الكويت وإيران | بين ألوية التصعيد ورايات التهدئة
بقلم: د. جاسم الجزاع
| 16 يوليو, 2023
مقالات مشابهة
-
الناقد ومراوغة النص..
استكشاف حالة التقييم المراوغة.. تلك التي ترفض...
-
شكرا للأعداء!
في كتاب "الآداب الشرعية" لابن مفلح، وكتاب "سراج...
-
“سيد اللعبة”.. قصة هنري كيسنجر ودوره في الشرق الأوسط (1)
عندما كنت أحضّر حلقة وثائقية من برنامج مذكرات عن...
-
11 سبتمبر.. هل استوعبت أمريكا الدرس؟
بعد مرور أكثر من عقدين على أحداث 11 سبتمبر 2001،...
-
أبناء الله وأحباؤه
يروى أن رجلاً كان لديه خاتم الحكمة، فقرر إذ مرض...
-
الظلم الغربي في دعم العدوان على غزّة
في القرآن الكريم، وردت الإشارة إلى العدوان سبعاً...
مقالات منوعة
بقلم: د. جاسم الجزاع
| 16 يوليو, 2023
الكويت وإيران | بين ألوية التصعيد ورايات التهدئة
عندما نتأمل في حالة العلاقات الكويتية الإيرانية نجدها لم تسر على وتيرة واحدة، فقد كانت تتراوح ما بين التقارب والتباعد، ورفع ألوية التصعيد والتهدئة، وكادت أن تصل في فترة من الفترات إلى التطرف في العلاقات.
في بداية الستينات حصلت الكويت على استقلالها وسيادتها، واعترفت إيران بهذا الاستقلال وقامت بفتح سفارة لها في الكويت، فكانت أولى الدول التي افتتحت سفاراتها في الكويت، وكانت تلك بداية العلاقات بين البلدين. ولما قام الرئيس العراقي السابق عبد الكريم قاسم في بداية السبعينات بتهديد الكويت والمطالبة بضمها للعراق وقفت إيران موقفا إيجابيا مع الكويت، إذ أعلنت أنها ضد هذه الدعوى، فكانت دلالة على أن العلاقة ما زالت تحمل لواء التهدئة وحسن الجوار.
وعندما قامت الثورة الإيرانية الإسلامية أواخر السبعينات، ضد النظام الملكي الذي كان يترأسه الشاه محمد رضا البهلوي، رفضت الكويت الثورة الإيرانية في بدايتها، فقد كانت لديها رغبة في الدفاع عن النظام الملكي الإيراني؛ لوجود الانسجام النسبي بين نظام الشاه في إيران وبين الكويت في معظم المجالات، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وكان المسؤولون في الكويت يخشون من أنَّ إزالة النظام الملكي الإيراني، وظهور نظام جديد في إيران قد يؤثر سلبا على العلاقات الكويتية الإيرانية، وكانت الخشية أيضا أن ترفع الثورة الإيرانية لواء التصعيد بدلا من التهدئة؛ كما أن الأنظمة في الخليج كانت تخشى من انتقال الأفكار الثورية إلى المنطقة. ولكن بعد وصول أقطاب الثورة الإيرانية للسلطة أصبح من المعقول للكويت أن تعترف بالنظام الجديد في إيران، وسادت العلاقات الودية بين البلدين ورُفعت رايات التهدئة.
ومن يتأمل مسار حرب الخليج الأولى، التي اندلعت بين العراق وإيران من سنة 1980 إلى سنة 1988م، يجد أن العلاقات الكويتية الإيرانية قد رفعت لواء التصعيد، وسادتها حالة من التوتر والتأزم الشديد طيلة سنوات الحرب، فقد قامت الكويت بتقديم الدعم السياسي والاقتصادي والعسكري والمالي للعراق ضد إيران، وقد أدركت الكويت منذ البداية أن انتصار إيران على العراق يمثل تهديدا واضحا للكويت، فقامت بتسخير كافة إمكاناتها الإعلامية والسياسية والاقتصادية والعسكرية لصالح العراق. وكان الدعم الكويتي للنظام العراقي سببا لجعل الكويت مرمى للهجمات الإيرانية؛ وفي هذا السياق جاءت الاعتداءات على ناقلات النفط الكويتية، واختطاف الطائرة الجابرية وغير ذلك، فكانت رايات التصعيد في أوجها بين الدولتين.
وفي عام 1988م قبل النظام في إيران تنفيذ قرار مجلس الأمن الداعي لوقف إطلاق النار والدخول في مفاوضات مباشرة مع العراق، وأعلنت الكويت ترحيبها بانتهاء الحرب، وأعلن الطرفان عن استعدادهما لإعادة العلاقات الطبيعية بينهما، واستئناف الرحلات بين البلدين، فتم رفع راية التهدئة من جديد.
