المرأة العربية ونفض غبار الرجعية

بقلم: د. جاسم الجزاع

| 10 مارس, 2024

مقالات مشابهة

مقالات منوعة

بقلم: د. جاسم الجزاع

| 10 مارس, 2024

المرأة العربية ونفض غبار الرجعية

مقالٌ يسلط الضوء على دور المرأة العربية في الحضارة الإسلامية، من تحريرها وتعليمها إلى تأثيرها في مجالات الثقافة والسياسة، وتوثيق مساهمتها المهمة في بناء الأمة العربية وتطويرها.

المرأة في التراث الإسلامي – من التهميش إلى الريادة

لقد رفع الإسلام من مكانة المرأة، ونقلها من واقع التجاهل والإهمال إلى حياة العز والكرامة، وحررها روحًا وجسدًا، وأتاح لها فرصة التزود بالعلم والمعرفة، وسوَّى بينها وبين الرجل في الحقوق والواجبات؛ فكان أن آن الأوان لتنفض المرأة العربية عن نفسها غبار الرجعية، وذهبت لتساهم بفكرها وعقلها في صناعة تاريخ الأمة العربية، وفي نهضة المجتمع الإسلامي وتطوره في شتى المجالات، فأصبحت محط أنظار المؤرخين العرب على مر العصور والأزمان.

ونظرًا للمكانة المرموقة التي حظيت بها المرأة العربية في بيئتها ومجتمعها، ودورها الكبير في بناء صرح الحضارة العربية الإسلامية، كان من الطبيعي أن تشغل أذهان وعقول المؤرخين العرب، فذهبوا يكتبون عنها في الكتب، ويصنفون من أجلها الموسوعات لبيان حقوقها وفضلها، فكتبوا عنها الحكايات.. فكانت حكاية المرأة العربية العالمة، والطبيبة، والمجاهدة، والسياسية، والشاعرة، والزاهدة، والمغنية، والسلطانة؛ وبحثوا في خصائصها العرقية والنفسية والخلقية والثقافية وغيرها.

والتراث العربي الإسلامي يزخر بالعديد من الكتب والمصنفات والرسائل، التي تحدثت عن المرأة ودورها في المجتمع، وفي صناعة تاريخ هذه الأمة.. فهذا شمس الدين الذهبي يترجم لثمانٍ وثمانين امرأة، شاعرات ومحدثات وطبيبات وأديبات؛ ويترجم ابن عساكر كذلك لعدد كبير من النساء منهم طبيبات، والإمام السيوطي له كتاب “المستظرف من أخبار الجواري” وكتاب “نزهة الجلساء في أشعار النساء”.

بالإضافة إلى ذلك، خصص كثير من المؤلفين أجزاءً كبيرة من مؤلفاتهم الأخرى للحديث عن المرأة، فالسخاوي خصص جزءًا من كتابه “الضوء اللامع لأهل القرن التاسع” للنساء البارزات في الدولة الإسلامية في العلوم والسياسة والاجتماع، وقد اشتمل هذا الكتاب على أكثر من 1070 ترجمة لنساء برزن في ذلك القرن في مختلف المجالات؛ كما أن الشاعر ابن عبد ربه والمؤرخ الأصبهاني قد خصصا أجزاءً كبيرة من مؤلفاتهما تحدثا فيها عن المرأة، وكذلك أفرد الجاحظ في كتاباته أجزاءً كبيرة للحديث عن المرأة وذكائها وفطنتها وتدبيرها.

وهذا المحدث والمؤرخ الكبير ابن الأثير الجزري يخصص جزءًا كاملًا للنساء في كتابه “أُسْدُ الغابة في معرفة الصحابة”، وفي هذا الكتاب الكبير قام ابن الأثير بعمل استقصاء وحصر شامل لجميع الصحابة والصحابيات الذين صحبوا النبي ﷺ. والكتاب يتكون من ستة أجزاء، ويشتمل على أكثر من سبعة آلاف ترجمة.

وقد لفت واقع المرأة المسلمة أنظار الرحالة والمؤرخين العرب، فالمؤرخ والرحالة ابن بطوطة يذكر أنه في أثناء رحلته في دمشق زار المسجد الأموي، وسمع فيه عددًا من محدثات ذلك العصر، مثل زينب بنت أحمد، وكانت امرأة عالمة في الحديث، وفاطمة بنت جوهر العالمة الجليلة، والشيخة عائشة بنت محمد، وكانت تتكسب من مهنة الخياطة، وقد كان لها أيضًا مجلس علم، وقد ذكر ابن بطوطة أنه قد قرأ عليها عددًا من الكتب.

ولا ننسى دور المرأة المسلمة في عالم السياسة، وأبرز ما جاءتنا به الأخبار حكاية السلطانة شجر الدُّر، سلطانة مصر والشام، التي يقول عنها الإمام الذهبي في تاريخه: “كانت شجر الدُّر بارعة الجمال، ذات رأي ودهاء وعقل، ونالت من السعادة ما لم ينلها أحد من نساء زمانها، وكان الملك الصّالح يحبّها ويعتمد عليها في شؤون رياسته” .

 ولا ينقضي عجب من يطالع كتب التراجم والطبقات، إذ يرى ذيوع مكانة المرأة المسلمة، ودورها في المجتمع سياسيًّا وثقافيًّا، واجتماعيًّا ودينيًّا واقتصاديًّا.

د. جاسم الجزاع

أكاديمي كويتي

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

رسالة إلى أمريكا

رسالة إلى أمريكا

وقف مراسل شبكة CNN الإخبارية بمنطقة "أيتون" شرقي مدينة لوس أنجلوس الأمريكية، مرتدياً قناعاً واقياً من الغاز، قام بإزاحته عن وجهه، بعد أن طلبت منه المذيعة في داخل الاستوديو أن يصف لها ما يحدث على الأرض. بعيون دامعة، ووجه شاحب مكفهر، تحدث بأسى عن جحيم مروع، تشهده ولاية...

قراءة المزيد
أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!

أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!

أخيراً تحقق لها المراد! فقد صافحت الوزيرة الألمانية أنالينا بيربوك الوزيرَ السوري أسعد الشيباني في الرياض، بعد الضجة الكبرى لعدم مصافحة أحمد الشرع لها، والاكتفاء بالترحيب بها بوضع يده مبسوطة إلى صدره! وكما كان عدم المصافحة في دمشق خبرَ الموسم في الإعلام الغربي، فقد...

قراءة المزيد
غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة

غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة

على مدى ما يقارب ٤٧١ يوماً، وقفت غزة وحيدةً صامدةً تواجه مصيرها، كآخر بقعة تتموضع عليها القضية الفلسطينية، بعد أن تم تدجين العالم العربي كله وصولاً إلى تدجين فلسطين نفسها بقيادة أكثر صهيونية من الصهيونية نفسها، لا هدف لها سوى أن تُنسي الفلسطينيين والعالم كله شيئاً...

قراءة المزيد
Loading...