“الفاجومي”.. حينما يرى نفسه “أجمل واحد في الدنيا”!
بقلم: شريف عبدالغني
| 21 مايو, 2024
مقالات مشابهة
-
السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط
لم تمرّ إلا ساعات فقط بعد إعلان الرئيس الأمريكي...
-
“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟
خلال زيارتي لنائب مدير جامعة السلطان محمد الفاتح...
-
في موقعة أمستردام.. لم تسلم الجرّة هذه المرة !
تقول العرب في أمثالها: "ما كل مرة تسلم الجرة".....
-
عمر بن عبد العزيز والتجربة الفريدة
حين ظهرت له أطلال المدينة المنورة، أيقن الشاب...
-
هيكل: حكايات من سيرة الأستاذ الكاهن (2)
هيكل والسادات مضت السنوات وابتعد محمد حسنين هيكل...
-
أعرني قلبك يا فتى!
أعرني قلبك يا فتى، فإن الأحداث جسام، والأمور على...
مقالات منوعة
بقلم: شريف عبدالغني
| 21 مايو, 2024
“الفاجومي”.. حينما يرى نفسه “أجمل واحد في الدنيا”!
إذا نظرت للمرآة سأرى نفسي أجمل واحد في الدنيا”.. كلمات قالها رجل تحل غداً الأربعاء 22 مايو ذكرى ميلاده الـ 95، ورغم وفاته قبل نحو 11 عاماً فإن إبداعاته وسيرته ومواقفه مازالت تثير الجدل!. أتحدث عن الشاعر الكبير أحمد فؤاد نجم، أو “الفاجومي” كما اشتهر في الساحات السياسية والثقافية والفنية، التي تتشابك حياته في جميعها.
حينما رأى “نجم” نفسه أجمل رجل في الدنيا، لم يكن يقيـّم حاله كشاعر، وإنما كان يتحدث عن “الفاجومي” صاحب المبدأ.. إنه – ورغم الاتفاق أو الاختلاف مع بعض أو كل مواقفه- يُعدّ بالفعل أحد أجمل مبدعي مصر والوطن العربي، ويبقى حالة خاصة في علاقته بالسلطة وسط جيله، الذي يضم طابوراً طويلاً من شعراء وأدباء وفنانين طالوا بمواهبهم عنان السماء.
حينما توفي جمال عبد الناصر كان “نجم” قابعاً في إحدى زنازين الزعيم، وجاء السادات وأخرجه من ظلمات المعتقل.. إذن، فالدنيا مفتوحة أمامه! قصيدة واحدة في حق “فرعون مصر الجديد” كفيلة بأن تعوضه عن كل العذابات التي لاقاها في حياته، والآلام التي أوجعته، والحرمان الذي حاصر طفولته في ملجأ الأيتام؛ لكنه لم ينظمها.
لم يمتدح السادات، بل سلّط عليه كرابيج أشعاره، ثم تحول “الفاجومي” – والكلمة في الثقافة المصرية تعني الشخص الصريح الذي يقول للأعور في عينه أنت أعور- إلى لسان حال المهمشين الذين تضرروا من سياسات السادات وانفتاحه وتطبيعه. وذاعت أغانيه مع رفيق دربه الشيخ إمام عيسى لتُعكّر صفو نظام الحكم، فيعود إلى المعتقل من جديد بتهمة تُعدّ من علامات عصر السادات.. “تكدير الأمن العام”.
هل اعتذر “نجم”، وكتب أي بيتين إشادة بـ”الرئيس المؤمن بطل الحرب والسلام” – حسبما سوّقه الإعلام الرسمي للعامة- حتى يخرج من السجن؟ كعادته لم يفعل، بل وبعدما برّأته المحكمة آثر حياة المنافي.. خرج من مصر التي يعشقها، وغفر لها ظلمها لبعض أولادها الطيبين، وتفضيلها ناهبي خيراتها وناهشي لحمها عليهم.
