القضية التي لن تنتهي
بقلم: إبراهيم عبد المجيد
| 19 مارس, 2024
مقالات مشابهة
-
الناقد ومراوغة النص..
استكشاف حالة التقييم المراوغة.. تلك التي ترفض...
-
شكرا للأعداء!
في كتاب "الآداب الشرعية" لابن مفلح، وكتاب "سراج...
-
“سيد اللعبة”.. قصة هنري كيسنجر ودوره في الشرق الأوسط (1)
عندما كنت أحضّر حلقة وثائقية من برنامج مذكرات عن...
-
11 سبتمبر.. هل استوعبت أمريكا الدرس؟
بعد مرور أكثر من عقدين على أحداث 11 سبتمبر 2001،...
-
أبناء الله وأحباؤه
يروى أن رجلاً كان لديه خاتم الحكمة، فقرر إذ مرض...
-
الظلم الغربي في دعم العدوان على غزّة
في القرآن الكريم، وردت الإشارة إلى العدوان سبعاً...
مقالات منوعة
بقلم: إبراهيم عبد المجيد
| 19 مارس, 2024
القضية التي لن تنتهي
حلَّ علينا شهر رمضان الكريم الذي يكثر فيه الدعاء باليمن والبركات، كما تكثر فيه المسلسلات التليفزيونية.. لا تزال إسرائيل مستمرة في بغيها وإبادتها لأهل غزة، ويكثر الحديث عن اتفاقات لا تتم بينها وبين حماس.. مثلي لا يناقشها أو يهتم بها، ويراها ألاعيب صهيونية لتستمر إسرائيل في إجرامها؛ وعلى الجوانب الأخرى تستمر الحياة في الدول العربية والإسلامية، ليس نكرانا لحقوق أهل غزة وفلسطين، ولكن تمسكا بالحياة التي نتمنى أن تعود لغزة ولفلسطين وأهلها.
من بين أكثر القضايا الثقافية التي تشغل الحياة كل رمضان في مصر، الحديث عن المسلسلات التليفزيونية.. قبل ظهور السوشيال ميديا كان ذلك يتم في مقالات نقدية يكتبها نقاد السينما، ويقرؤها من يشترون الصحف ويهتمون بالفنون والآداب، وبالطبع لم يكن يعرفهم أحد، فهم قراء للصحف في بيوتهم، أو في وسائل المواصلات، أو الحدائق وغيرها من الأماكن. الآن اتسع الأمر، فصارت السوشيال ميديا حافلة بالآراء لكل الناس، وليس فقط لنقاد الفنون..
بعض الآراء لطيف يدخل في دائرة الضحك أو السخرية من بعض الممثلين، وبعضها يمدحهم مديحا فائقا، وهذا أمر طبيعي، فالسوشيال ميديا جعلت الفضاء مفتوحا لكل الناس، من كل الأعمار، ذكورا وإناثا؛ لكن بعضا آخر يتحدث حديثا جادا يستحق الوقوف عنده أو قراءته، ليس لصحته أو عدمها، بل لأن صاحبه بذل مجهودا في البحث.
كذلك تعكس السوشيال ميديا حال الأمة، ومساحة الشك الشائعة عند كثيرين في ما تحمله بعض الأعمال وراءها من أهداف فكرية أو سياسية؛ وهنا يظهر الانقسام الموجود للأسف، والذي سببه هو الفجوة بين السلطة والناس، السلطة التي تعتبر نفسها على حق في كل ما تفعل وأن الناس على خطأ، وعليهم أن يعيشوا وفقا لتعليماتها أو نصائحها في وسائل الإعلام، ولا تعترف بأي خطأ، وهنا تقفز السياسة فتفسد النقد الفني، وما دمتَ لا تثق في ما تقدمه السلطة التي تحتكر إنتاج المسلسلات والأفلام، ستفقد الثقة في ما هو أمامك وتبحث عما وراءه، وتُطِلّ نظرية المؤامرة!
