
النسخة الروسية لحميدتي والجنجويد
بقلم: جعفر عباس
| 29 يونيو, 2023

مقالات مشابهة
-
أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!
أخيراً تحقق لها المراد! فقد صافحت الوزيرة...
-
غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة
على مدى ما يقارب ٤٧١ يوماً، وقفت غزة وحيدةً...
-
سوريا وثورة نصف قرن
سيسجل التاريخ أن يوم ٨ ديسمبر ٢٠٢٤م يوم مفصلي...
-
خطر الدوغمائية على مآل “الميثاق الغليظ” في المغرب!
يزداد انشغالي فكريًّا ووطنيًّا بما سيثيره مشروع...
-
ماذا عن القرار العباسي بإغلاق مكتب الجزيرة؟!.. يا لك من نتنياهو!
فعلها محمود عباس (أبو مازن)، وأكد عندما فعلها...
-
وقد استجاب القضاء لدعوة الرئيس.. ماذا ينتظر المستأجرون؟!
ذكّرني القول إن المحكمة الدستورية العليا في مصر...
مقالات منوعة
بقلم: جعفر عباس
| 29 يونيو, 2023
النسخة الروسية لحميدتي والجنجويد
حميدتي، الذي صار علما على رأسه نيران قذائف وراجمات، هو محمد حمدان دقلو، قائد الجنجويد (اسم الدلع: قوات الدعم السريع) في السودان، التي تخوض حربا ضد الجيش السوداني منذ منتصف أبريل الماضي. ومعلوم أنه، وكما يقول أهل السودان عمن يحظى بمكسب عظيم دون بذل جهد “قام من نومة ولقي كومة”؛ فقد كان الرجل يتاجر بالدواب، وفي غمار الحروب القبلية التي شهدها إقليم دارفور منذ عام 2003، وجد حميدتي نفسه يقاتل لحساب الحكومة ضمن قوات الجنجويد، التي سرعان ما اكتسبت سمعة سيئة عن جدارة واستحقاق، فتم تغيير الاسم إلى “حرس الحدود”، ثم” قوات الدعم السريع”.
وكما هو معلوم، فإن ذلك كان على عهد حكومة عمر البشير، التي فقدت سلطانها في أبريل 2019 في أعقاب ثورة شعبية، استشعر خلالها قادة المؤسسة العسكرية أنهم معرضون للإطاحة والمساءلة القانونية عن بعض تجاوزات تلك الحكومة، فكان ان حنثوا بالقسم الذي أدوه للدفاع عن الدستور الذي حكم عمر البشير بمقتضاه، وانقلبوا على الحكومة، واستصحبوا معهم حميدتي، وجعله عبد الفتاح البرهان، الذي فاز بمنصب القائد العام للجيش، نائبا له على رئاسة مجلس السيادة. وهكذا صار حميدتي الرجل الثاني في جهاز الدولة، فكان أن صبا إلى منصب الرجل الأول، وانقلب على البرهان الذي تعهده وقوات الدعم السريع بالرعاية، وما زالت الحرب سجالا بين الطرفين.
حقيقة الأمر هي أن بريغوجين تمرَّد وتحدى حكومة بلاده لا لسبب سوى رفضه لمساعي وزارة الدفاع الروسية لتنفيذ خطتها للسيطرة على جميع المقاتلين في جبهات القتال في أوكرانيا، بحيث تكون الوزارة هي الوحيدة التي تصدر عنها الأوامر المتعلقة بالشؤون العسكرية
الرئيس الروسي فلادمير بوتين، كان في الأصل ضابطا في جهاز المخابرات السوفييتي؛ وبعد تفكك الاتحاد السوفييتي في أواخر عام 1991، توالت حكومات ضعيفة على موسكو، إلى أن آلت الأمور إلى بوتين، الذي ظل -وما زال- يبدي حماسا شديدا لاستعادة سطوة روسيا السوفيتية في آسيا، وحيثما كان للسوفييت نفوذ، ونجح في رد بعض الجمهوريات السوفييتية السابقة الى مظلة “الاتحاد الروسي”، ثم كان ما كان من أمر غزوه لأوكرانيا، لأنها خارجة عن بيت الطاعة الموسكوفي.
ثم، وفي ذات السنة التي حدث فيها ذلك الغزو، ارتكب بوتين غلطة الشاطر، بتكوين جيش موازٍ للجيش الروسي باسم “فاغنر”، ليتولى مهامَّ قتالية حيثما وجدت روسيا مصالح لها وتعذر عليها إرسال قوات الجيش النظامي لأجلها. وهكذا حدث التفشي الوبائي لفاغنر في ليبيا وسوريا والسودان وأفريقيا الوسطى، ثم أدرك بوتين أن حربه على أوكرانيا لا تسير كما يشتهي، فزجَّ بفاغنر فيها؛ ولكن، وكما أن الدعم السريع السوداني انقلب على من صنعوه ورعوه ليصل إلى إعلان حميدتي بأن حربه مع الجيش السوداني لن تنتهي إلا باعتقال البرهان ومحاكمته، انقلب قائد مجموعة فاغنر العسكرية، يفغيني بريغوجين، وهو النسخة الروسية لحميدتي، على بوتين، متذرعا بأن طيران الجيش الروسي قصف مواقع فاغنر في أوكرانيا، وقتل قرابة الألفين منهم؛ وزحفت قواته خلال الأيام القليلة الماضية على بعض المدن الروسية واحتلتها، ثم تعهد بشنق وزير الدفاع ورئيس الأركان الروسيين في الساحة الحمراء في موسكو.