في الغربة لم يدفعه حنينه إليها إلى طلب العفو من السادات، بل أعطى ملمحاً جمالياً آخر عن نفسه.. زار في الخيال ضريح جمال عبد الناصر وكتب في الرجل الذي سجنه “كلمات – جواهر” من ذهب ولؤلؤ وألماس، كانت سبباً في حب أجيال كاملة للزعيم، الذي – وللمفارقة- خسر كل المعارك التي خاضها:
السكة مفروشة تيجان الفل والنرجس..
والقبة صهوة فرس عليها الخضر بيبرجس..
والمشربية عرايس بتبكي.. والبكا مشروع..
مين دا اللي نايم وساكت والسكات مسموع؟..
سيدنا الحسين؟.. ولّا صلاح الدين؟.. ولّا الإمام؟..
دستور يا حراس المقام..
ولّا الكلام بالشكل ده ممنوع؟!
هنا عظمة “نجم”.. لم تمنعه سنوات الاعتقال من أن يعطي لعبد الناصر حقه ومقامه كما يراه، فضلاً عن أن إخراج السادات لشاعرنا من المعتقل لا يعني أن يسكت عن خطايا عهده. إذن، من حق أحمد فؤاد نجم أن يرى نفسه أجمل واحد في الدنيا؛ فهو لم يبع نفسه أو موهبته لحاكم، عاش حراً وانتمى للناس فقط، فسجّل اسمه في سجل الخالدين.
“نجم” كان أيضاً أحد أشرس المعارضين للرئيس الراحل حسني مبارك، وكانت قصيدته “عريس الدولة” عن جمال مبارك أحد عوامل تجييش الشعب لرفض توريث نجل الرئيس السلطة. وكلنا يتذكر مشهد مذيع “الجزيرة” علي الظفيري، وهو يطلب من نجم خلال مداخله هاتفية التوقف عن إلقاء القصيدة، التي احتوت على كلمات تدخل في باب خدش الحياء.
على النقيض من “الفاجومي” هناك مثقفون عرب لم يعرفوا شيئاً اسمه “مبدأ”.. هم كُثر على امتداد أمتنا، يتواجدون في كل العصور، ويسايرون مختلف الاتجاهات، ويأكلون على كل الموائد. نتذكر الدكتور مصطفى الفقي، الذي كان أحد منظـّري حزب مبارك، ولما تأكد من أن زمنه قد ولّى راح يزيد ويعيد ويرغي، ويلـتّ ويعجن بحكاية أنه عمل معه بهدف “الإصلاح من جوّه النظام”؛ كان يأمل بهذا التبرير أن يفوز بكرسي “كبير مكلمة جامعة الدول العربية”، وهو الكرسي الذي كان سيشبع نهمه في الكلام “عمّال على بطـّال”.
“نجم” الشاعر له سحر خاص، جعل أسماعنا تستعيد اكتشاف وتذوق العامية المصرية بكل مفرداتها وغرابتها.. من أجمل قصائده تلك التي يسرد عبرها في صورة قلمية بديعة تفاصيل إحدى ليالي القبض عليه، والحوار الذي دار بينه وبين من أتوا لاعتقاله وأيقظوه بغلظة من نومه، حيث كان يحلم بحبيبته، التي تبيّن فيما بعد أنها المطربة عزة بلبع:
بلدي وحبيبتي..
الغرام في الدم سارح
والهوى طارح معزّة
والحنين للقرب بارح.. والنوى جارح يا عزة
يا ابتسامة فجر هلّـت، بددت ليلي الحزين..
يا ندى الصبح اللي شقشق فوق خدودي الدبلانين
بلّ شوقهم..
صحـّى لون الورد فوقهم..
مين يدوقهم؟.. مين سواكي؟!.. يا حياتي يا ملاكي..
يا نسيم الحب لمّا هبّ هزّ القلب هزّة..
يا هوى الأحلام يا عزة
ومين سواكي؟
الليلة دي يا حبيبتي جُم خدوني جوز تنابلة ونص دستة من التيران..
كنت بحلم يا حبيبتي
كنت بحلم بيكي إنتي.. ومين سواكي؟!