عشت مؤمنا أن للنقد الفني أدواته، فالفيلم أو المسلسل ليس كتابا مؤلفه شخص واحد، إنما هو عمل يتم إنجازه من أشخاص عديدين، كاتب السيناريو والمخرج والمنتج وقدراته ومهندس الديكور ومؤلف الموسيقا وأداء الممثلين، وقوانين الرقابة على المصنفات الفنية، ومدى اتساعها أو ضيقها.. هذه كلها عوامل يمكن أن تزيد مساحة الحرية لموهبة أصحابها، لكنها أيضا يمكن أن تقلل من المساحة لقوة الرقابة، أو تحدّ من القدرة على الاختيار الجيد للمثلين أو غيرهم من منفذي العمل.
تابعت الجدل الدائر الآن حول مسلسل الحشاشين، الذي شاهدت منه القليل، أبهجني في الأداء وفي كل شيء، لكني لم أتابعه هو أو غيره بشكل يومي، فأنا لا أتحمل كم الإعلانات التي بين الحلقة الواحدة في أي مسلسل، والتي يزيد وقتها أحيانا عن المسلسل نفسه، بحيث يبدو لك أن ما تراه هو إعلانات، بينها مشاهد من مسلسل لا تعرف ما هو أو ما أهميته، أو تتساءل مندهشا عمن وضع المشاهد التمثيلية بين الإعلانات، ولماذا؟!
لست ضد الجدل الدائر، فأي جدل حول عمل فني يعطيه تقييما سلبيا أو إيجابيا يزيد من أهميته ومن مشاهديه، بل ربما كان النقد السلبي – على العكس مما هو متصور- دافعا أقوى للمشاهدة، باعتبار أن هناك من يحب أن يرى ما هو غريب أو شاطح. تضمّن الجدل آراء لبعض المثقفين مثل وائل عباس، الصحفي والكاتب وصانع المحتوى الشهير وأحد شباب ثورة يناير، ومما قاله عن الحلقة الأولى من مسلسل الحشاشين أشياء لم تكن مجرد رأي، لكن إشارات إلى وقائع وأحداث.
مما قاله مثلا إن “تتر” المسلسل يحتوي على مدن ذات طابع معماري هندي ومملوكي لا علاقة لها بعصر الحشاشين، فالطراز المعماري المملوكي لم يظهر إلا بعد تلك الفترة بقرون، وإن الصليبيين يستخدمون لغة فرنسية حديثة في المسلسل، بينما في القرن الحادي عشر لم تكن اللغة الفرنسية قد ظهرت بعد، وفرنسا نفسها لم يكن اسمها فرنسا، بل مملكة فرانكيا أو فرانكيا الجنوبية، ولم تكن باريس قلعة على هضبة كما صورها المسلسل، ولم يكن اسمها باريس، بل كان اسمها لوتيتيا أو لوتيتيا باريسيوروم،
وأن قصة الصداقة بين الصباح والخيام ونظام الملك تاريخيا ليست صحيحة، فلم يكونوا أبدا في المدرسة في نيسابور، ونظام الملك كان عمره ستة عشر عاما يوم وُلد حسن الصباح، أما الصباح فقد كان عمره أربعة عشر عاما يوم ولد عمر الخيام، ما يعني أن نظام الملك كان في الثلاثين من عمره يوم مولد الخيام، فكيف كانوا أصدقاء؟..
إضافة إلى انتقادات أخرى يطرحها مع كل حلقة، وهي مسائل – كما ترى- تتعلق بتاريخ الوقائع وشكل العمارة، يمكن الوقوف عندها، وهي تتصل بالإخراج والديكور. وهناك انتقادات لآخرين مثل: كيف يستخدم السيناريست عبد الرحيم كمال اللهجة العامية المصرية في عمل تاريخي؟ وهذا القول طبعا لا أقف عنده، فالحرية مكفولة للمؤلف في استخدام اللغة التي يراها أقرب إلى المشاهد، ولقد فعلها يوسف شاهين مثلا في فيلم “المصير”، الذي تدور أحداثه في الأندلس عن ابن رشد.