وبعد اجتياح القوات العسكرية العراقية للكويت في 2 أغسطس 1990م، أدانت إيران هذا الاجتياح، وأعلنت تضامنها مع الكويت ضد الاجتياح العراقي، حفاظا على العلاقات الإيرانية الكويتية ولإبقائها تحت راية التهدئة بينهما، واعتبرت الموقف فرصة لتحسين علاقاتها مع الكويت، وأوقفت إيران مفاوضات السلام مع العراق، وطالبت العراق بالانسحاب غير المشروط من الكويت. وعندما رفض العراق الانسحاب من الكويت ورفض جميع النداءات، أعلنت إيران وقوفها على الحياد، وعدم التدخل لحساب طرف ضد الآخر.
وفي الفترة التي تولى فيها أكبر هاشمي رفسنجاني الحكم في إيران، التي امتدت بين سنتي 1989 و1997م، مالت سياسة إيران تجاه الكويت إلى الدفء السياسي، وعندما وصل الرئيس محمد خاتمي إلى سدة الحكم (1997- 2005م) انتهج سياسة إبقاء المهادنة، وحسن العلاقات بين إيران والكويت.
في عام 2003م بدأت الحرب الأمريكية على العراق، وأيد النظام الإيراني الغزو الأمريكي للعراق نظرا للعداء التاريخي بين البلدين، وقد مثل هذا الموقف الإيراني تجاه العراق مصدرا لمخاوف الكويت، نظرا للتهديد الطائفي المحتمل الذي سيتفجر في العراق.
بعد عام 2011م وأحداث الربيع العربي بدأت مرحلة جديدة من التصعيد، ورفع حدة التوتر التدخل الإيراني في الشؤون الداخلية للكويت، وأكد ذلك اكتشاف القوات الأمنية في الكويت وجود شبكات تجسس تعمل لصالح النظام في إيران، ومنها خلية مسلحة تم ضبطها في منطقة العبدلي. كما ساهمت الحرب في سوريا بين الثوار والنظام في زيادة توتير العلاقة بين الكويت وإيران، حيث إن أحد البلدين كان مؤيدا للنظام الحاكم في سوريا، والذي لا يحظى بقبول استمراره بين أغلب الأنظمة العربية والشعوب العربية، نظرا لشدة القمع الذي مارسه منذ البدايات ضد الشعب، وكانت الكويت داعمة لكل الجهود والحلول السلمية ولفتح مجال العمل الإغاثي. وفي موقف مشابه جاءت المشاركة الكويتية ضمن قوات التحالف التي تقودها المملكة العربية السعودية في اليمن ضد قوات الحوثي، المدعوم من النظام الإيراني، ما أدى إلى رفع رايات التصعيد إلى أعلى مستوى.
إلا أن الأوضاع العالمية تغيرت في السنتين الأخيرتين، فجاءت مساعي التقارب بين السعودية وإيران، وعاد النظام السوري إلى جامعة الدول العربية؛ وهذه التطورات أعادت حالة من الدفء السياسي إلى العلاقات بين الكويت وإيران، وفي عام 2022م عينت الكويت سفيرا لها لدى إيران، وذلك بعد فترة خفض تمثيلها الدبلوماسي عام 2016م.
يوضح هذا العرض أن العلاقات السياسية الكويتية الإيرانية علاقات تاريخية ذات بعد متذبذب، وقد حافظت الكويت قدر المستطاع على حسن هذه العلاقة في أغلب الأوقات، ورغم ما أصاب العلاقات بين الدولتين في بعض الأحيان من التوتر والقلق بقي هناك خيط يحفظ العلاقة والمصالح المشتركة بين الدولتين، وكانت الكويت حريصة على أن لا ينقطع هذا الخيط، لاستمرار سير مصالح دول المنطقة، وإيمانا من النظام الكويتي بضرورة استقرار المنطقة.. ولا ندري، أتدوم حالة التهدئة، أم أن التصعيد سيعود من جديد؟.
أكاديمي كويتي
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
سقوط حلب.. في سياسة الحمدانيين
شهدت مدينة حلب السورية الشهيرة حدثًا بارزًا في تاريخها السياسي والاجتماعي، تمثل في سقوطها بيد العسكرة الإمبراطورية البيزنطية في القرن الرابع الهجري، وجاء في إطار الصراع السياسي والعسكري المستمر بين الإمبراطورية البيزنطية والدولة الحمدانية العربية، التي كانت تسيطر على...
الناقد ومراوغة النص..
استكشاف حالة التقييم المراوغة.. تلك التي ترفض الانصياع للقانون الأدبي لتكون حرة طليقة لايحكمها شيء.. وتحكم هي بمزاجها ما حولها.. تأطيرها في قانون متفق عليه لتخرج من كونها حكما مزاجيا، وتدخل عالم التدرج الوظيفي الإبداعي الذي نستطيع أن نتعامل معه ونقبل منه الحكم على...
هل تستطيع أوروبا الدفاع عن نفسها؟
مع تزايد الدعوات في واشنطن لكي تتولى أوروبا مسؤولية دفاعها وأمنها، ترتجف بروكسل خوفًا من النتائج.. إن التحول في الكيفية التي ينظر بها كل من جانبي الأطلسي إلى موقف الآخر من شأنه أن يوفر الدفعة التي يحتاجها الاتحاد الأوروبي لكي يصبح حليفًا أقل اعتمادًا على الولايات...
0 تعليق