النيجر بين عدالة العرب وجور الفرنسيس

بواسطة | أغسطس 13, 2023

بواسطة | أغسطس 13, 2023

النيجر بين عدالة العرب وجور الفرنسيس

النيجر دولة حبيسة تقع في الصحراء في غرب أفريقيا، وقد سميت بهذا الاسم نسبة إلى نهر النيجر الذي يخترق البلاد؛ ويمثل المسلمون غالبية السكان، ويتبعون المذهب المالكي، والبقية مسيحيون ووثنيون، ويعتبر مسجد أغاديس من أعرق المساجد في النيجر، واللغة الفرنسية هي اللغة الرسمية للبلاد، أما اللغة العربية فتستخدم في التخاطب.
يرجع تاريخ دخول النيجر في الإسلام إلى وقت مبكر جدا، ففي القرن الأول الهجري، السابع الميلادي، وبالتحديد في عام 46هـ/ 666م دخل الإسلام بلاد النيجر لأول مرة على يد عقبة بن نافع الفهري، وذلك بعد أن فتح منطقة فزان في ليبيا، ثم توغل في الصحراء الكبرى، ثم واصل فتوحاته نحو الجنوب حتى وصل إلى منطقة كوار التي تقع في الطرف الشمالي الشرقي للنيجر، فحارب أهلها وأدخلهم في الإسلام، ثم عاد إلى غدامس، وهذا أول الأقوال في تفسير دخول النيجر في الإسلام.
ويرى آخرون أن دخول الإسلام إلى بلاد النيجر كان عن طريق التجار العرب، الذين كانوا يفدون إلى شمال أفريقيا من أجل التجارة،  وقد قام هؤلاء التجار بدور الدعاة واستطاعوا أن يقوموا بتحسين صورة الإسلام في هذه البلاد بتمسكهم بأخلاق الإسلام، وسماحتهم في البيع والشراء، وقد جذبت هذه الصفات الحميدة كثيرا من السكان المحليين في النيجر إلى دين هؤلاء التجار؛ ومن العوامل التي ساعدت التجار على نشر الإسلام زواج المقيمين منهم من نساء محليات كُنَّ من بيوت رؤساء القبائل، فأدت هذه المصاهرات إلى دخول الطبقة الحاكمة في النيجر في دين الإسلام. والجدير بالذكر أن القبائل العربية كانت لهم علاقات تجارية قوية مع بلاد أفريقيا قبل الإسلام، وبعد ظهور الإسلام توطدت هذه العلاقات.
وهناك من يرى أن الإسلام انتشر في بلاد النيجر عن طريق المرابطين، وذلك عندما وصلت جماعات المرابطين من شمال أفريقيا إلى إقليم (آييرا) الواقع شمال النيجر، واستقروا فيه فترة من الزمن وأنشأوا العديد من المساجد، واستقروا في مدينة أغاديس لمدة أربعة قرون ثم هاجروا نحو الغرب.
ومن أشهر ملوك النيجر الذين دخلوا في الإسلام الملك (كوزي)، وقد اعتنق هذا الإسلام على الرغم بقاء القبائل على ديانتها؛ وكذلك اعتنق الإسلام (مومى)، سلطان كأنما، وكان قد عرف الإسلام مع ملوك مالي؛ وقد بدأ الدعاة يتوجهون نحو ملوك الهاوسا وزعماء القبائل يدعونهم إلى الإسلام.
وقد لعبت الطرق الصوفية في القرن التاسع عشر الميلادي دورا مهما في نشر الإسلام مجددا في بلاد النيجر، ومن هذه الطرق الطريقة السنوسية، فكانت استمرارا لحركة التجار والدعاة التي سبقتها بحوالي عشرة قرون، فقد قامت هذه الجموع الدعوية بالقضاء على البدع، والخرافات التي تفشت بين المسلمين، ودخل الناس في دين الله جماعات؛ فقد قاموا بتعليم الصبية في النيجر، وكان منهم العلماء والخطباء والكتاب، وكان أغنياء الدعاة يفتحون المدارس للطلاب، أو يختارون أذكى الشباب ويرسلونهم إلى مراكز العلم والثقافة في شمال أفريقيا ليعودوا قادة معرفيين بين أهليهم.
ولقد ترتب على انتشار الإسلام في بلاد النيجر انتشار اللغة العربية، وتأصلت جذور الحضارة الإسلامية والثقافة العربية، وانتشرت المدنية الإسلامية، وتحولت الحياة من نظام القبيلة إلى نظام الدولة. وقد كتب أحد المؤرخين الأفارقة واصفا أثر الإسلام في إصلاح المعارف الإنسانية في أيام إمبراطورية صنغاي فقال: “إن الإسلام لم يأت في هذا المجال إلا بكل جديد وطريف، وبذلك فقد طور الحياة الحضارية وطبع التاريخ الأفريقي بطابع عميق منذ ذلك الحين”.
ومن النتائج التي ترتبت على انتشار الدعوة الإسلامية في بلاد النيجر، تغير سلوك السكان المحليين، فتمت محاربة العُري، وتم تنظيم العلاقة بين الزوجين وتحديد عدد الزوجات، وتنظيم الحياة الأسرية والاجتماعية، وبالتالي أصلح الإسلام شأن المجتمعات الأفريقية.
والنيجر دولة غنية بموارد الطاقة وخصوصا اليورانيوم، فضلا عن كميات كبيرة من احتياطيات الذهب والنفط، لذلك سال لعاب الفرنسيين في خططهم الاستعمارية على بعض مناطق النيجر، التي بدأت في أواخر القرن التاسع عشر، وأصبحت دولة النيجر مستعمرة فرنسية حتى نالت استقلالها عام 1960. ولم تنته مصالح فرنسا في هذا البلد بانتهاء الحقبة الاستعمارية، لذلك جُنَّ جنونها بحدوث انقلاب عسكري قد يهددها ويضر بمصالحها، فهي كانت ولازالت تنعم بخيرات النيجر وتحرم أهلها حق الانتفاع بخيرات بلادهم.

