القصص القرآني | خصائصه وظواهره

بقلم: د. علي محمد الصلابي

| 14 يوليو, 2023

مقالات مشابهة

مقالات منوعة

بقلم: د. علي محمد الصلابي

| 14 يوليو, 2023

القصص القرآني | خصائصه وظواهره

تحيط بالقصة القرآنية ظواهر فنية عديدة، لها حساب معلوم في الدراسة الفنية للقصة الحرة في عالم الفنون، ومن تلك الظواهر نستعرض في مقالتنا الآتي:

أولا: تنوع طرائق العرض

في قصص القرآن الكريم أربع طرائق مختلفة للابتداء في عرض القصة:

الأولى: يُذكر ملخصٌ للقصة يسبقها، ثمّ يأتي التفصيل بعد ذلك، من بدئها إلى نهايتها، ومثال ذلك قصة أهل الكهف.
الثانية: يتقدم التذكير بعاقبة القصة ومغزاها، ثمّ تبدأ القصة بعد ذلك من أولها وتسير بتفاصيل خطواتها، وذلك كقصة موسى -عليه السلام- في سورة القصص، وقريب من هذا النحو قصة يوسف -عليه السلام-.
الثالثة: تعرض القصة مباشرة بلا مقدمة ولا تلخيص، ويكون في مفاجآتها الخاصة ما يُغني، وذلك كما في قصة مريم عند مولد عيسى -عليه السلام-، ومفاجآتها معروفة، وكذلك قصة سليمان -عليه السلام- مع النمل والهدهد وبلقيس.
الرابعة: تغدو القصة تمثيلية، فيُذكر من الألفاظ فقط ما ينبه إلى ابتداء العرض، ثمّ تُترك القصة تتحدث عن نفسها بوساطة أبطالها، وذلك مثل قوله تعالى: ﴿وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل﴾ [البقرة: 127] ؛ فهذه إشارة البدء، أما ما يلي ذلك فمتروك لإبراهيم وإسماعيل: ﴿ربنا تقبَّل منا إنك أنت السميع العليم﴾ [البقرة: 127]، إلى نهاية المشهد الطويل، ولهذا نظائره في كثير من قصص القرآن الكريم.  

 

ثانيا: تنوع طرائق المفاجأة

فمَرّة يكتم سر المفاجأة عن البطل وعن القارئ، حتى يُكشف لهما معا في آن واحد، مثال ذلك قصة موسى -عليه السلام- مع العبد الصالح والعالم في سورة الكهف.
في أخرى يكشف السر للقارئ، ويترك أبطال القصة عنه في عماية، وهؤلاء يتصرفون وهم جاهلون بالسر، وأولئك يشاهدون تصرفاتهم عالمين، وأغلب ما يكون ذلك في معرض السخرية؛ ومثل ذلك ما نراه في قصة أصحاب الجنة في سورة القلم.
في ثالثة يكشف بعض السر للقارئ، وهو خاف على البطل في موضع، وخاف على القارئ  وعلى البطل في موضع آخر في القصة الواحدة؛ ومثال ذلك قصة عرش بلقيس الذي جيء به في غمضة، وعرفنا نحن أنه بين يدي سليمان -عليه السلام- في حين أن بلقيس ظلّت تجهل ما نعلمه نحن، قال تعالى: ﴿فلما جاءت قيل أهكذا عرشكِ قالت كأنه هو وأوتينا العلم من قبلها وكنا مسلمين﴾ [النمل: 42]؛ فهذه مفاجأة عرفنا سرها سلفا، ولكن مفاجأة الصرح الممرّد من قوارير ظلت خافية علينا وعليها حتى فوجئنا بسرها معا حين: ﴿قيل لها ادخلي الصرح فلما رأته حسبته لُجَّةً وكشفت عن ساقيها قال إنه صرحٌ مُمرَّدٌ من قوارير﴾ [النمل: 44].
وفي رابعة: لا يكون هناك سر، بل تواجه المفاجأة البطل والقارئ في آن واحد، ويعلمان سرها في الوقت ذاته؛ وذلك كمفاجأة قصة مريم.

ثالثا: الفجوات بين المشاهد في عرض القصة:

تلك الفجوات بين المشهد والمشهد، التي يتركها تقسيم المشاهد و(قص) المناظر، مما يؤديه في المسرح الحديث “إنزال الستار”.

د. علي محمد الصلابي

مفكر سياسي ليبي

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!

أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!

أخيراً تحقق لها المراد! فقد صافحت الوزيرة الألمانية أنالينا بيربوك الوزيرَ السوري أسعد الشيباني في الرياض، بعد الضجة الكبرى لعدم مصافحة أحمد الشرع لها، والاكتفاء بالترحيب بها بوضع يده مبسوطة إلى صدره! وكما كان عدم المصافحة في دمشق خبرَ الموسم في الإعلام الغربي، فقد...

قراءة المزيد
غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة

غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة

على مدى ما يقارب ٤٧١ يوماً، وقفت غزة وحيدةً صامدةً تواجه مصيرها، كآخر بقعة تتموضع عليها القضية الفلسطينية، بعد أن تم تدجين العالم العربي كله وصولاً إلى تدجين فلسطين نفسها بقيادة أكثر صهيونية من الصهيونية نفسها، لا هدف لها سوى أن تُنسي الفلسطينيين والعالم كله شيئاً...

قراءة المزيد
سوريا وثورة نصف قرن

سوريا وثورة نصف قرن

سيسجل التاريخ أن يوم ٨ ديسمبر ٢٠٢٤م يوم مفصلي وخالد في تاريخ سوريا والمنطقة كلها؛ فالحدث فيه كبير جداً، وأشبه بزلزال شديد لن تتوقف تداعياته عند حدود القطر السوري، لعمق الحدث وضخامته ودلالته، وهو الذي يمثل خلاصة نضال وكفاح الأخوة السوريين على مدى ما يقرب من نصف قرن ضد...

قراءة المزيد
Loading...