واليوم، يجد من يقرأ تاريخ اليهود أنَّ كل الممارسات التي مورست ضدهم من اضطهاد وإذلال، يمارسونها بحذافيرها على الشعب الفلسطيني الأعزل، انتقاما لما حدث لأجدادهم الذين أُحرقوا زمن أدولف هتلر، إذ كان إنشاء الغيتوات خلال الهولوكوست خطوة رئيسية في العملية النازية والفصل العنصري الوحشي، والاضطهاد الذي كان يمارَس ضدهم، وقد أصبحوا يقومون بالممارسات ذاتها بحق الشعب الفلسطيني على أراضيه المحتلة، التي تم تحويلها إلى بيئة مشابهة للغيتوات القديمة؛ فبالنهج نفسه يتم عزل الفلسطينيين في أراضيهم، وتقييد حرياتهم، وحرمانهم أبسط حقوقهم بالعيش في وطنهم بكرامة ودون قيد أو شرط، لاسيما سكان غزة.. إلا أنَّ العزلة والإقصاء – بل والقتل بسبب العرق- تضاعف مرات ومرات منذ السابع من أكتوبر وحتى يومنا هذا، وغزة وسكانها العزل يُقتص منها ومنهم بأبشع الممارسات وأكثرها وحشية.

والعادة أن من يعيش الألم – حتى وإن ارتضاه لمصدر الألم- لا يتمناه لأي أحد آخر، وهذا ما تقتضيه الفطرة السليمة؛ إلا أنَّ الموازين تنقلب عندما يكون الحديث عن إسرائيل، التي استحالت شبحا آخذا بالتغول، ليس فقط لاستنادها إلى كتف الولايات المتحدة الأمريكية، بل ولسيطرة اليهود على المجلس الداخلي السري للحركات الخمسة الرئيسية التي تعمل في العالم؛ والتي يشير إليها الدكتور الحسيني الحسيني معدي مؤلف كتاب “القبالة وشفرة التوراة والعهد القديم”، وهي ماسونية الشرق الأعظم ومركزها باريس، والثيوصوفية، والقومية المتطرفة العدوانية والحركات الفاشية في الولايات المتحدة كالكلانا والمافيا، والمال العالمي الذي يسيطر عليه اليهود أمثال روتشلد وسبنسر ومورجان، والثورة الاجتماعية ويُقصد بها الحركات التخريبية الفوضوية حول العالم.. حتى جرى العمل على تطبيق المؤامرة اليهودية للسيطرة على العالم علميا وعمليا ومنهجيا.

لذا أضحت إسرائيل تتعامل مع العالم من مركز قوة لا مركز ضعف، ومهما أساءت الأدب فلن تُعاقب إسرائيل على قتل المدنيين الغزيين، ولن تعاقب على قتلها عناصر قوافل الإغاثة، سواء كانت تتبع للأونروا أم لأي منظمة كانت، وهي التي  استهدف قناصتها سبعة أفراد من بينهم ستة أجانب يتبعون لمنظمة المطبخ المركزي العالمي مطلع أبريل الجاري؛ ورغم التنسيق المسبق مع جيش الاحتلال على خط سير قوافل الإغاثة فإنها لم تسلم، فالهدف ليس قنصهم بل قنص العمل الإغاثي وبتر ساقه وقطع يده، حتى تخشى أي طواقم من الوصول إلى غزة، ليموت كل من فيها قهراً وجوعاً قبل أن يموتوا قنصاً.

ختاما..

وجه أحد المراسلين الصحافيين سؤالا للرئيس الأمريكي فحواه “هل ستتخلى عن إسرائيل؟”، أثناء مغادرته البيت الأبيض الجمعة، وجاء السؤال على خلفية الخلاف المتزايد بشأن الحرب في غزة.. فكان أن التفت الرئيس الأمريكي إليه سائلا إياه: “من أين أنت يا رجل؟”، حتى كرر المراسل الصحفي السؤال مجددا، ليرد الرئيس الأمريكي ساخراً “هل هذا سؤال جاد؟”.. دون أن يدلي بأي إجابة واضحة على السؤال.

1 تعليق

  1. HUSSAIN MOHD

    بورك قلمك أستاذه على المعلومات القيمه والجديده

    الرد

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

"رأيت أطفالًا محروقين أكثر مما رأيت في حياتي كلها، رأيت أشلاء أطفال ممزقة".. هذه كلمات الدكتور مارك بيرلماتر، طبيب يهودي أمريكي، في شهادته حول العدوان الإسرائيلي على غزة. في مقابلة له على قناة CBS، قدم الدكتور بيرلماتر وصفًا صادمًا لمعاناة أطفال غزة.. الدكتور...

قراءة المزيد
جريمة اسمها التعليم!

جريمة اسمها التعليم!

قالوا قديمًا: "عندما نبني مدرسة، فإننا بذلك نغلق سجنًا".. وذلك لأن المدرسة في رأيهم تنير الفكر، وتغذي العقل، وتقوِّم السلوك؛ وذهب بعضهم إلى قياس تحضر الدول والشعوب بعدد مدارسها وجامعاتها. ومع إيماني الخالص بقيمة العلم وفريضة التعلم، فإنني أقف موقفًا معاديًا تجاه مسألة...

قراءة المزيد
أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

لطالما كان اختيار الإنسان لطريق الهداية أو الضلال معضلةً، طرحت الكثير من التساؤلات عن مدى مسؤولية الإنسان نفسه عن ذلك الاختيار في ظل الإيمان بعقيدة القضاء والقدر، وكيف يمكن التوفيق بين مسؤولية الإنسان عن هداه وضلاله، وبين الإرادة والقدرة الإلهية، وما يترتب عليها من...

قراءة المزيد
Loading...