في آراء وائل عباس لا نرى خلفية سياسية، بل شيئا يتعلق بفنية العمل، الآراء السياسية قفزت عند آخرين رأوا في العمل رسالة موجهة ضد الإخوان المسلمين، باعتبار أنه لا فرق بين اغتيالات الفرقة الخاصة بالإخوان، التي أنشأها مرشد الإخوان حسن البنا في أربعينيات القرن الماضي، واغتيالات جماعة الحشاشين، وباعتبار أن طاعة مسؤول الجماعة حسن الصباح لا نقاش فيها، مثل طاعة مرشد الإخوان.
أنا طبعا لا أعرف النيات للرد على من يقول هذا، لكن طاعة مسؤول أي جماعة شمولية عرفناها عبر التاريخ في ألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية وروسيا الشيوعية، وأي حكم شمولي مدني أو عسكري، والاغتيالات لم تتوقف في مثل تلك البلاد، وستالين قد تتبع تروتسكي في منفاه وتم قتله في المكسيك، والأمثلة كثيرة في التاريخ. باختصار، أخرج المعلقون الذين اتسعت لهم السوشيال ميديا المسلسل من الفن إلى السياسة، ما دعا المخرج بيتر ميمي لإصدار بيان يوضح فيه أن المسلسل ليس عملا وثائقيا، لكنه دراما تاريخية يمكن أن تتغير فيها الأحداث؛ ويعطي أمثلة من أفلام عالمية مثل فيلم المخرج تارانتينو، الذي ظهر فيه قتل هتلر وهو ما لم يحدث، ومثل فيلم ريديل سكوت عن نابليون، ويتساءل: هل كان هذا نابليون الذي في كُتب التاريخ؟. إلى آخر ما جاء في البيان مبررا ما قدموه.
وهذا رأي في الحقيقة صائب، والأمثلة التي قدمها – وهناك غيرها كثير- لها دلالتها، فحرية الفن متسعة.. وأُضيف أنا أن المهم الحديث عن التجليات الفنية للعمل، هذا هو الأجدى بعيدا عن التصورات السياسية المسبقة. وتبقى مناقشة الدراما وفقا لفِكَر محددة سلفا موضوعا غير مناسب للعمل الفني، لكن الهوة بين السلطة وكثير من الناس – كما قلت- تؤدي إلى الوقوع في هذا الفخ الذي يبدو نقدا وهو سياسة، هذه الحالة يمكن أن تدفع إلى رفض أي عمل، سواء هذا العمل أو غيره.
وفي النهاية لا بد من تحية للكاتب عبد الرحيم كمال على كتاباته الفارقة في الدراما، ولكل من ساهم في هذا العمل المثير وفي أعماله السابقة، رغم أي نقد أو انتقادات.
1 تعليق
إرسال تعليق
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
سقوط حلب.. في سياسة الحمدانيين
شهدت مدينة حلب السورية الشهيرة حدثًا بارزًا في تاريخها السياسي والاجتماعي، تمثل في سقوطها بيد العسكرة الإمبراطورية البيزنطية في القرن الرابع الهجري، وجاء في إطار الصراع السياسي والعسكري المستمر بين الإمبراطورية البيزنطية والدولة الحمدانية العربية، التي كانت تسيطر على...
الناقد ومراوغة النص..
استكشاف حالة التقييم المراوغة.. تلك التي ترفض الانصياع للقانون الأدبي لتكون حرة طليقة لايحكمها شيء.. وتحكم هي بمزاجها ما حولها.. تأطيرها في قانون متفق عليه لتخرج من كونها حكما مزاجيا، وتدخل عالم التدرج الوظيفي الإبداعي الذي نستطيع أن نتعامل معه ونقبل منه الحكم على...
هل تستطيع أوروبا الدفاع عن نفسها؟
مع تزايد الدعوات في واشنطن لكي تتولى أوروبا مسؤولية دفاعها وأمنها، ترتجف بروكسل خوفًا من النتائج.. إن التحول في الكيفية التي ينظر بها كل من جانبي الأطلسي إلى موقف الآخر من شأنه أن يوفر الدفعة التي يحتاجها الاتحاد الأوروبي لكي يصبح حليفًا أقل اعتمادًا على الولايات...
كلام منطقي جدا يا أستاذنا