النبي موسى مصري! (2)

بواسطة | مارس 11, 2024

بواسطة | مارس 11, 2024

النبي موسى مصري! (2)

هذا مقال تكملة للمقال السابق النبي موسى “عليه السلام” مصري!

بدأ سيغموند فرويد كتابه عن النبي موسى بقوله: “تجريد شعب من الشعوب من الرجل الذي يحتفي به على أنه أعظم أبنائه، ليس بمهمة بهيجة ينجزها المرء بخفة قلب، ولكن ليس ثمة اعتبار – مهما جل- بقادر على إغوائي لتجاهل الحقيقة باسم مصلحة قومية مزعومة. إن موسى، الرجل الذي كان للشعب اليهودي محررا، والذي وهب هذا الشعب شرائعه وديانته، ينتمي إلى عصر موغل في القدم.. عاش في القرن الثالث عشر قبل الميلاد، وربما الرابع عشر”.

يؤكد فرويد اتفاقه مع قصة خروج موسى من مصر التي جاءت في التوراة، الأسطورة اليهودية تقول إن آخر موقع خرج منه اليهود إلى الشتات على الحدود المصرية كان قادش، ومن ثم هو نقطة بداية عودتهم، لكن فرويد يذكرنا أن اسم موسى جاء من انتشال أميرة مصرية له من الغرق، حسب الإصحاح الثاني من سفر الخروج، وأن الاسم معناه “من انتشل من الماء”؛ لكن أحد واضعي المعجم اليهودي قال إن الصيغة العبرانية موشي تعني “الساحب ثانية” وليس من انتشل من الماء، وحجته:

1- من غير المعقول الافتراضي بأميرة مصرية المعرفة بأصول الاشتقاق من العبرية.

2- من المؤكد تقريبا أن الماء الذي انتشل منه لم يكن ماء نهر النيل.

تقول الآية العاشرة من سفر الخروج “ودعت اسمه موسى وقالت إني انتشلته من الماء”.

ج. هـ. بريستد واضع تاريخ مصر يقول: “موسى كان مصريا” فالكلمة المصرية “موسى” تعني “طفل”، وهي اختصار لبعض صيغ من الكلمة عينها أكثر كمالا، نظير “آمون- موسى” بمعنى آمون الطفل، أو “بتاح- موسى” بمعنى بتاح الطفل، علما بأن هذه الأسماء نفسها هي في الأصل اختصار للصيغ الكاملة: “آمون (أنجب) طفلا” ، وأن والده أسماه موس، أما حرف “ى” في نهاية كلمة “موسى”، أو حرف “s” فيmoses  ، فقد أضيف في الترجمة اليونانية للعهد القديم، وليس في اللغة العبرانية التي يلفظ بها هذا الاسم “موشي”.

يعتمد فرويد في ربط روايته عن موسى بروايات قديمة مثل قصة مؤسس بابل، ملك بابل سرجون الأكادي (2800 ق.م)، الذي ولدته أمه سرا ووضعته في سلة وتركته للتيار في النهر، لينتشله غراف الماء ويربيه، إلى آخر الرواية التي يتزوج فيها عشتار ويحكم بابل 45 عاما؛ وكذلك أسطورة أوديب وقورش.

أما الرواية التي تقول إن موسى سليل لاويين يهود، واحتضنه بيت ملكي مصري لتربيه أميرة داخل هذا البيت، فهي تقر بأن فرعون أنذر عبر حلم بأن ابن ابنته سيكون خطرا ذات يوم عليه وعلى مملكته، ولهذا أمر بتسليم الطفل فور ولادته لمياه النيل، فأنقذ اليهود الطفل وربوه كأنه من صلبهم.. باحث اسمه “رانك”، كان تلميذا لفرويد، قال إن هذه الرواية خرافه عُدلت فيما بعد “لدواع قومية”!

يقول فرويد إن هذه أسطورة تهدف إلى تمجيد موسى وخلق بطل منه، وإما أنها تعود إلى اليهود أو إلى المصريين (الحال أن الأصل المصري لا يمكن القبول به، لأنه ليس للمصريين داع لتمجيد موسى الذي لم يكن بالنسبة إليهم بطلا. وعليه فإن الخرافة خلقت من قبل الشعب اليهودي، أي ربطت في صيغتها المعروفة بشخص زعيم هذا الشعب).

القرآن يكذب رواية فرويد في قصة آسيا امرأة فرعون وغرق موسى، لكن فرويد لم يتطرق إلى القصة عبر القرآن، فقط تطرق إليها من خلال العهد القديم والعهد الجديد.

يربط فرويد بين قصة طفولة موسى وطفولة المسيح، مع فارق واحد أن هيرودس هو الذي يؤدي هذه المرة دور فرعون، حيث يؤكد فرويد أن موسى كان مصريًّا نبيل الأصل ترعرع في قصر ملكي وأن قصة أسرته الأولى خرافية، والخرافة والأسطورة جعلت منه يهوديا.!

يعود فرويد ليربط موسى بالفراعين مرة أخرى، فيدعي أن أمنحتب الرابع في عهد السلالة الثامنة عشرة الماجدة عام 1375 ق.م، حين تولى العرش فرض ديانة جديدة على شعبه، ديانة توحيدية شاملة، حظرت بعد وفاته (حكم 17 عاما)، يؤكد فرويد أن موسى كان قريبا من إخناتون الذي تعرض للازدراء وأقام بعيدا عن والده في سافلة النهر، تل العمارنة الآن، فأخذ موسى منه تأسيس إمبراطورية جديدة، يعطيها الديانة التي ازدرتها مصر، وأن الخروج تم بعد وفاة إخناتون بين سنة 1358 و 1350 ق.م، لذا يرى فرويد أن ديانة موسى التي وهبها لشعبه كانت ديانة آتون، ثم إن سبط لاوي الذي يرجع إلى أحد أسباط بني إسرائيل الاثنى عشر لا يستطيع أي مأثور أن يثبت من أين جاء هذا السبط؟!

موسى ليس لاويا.. اللاويون كانوا من بطانة موسى.

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

"رأيت أطفالًا محروقين أكثر مما رأيت في حياتي كلها، رأيت أشلاء أطفال ممزقة".. هذه كلمات الدكتور مارك بيرلماتر، طبيب يهودي أمريكي، في شهادته حول العدوان الإسرائيلي على غزة. في مقابلة له على قناة CBS، قدم الدكتور بيرلماتر وصفًا صادمًا لمعاناة أطفال غزة.. الدكتور...

قراءة المزيد
جريمة اسمها التعليم!

جريمة اسمها التعليم!

قالوا قديمًا: "عندما نبني مدرسة، فإننا بذلك نغلق سجنًا".. وذلك لأن المدرسة في رأيهم تنير الفكر، وتغذي العقل، وتقوِّم السلوك؛ وذهب بعضهم إلى قياس تحضر الدول والشعوب بعدد مدارسها وجامعاتها. ومع إيماني الخالص بقيمة العلم وفريضة التعلم، فإنني أقف موقفًا معاديًا تجاه مسألة...

قراءة المزيد
أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

لطالما كان اختيار الإنسان لطريق الهداية أو الضلال معضلةً، طرحت الكثير من التساؤلات عن مدى مسؤولية الإنسان نفسه عن ذلك الاختيار في ظل الإيمان بعقيدة القضاء والقدر، وكيف يمكن التوفيق بين مسؤولية الإنسان عن هداه وضلاله، وبين الإرادة والقدرة الإلهية، وما يترتب عليها من...

قراءة المزيد
Loading...