الفقراء يدفعون ثمن الكوارث “الطبيعية”
بقلم: خليل العناني
| 17 سبتمبر, 2023
مقالات مشابهة
-
غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة
على مدى ما يقارب ٤٧١ يوماً، وقفت غزة وحيدةً...
-
سوريا وثورة نصف قرن
سيسجل التاريخ أن يوم ٨ ديسمبر ٢٠٢٤م يوم مفصلي...
-
خطر الدوغمائية على مآل “الميثاق الغليظ” في المغرب!
يزداد انشغالي فكريًّا ووطنيًّا بما سيثيره مشروع...
-
ماذا عن القرار العباسي بإغلاق مكتب الجزيرة؟!.. يا لك من نتنياهو!
فعلها محمود عباس (أبو مازن)، وأكد عندما فعلها...
-
وقد استجاب القضاء لدعوة الرئيس.. ماذا ينتظر المستأجرون؟!
ذكّرني القول إن المحكمة الدستورية العليا في مصر...
-
السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط
لم تمرّ إلا ساعات فقط بعد إعلان الرئيس الأمريكي...
مقالات منوعة
بقلم: خليل العناني
| 17 سبتمبر, 2023
الفقراء يدفعون ثمن الكوارث “الطبيعية”
حتى كتابة هذه السطور، وصل عدد ضحايا الإعصار في ليبيا إلى حوالي 5300 شخص لقوا مصرعهم، وما يزال أكثر من عشرة آلاف شخص في عداد المفقودين؛ وتشير بعض التوقعات إلى أن عدد الضحايا قد يتجاوز عشرين ألفا. في الوقت نفسه وصل عدد ضحايا الزلزال الذي ضرب المغرب الأسبوع الماضي إلى حوالي 2800 شخص، وأُصيب وشُرّد الآلاف من الأهالي في المناطق الواقعة بين مدينتي مراكش وأغادير.
ما يجمع بين ضحايا البلدين، ليبيا والمغرب، شيء واحد هو الفقر وضعف البنية التحتية في المناطق التي تعرضت لهذه الكوارث؛ ففي مدينة درنة الليبية، اختفت أحياء كاملة من على وجه الأرض نتيجة لانهيار سدّي المدينة، اللذين كانا من المفترض أن يحجزا مياه الأمطار التي نزلت بكثافة وغزارة غير مسبوقة وأدَّت إلى الفيضان؛ وقد جرفت المياه عددا من المباني والمساكن باتجاه البحر المتوسط، بعد أن تحولت إلى ركام وحطام. كذلك فإن المناطق التي ضربها الزلزال في المغرب تعد من بين المناطق الفقيرة والنائية في البلاد، خاصة في أقاليم أزيلال وتارودانت، وقد مُحيت قرى بأكملها نتيجة للزلزال، حيث إن معظم البيوت من المواد البدائية التي لا تستطيع مقاومة الزلزال.
بالطبع، لا يتوقف الأمر على هذين البلدين، ففي كثير من البلدان التي تتعرض لكوارث مشابهة، فإن الفقراء هم أكثر من يدفعون ثمن هذه الكوارث، سواء بسبب أنهم يسكنون، أغلب الأوقات، في أماكن غير مؤهلة لمواجهة هذه الكوارث والتقليل من تداعياتها، أو لأنهم لا يحظون بمثل الاهتمام والدعم اللذين يحصل عليهما غيرهم من المواطنين، الذين يعيشون في أحياء ومناطق أخرى نتيجة لأسباب سياسية واقتصادية واجتماعية وتنموية عديدة. صحيح أنه عندما تقع كارثة طبيعية فإنها لا تفرق بين غني وفقير، إلا أن المناطق والقرى التي لا تتمتع ببنية تحتية قوية من شبكات طرق وجسور وسدود تظهر عوامل الحماية لقاطنيها هشّة في أوقات الأزمات.