يا حياتي يا ملاكي..
يا نسيم الحب لما هبّ هزّ القلب هزّة..
يا هوى الأحلام يا عزة
كنا قال أنا وانتي قال في جنينة خَضرا ومحاوطها البرتقان والسيسبان..
وانتي جوا قرنفلاية في العبير بتستحمي..
أجري يمك يا هوايا تسبقيني وتجري يمي..
أحضنك واشرب عبيرك من شفايفك..
والغصون واقفة شايفة بتراعينا..
بس خايفة من العيون..
والعيون بتقول كلام..
والكلام طاير حمام..
بيهادينا بالمحبة وينادينا بالسلام..
وانطلق في الجو فجأة يا حبيبتي صوت مفاجأة..
صوت يخلّي الدم يجمد: إصحى يا أحمد.. إصحى يا أحمد
إنتو مين؟!.. فين إمام؟!
إحنا ناس مُكلفين..
تيجي سالك مش هاتتعب.. واحنا طبعا معذورين..
إنتو دود الأرض والآفة المخيفة..
إنتو ذرة رمل في عنين الخليفة..
إنتو علّة في جسم بلدي.. إنتو جيفة..
سكّتوه ابن الكلاب..
سففوه من التراب..
فتشوا كل الأماكن.. طلعوا رفوف الدولاب..
كمموني يا حبيبتي.. كتفوني.. قوّمونى.. قعدوني..
كل شعرة في جسمي بالعين فتّشوها..
والمخدة من جنانهم شرّحوها..
وانتهى التفتيش.. مفيش..
صدّقيني ما تخافيش..
هو أنا يا عزة عندي ممنوعات؟!.. غير بحب الناس واكره السكات..
بص واحد من التنابلة جوا عيني
وانتي عارفة عنيا صافية وطيبين..
شباكين عالقلب دوغري منورين..
كان مُناه يلمح علامة خوف بسيطة..
طب هاييجى الخوف منين ابن العبيطة..
هو مين فينا الجبان؟!.. ولّا مين فينا اللي خان؟!
اللي قلبه بالأماني وبالربيع الأخضر مزهر والأغاني؟!
ولّا كلب الصيد وأسياده الأباطرة أكّالين لحم البشر فوق الصواني؟!
هو بصّ في عيني بصّة..
وانحمق وفي حلقه غصّة..
واتعوج ومال وقال كلمتين مش مفهومين..
أصله شاف صورتين جُمال في العيون الطيبين
مصر في العين الشمال.. وانتي في العين اليمين!!
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
وقد استجاب القضاء لدعوة الرئيس.. ماذا ينتظر المستأجرون؟!
ذكّرني القول إن المحكمة الدستورية العليا في مصر استجابت لدعوة الرئيس في إصدار حكم، بما مضى. فدائما تذكّرنا القدرات المتواضعة الآن بعهد الرئيس مبارك، فلا يعرف قيمة أمه إلا من يتعامل مع زوجة أبيه، وكثيرون صار شعارهم "رُبّ يوم بكيت منه، فلما مضى بكيت عليه". ولست من هؤلاء...
السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط
لم تمرّ إلا ساعات فقط بعد إعلان الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب نيته تعيين حاكم أركنساس السابق "مايك هاكابي" ليكون سفيرًا للولايات المتحدة لدى إسرائيل وهو المعروف بدعمه منقطع النظير للاستيطان، خاصة في الضفة الغربية التي يعتبرها جزءاً من أرض الميعاد كما يقول،...
“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟
خلال زيارتي لنائب مدير جامعة السلطان محمد الفاتح في إسطنبول، البروفيسور المؤرخ زكريا كورشون، كنت أتحدث معه عن آخر إصداراته، فحدثني عن كتابه "العرب العثمانيون"، ومقصد الكتاب تبيان عمومية النظام السياسي في الإسلام لجميع الأعراق والأجناس في ظل الدولة الواحدة . فالإسلام...
0 تعليق