وكما تكهرب الجو في الخرطوم بعد انقلاب قوات الدعم السريع على حاضنته (الجيش والبرهان)، تكهرب الجو في موسكو وتم الإعلان عن حالة الطوارئ، وانفتحت حلاقيم الإعلام الروسي الرسمي واصمة بريغوجين بأنه ينفذ انقلابا على السلطة، وبأنه خائن لوطنه، لأنه اتهم قيادة الجيش بسلق مسوغات باطلة لدفع روسيا إلى شن هجومها على أوكرانيا. وأنه “لم تشن الحرب لنزع سلاح أوكرانيا أو القضاء على النازية فيها”، كما يزعم بوتين.
وحقيقة الأمر هي أن بريغوجين تمرَّد وتحدى حكومة بلاده لا لسبب سوى رفضه لمساعي وزارة الدفاع الروسية لتنفيذ خطتها للسيطرة على جميع المقاتلين في جبهات القتال في أوكرانيا، بحيث تكون الوزارة هي الوحيدة التي تصدر عنها الأوامر المتعلقة بالشؤون العسكرية، نظير حصول جنود فاغنر على جميع المزايا والامتيازات التي تحصل عليها القوات النظامية، وكما أن حميدتي انقلب على البرهان لأن دمج قواته في الجيش النظامي سيجرده من ذرائع إدارة شبكة ضخمة من الشركات ذات العوائد العالية جدا، فإن بريغوجين الذي تنشط قواته في مجال تهريب الذهب في أفريقيا، لم يقبل الانضواء تحت مظلة وزارة الدفاع الروسية لأن ذلك يحرمه من إدارة قواته وتجيير نشاطها هنا وهناك لمصلحته.
ها هو السودان يحصد نتائج غفلة عمر البشير وعبد الفتاح البرهان، وها هو بوتين يحصد ثمار الثقة بحملة البنادق المأجورين من فاغنر، وسيعاني من مصاعب ذات نتائج مدمرة كل نظام يضع البندقية في أيدٍ غير أيدي القوات النظامية.
وكما البرهان الذي راعه خروج حميدتي من طاعته فوصمه بالتمرد على السلطة، لم يجد بوتين مناصا من إدانة ما أسماه بتمرد وخيانة قيادات فاغنر، وتوعدهم بالحساب العسير؛ ولكن، وبعكس البرهان، تراجع بوتين تكتيكيا ووعد بعدم ملاحقة بريغوجين، لأن الأخير قرر سحب جنوده من المدن والمواقع التي احتلوها. والذين يعرفون بوتين، ومدى قسوته في التعامل مع الخصوم، يقولون إنه يتَمَسْكن حتى يتمكّن، أي إنه يهادن بريغوجين الآن لـ”يتغدى” به لاحقا، قبل أن يفكر بريغوجين في أن “يتعشى” به.
ليبيا ما بعد القذافي ما تزال تدفع ثمنا باهظا لأن خليفة حفتر يأتمر بأمر فاغنر، وسوريا الأسدية تستعين بـ”جنجويد” الشبيحة لقمع الحركات المعارضة، وفي عام 2014 قنَّن رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي وجود قوات الحشد الشعبي، وصارت اسميا فقط تحت إمرة القائد العام للجيش، بينما هي تتصرف باستقلالية شبه تامة حربا وسلما!. ويقول لنا التاريخ إن المماليك، وهم في الأصل محاربون أرقاء، آلت إليهم مقاليد الأمور في مصر لقرابة ثلاثة قرون بعد أن قويت شوكتهم في غفلة من الحكام.
وها هو السودان يحصد نتائج غفلة عمر البشير وعبد الفتاح البرهان، وها هو بوتين يحصد ثمار الثقة بحملة البنادق المأجورين من فاغنر، وسيعاني من مصاعب ذات نتائج مدمرة كل نظام يضع البندقية في أيدٍ غير أيدي القوات النظامية.
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
رسالة إلى أمريكا
وقف مراسل شبكة CNN الإخبارية بمنطقة "أيتون" شرقي مدينة لوس أنجلوس الأمريكية، مرتدياً قناعاً واقياً من الغاز، قام بإزاحته عن وجهه، بعد أن طلبت منه المذيعة في داخل الاستوديو أن يصف لها ما يحدث على الأرض. بعيون دامعة، ووجه شاحب مكفهر، تحدث بأسى عن جحيم مروع، تشهده ولاية...
أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!
أخيراً تحقق لها المراد! فقد صافحت الوزيرة الألمانية أنالينا بيربوك الوزيرَ السوري أسعد الشيباني في الرياض، بعد الضجة الكبرى لعدم مصافحة أحمد الشرع لها، والاكتفاء بالترحيب بها بوضع يده مبسوطة إلى صدره! وكما كان عدم المصافحة في دمشق خبرَ الموسم في الإعلام الغربي، فقد...
غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة
على مدى ما يقارب ٤٧١ يوماً، وقفت غزة وحيدةً صامدةً تواجه مصيرها، كآخر بقعة تتموضع عليها القضية الفلسطينية، بعد أن تم تدجين العالم العربي كله وصولاً إلى تدجين فلسطين نفسها بقيادة أكثر صهيونية من الصهيونية نفسها، لا هدف لها سوى أن تُنسي الفلسطينيين والعالم كله شيئاً...
0 تعليق