حدث الأمر نفسه في بلاد أخرى فقيرة، مثل غالبية الدول الأفريقية التي تدفع ثمن الكوارث المختلفة كالتصحر والجفاف أو الفيضانات، وكذلك في بلاد آسيوية مثل بنجلاديش والفلبين وباكستان وغيرها، وهي بلدان تعاني تكدسا سكانيا وفقرا مدقعا رغم غناها بالموارد الطبيعية، وهنا تكمن المفارقة التي تكشف عن سوءات الحداثة ومشروعها الرأسمالي المتوحش؛ فمعظم ثروات هذه البلدان يتم نهبها بشكل منظم وممنهج من قبل الشركات الكبرى، المدعومة بمنظومة سياسية حاكمة تسعى لتعظيم مكاسبها ومنافعها ولو على حساب الشعوب الفقيرة، كما هي الحال مع فرنسا التي كانت حتى وقت قريب تستولي على خيرات البلدان الأفريقية بأبخس الأثمان، وهذا ما فعلته مع النيجر التي تمد فرنسا بما يقرب من 20 بالمائة من احتياجاتها من اليورانيوم اللازم للكهرباء وتشغيل مصانعها، تماما مثلما كانت مصر أيضا تمد المصانع الإنجليزية في لانكستر ومانشستر ولانكشير بالقطن من أجل تشغيل تلك المصانع، في حين يحصل الشعب الذي كان يشقى ويزرع على الفتات الذي يكاد لا يكفيه للبقاء على قيد الحياة. وهو ما حدث أيضا، وما يزال، في بلدان عديدة بأميركا اللاتينية، خضعت للشركات الأمريكية التي كانت تستغل هذه البلدان لزيادة تراكم رأسمالها، ولذلك لم يكن غريبا أن يكون لهذه الشركات دور مهم في دعم الانقلابات العسكرية، التي عمت القارة الجنوبية خلال الستينات والسبعينات من القرن الماضي، وذلك للتخلص من معارضي سياساتها الاستعمارية الجديدة ممثلة في الرأسمالية والنيوليبرالية الجديدة.
وحسب العديد من الدراسات فإن متوسط عدد الذين يموتون بسبب الكوارث يصل إلى حوالي ٤٥ ألف شخص على مستوى العالم كل عام، وهو ما يمثل حوالي 0.1٪ من الوفيات العالمية؛ ورغم أن هذا الرقم يعد أقل من الذي كان قبل حوالي قرن حيث انتشرت الأوبئة والأمراض، فإنه لا يمكن إغفال الآثار المدمرة لهذه الكوارث مثل المجاعة والجفاف في إثيوبيا في الفترة 1983-1985، وزلزال المحيط الهندي وتسونامي عام 2004، وإعصار نرجس الذي ضرب ميانمار في عام 2008، وزلزال بورت أو برنس 2010 في هايتي، أو زلازل تركيا، وأهمها الزلزال الأخير الذي وقع في شهر فبراير الماضي. كل هذه الأحداث رفعت أعداد الوفيات الناجمة عن الكوارث العالمية إلى أكثر من 200 ألف شخص -أي أكثر من 0.4% من الوفيات- خلال العقدين الأخيرين، وغالبا ما يكون الفقراء وذوي الدخل المنخفض هم الأكثر عرضة لدفع ثمن هذه الكوارث.
وإذا أضفنا إلى هذه الكوارث، تلك الصراعات والحروب الأهلية الطاحنة، كما هي الحال الآن في بعض البلدان العربية، يصبح الموضوع مأساويا، وذلك على غرار ما يحدث في ليبيا واليمن وسوريا التي اجتمع عليها طغيان البشر وغضب الطبيعة. وفي ظل ارتفاع معدلات التغير المناخي، الناجمة عن نمط الإنتاج والاستهلاك الرأسمالي الذي يزيد معدلات إنتاج أول أوكسيد الكربون المدّمر للمناخ والبيئة، فإن العالم سوف يشهد المزيد والمزيد من الكوارث كالفيضانات والزلازل والجفاف وغيرها، وهي الكوارث التي يدفع الفقراء ثمنها غاليا.
أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!
أخيراً تحقق لها المراد! فقد صافحت الوزيرة الألمانية أنالينا بيربوك الوزيرَ السوري أسعد الشيباني في الرياض، بعد الضجة الكبرى لعدم مصافحة أحمد الشرع لها، والاكتفاء بالترحيب بها بوضع يده مبسوطة إلى صدره! وكما كان عدم المصافحة في دمشق خبرَ الموسم في الإعلام الغربي، فقد...
غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة
على مدى ما يقارب ٤٧١ يوماً، وقفت غزة وحيدةً صامدةً تواجه مصيرها، كآخر بقعة تتموضع عليها القضية الفلسطينية، بعد أن تم تدجين العالم العربي كله وصولاً إلى تدجين فلسطين نفسها بقيادة أكثر صهيونية من الصهيونية نفسها، لا هدف لها سوى أن تُنسي الفلسطينيين والعالم كله شيئاً...
سوريا وثورة نصف قرن
سيسجل التاريخ أن يوم ٨ ديسمبر ٢٠٢٤م يوم مفصلي وخالد في تاريخ سوريا والمنطقة كلها؛ فالحدث فيه كبير جداً، وأشبه بزلزال شديد لن تتوقف تداعياته عند حدود القطر السوري، لعمق الحدث وضخامته ودلالته، وهو الذي يمثل خلاصة نضال وكفاح الأخوة السوريين على مدى ما يقرب من نصف قرن ضد...
0 تعليق