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

حرب إسرائيل على أطفال فلسطين

"رأيت أطفالًا محروقين أكثر مما رأيت في حياتي كلها، رأيت أشلاء أطفال ممزقة".. هذه كلمات الدكتور مارك بيرلماتر، طبيب يهودي أمريكي، في شهادته حول العدوان الإسرائيلي على غزة. في مقابلة له على قناة CBS، قدم الدكتور بيرلماتر وصفًا صادمًا لمعاناة أطفال غزة.. الدكتور...

قراءة المزيد
جريمة اسمها التعليم!

جريمة اسمها التعليم!

قالوا قديمًا: "عندما نبني مدرسة، فإننا بذلك نغلق سجنًا".. وذلك لأن المدرسة في رأيهم تنير الفكر، وتغذي العقل، وتقوِّم السلوك؛ وذهب بعضهم إلى قياس تحضر الدول والشعوب بعدد مدارسها وجامعاتها. ومع إيماني الخالص بقيمة العلم وفريضة التعلم، فإنني أقف موقفًا معاديًا تجاه مسألة...

قراءة المزيد
أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

أيُضلُّ الإنسان نفسه أم يُكتب عليه الضلال جبراً؟

لطالما كان اختيار الإنسان لطريق الهداية أو الضلال معضلةً، طرحت الكثير من التساؤلات عن مدى مسؤولية الإنسان نفسه عن ذلك الاختيار في ظل الإيمان بعقيدة القضاء والقدر، وكيف يمكن التوفيق بين مسؤولية الإنسان عن هداه وضلاله، وبين الإرادة والقدرة الإلهية، وما يترتب عليها من...

قراءة المزيد
Loading...